بصدفةٍ بحتة، قابلت جاري الفودافوني وأنا في طريقي المعتاد لشراء زجاجة سوبيا من عند الحسيني قبل الإفطار بساعة إلا ربع.
سألته بحنو بعد أن ربتّ على كتفه: أما زلت تاركًا البيت لأهلك؟
رد بلا مبالاة مشيحًا بيده: آه!
سألته بـ”إستايل” أحمد عبد العزيز في ذئاب الجبل: ألا تعلم أن قوتك في عيلتك؟ ألم تشاهد إعلان فودافون في رمضان؟!
أجاب بلا مبالاة أشد: شوفت أمه!
قلت له، و”إستايل” أحمد عبد العزيز مستمرًا معي: طالما أنك شاهدت أمه يا أخي، لماذا لم يهتز وجدانك؟ لماذا لم يخشع قلبك؟
لماذا لم تعرف أن الله حق؟ ألم تتأثر بعدوية الذي أحس بأن ابنه سيطلبه، وبالفعل طلبه؟!
تحولت اللا مبالاة لعصبية لا قِبل لي باتقاء شرها: تلك الشركة التي ضحكت عليك بإعلان كانت أحد أسباب بوظان علاقتي بعيلتي.
سألته وكلي لهفة لمعرفة العلاقة: كيف ذلك؟
تحولت العصبية لشجن، أجاب والدمعة تكاد تفر من عينه:
كانت هذه الشركة دائمًا ما تسرق الرصيد! كنت أذهب لأبي وأطلب منه مصروفًا زيادة كي أشحن، ولكنه في كل مرة كان يظنني أُنهي الرصيد في الدخول على النت لمشاهدة.. اللهم إني صائم.
حاولت تهدئته بكلمات تقليدية فقاطعني منفعلًا: عمره ما كنسل واتصل مثل كل الأبهات، كان دايمًا بيفتح عليا! ماكنتش عارف ألاقيها منه ولا من الشركة.
قلت له : “اهدا كدة يا أبو حميد -نسيت اسمه، كان محمدًا أو أحمدًا- إحنا في أيام مفترجة”
هممت أن أودعه، فإذا بصديقي الموبينيلي في وشي، وجدته ينهر متسولا! فتركت جاري وهرعت إليه غاضبًا، ودون سلامات سألته: ألم تر إعلان موبينيل هذا العام؟ فرد: شوفت أمه، فقلت: طالما أنك أنت الآخر شاهدت والدة سيادته لما لا تكن أنت فاعل الخير؟ فرد باستهتار: إنت هتعملي فيها عمرو خالد، مش ناقصاك، ثم أخبرني بأن أحد أسباب غضبه الدائم أن موبينيل لا تفعل معه الخير! قائلًا بعصبية: مفيش شبكة دايمًا، اشتركت في باقة النت الغالية حتى أستعين بها على ملل الدائري خلال عودتي من الشغل، فإذ بالمفاجأة.. مفيش شبكة على الدائري أصلًا.
استطرد قبل أن أنطق بكلمة واحدة: يرضيك أبقى بقرأ على إعلانات المحور أد إيه موبينيل شبكة حلوة وجميلة وبنت ناس، وقدامي الموبايل مش عارف يحمّل شات البت؟!
لم أجد طريقة لتهدئته إلا بسحبه من يده لتعريفه بأبو حميد.
بعد السلامات وبعد أن لاحظ التأثر على وجه أبو حميد، سألني: هو صاحبك -يقصد جاري- ماله؟!
قصصت له قصته مع فودافون، فرد بتلقائيته المعهودة: إيه الهيافة دي؟ أومال لو شاف مشاكلي مع موبينيل، فرد جاري عليه ردًا أظن أنه أفقده صيام الشهر كله، واشتعل الموقف بينهما وأخذ كل منهما يعدد للآخر عيوب وعورات الشركة التي ينتمي إليها خطه، وقبل أن يتطور الأمر إلى اشتباك بالأيدي.
تدخلت: “ويلكما! تحكما على بعضكما بعد أقل من 7 ثوان من تقابلكما؟! ألم تشاهدا إعلانات كوكاكولا على “فيس بوك”
التي…”لم أكد أكمل سؤالي حتى تركا بعضهما البعض وانهالا علي سبًا وضربًا مبرحًا حتى أصبح لون وجهي كلون شريحة جاري الفودافوني”!
انتهت القصة القصيرة الحزينة جدًا.. وبقي أن أسأل أصدقائي المنبهرين بإعلانات رمضان عدة أسئلة:
ما علاقة كوكاكولا كمشروب غازي بالحكم على البشر خلال 7 أو 8 ثواني؟ المشربات الغازية أصلًا من مسسببات الاكتئاب، المكتئب لو حكم على الناس بعد 3 ثواني يبقى كويس.
ما علاقة بيبسي بالزمن الجميل؟ في ذلك الزمن لم يكن هناك أصلًا بيبسي ولا أي من الشركات العابرة للقارات.. كنا نُصنع المياه الغازية هنا حتى تم انفتاح السادات الذي مسح الزمن الجميل بأستيكة.
لماذا تستخدم الشركات في ترويج سلعها قيم نبيلة أبعد ما تكون عن حقيقة دورها.. وتتجنب الإعلان عن سلعتها بمزايا جديدة تقدمها للعميل؟
ما علاقة فودافون بشعار إعلانها “قوتك في عيلتك”؟ أم أنها ستضيف مثلًا خاصية تجعل عملائها يهاتفون أقاربهم بتعريفة أقل؟!
ما علاقة موبينيل بشعار إعلانها “فاعل خير”؟ هل ستفعل الشركة خيرًا بعملائها وتحسن من شبكتها، أو تهديهم رصيدًا مجانيًا بمناسبة الشهر الكريم أو عيد الفطر؟! أم ستكتفي بمطالبة عملائها بعمل الخير بين بعضهم البعض وتكتفي هي بعمل الجلاشة معهم؟
هل صدّقت أن اتصالات نفذت إعلانًا ساخرًا من فودافون؟ اطمئن.. يجلسون جميعًا في النهاية على نفس المنضدة لبحث الطريقة المثلى لاستغلال سيادتك.
وأخيرًا.. كيف انبهرْت وصدّقْت وروّجْت وشيّرْت إعلانات تلك الشركات، ثم تاني يوم أغلقت هاتفك ونزعت الشريحة 5 ساعات غضبًا من استغلالهم، ولأنهم ليسوا من “فاعلي الخير” ولا يراعوا رغبتك في التواصل مع عائلتك التي “قوتك فيها” وليس بينهم منافسة حقيقية على تقديم أفضل خدمة لسيادتك؟!