ليست الكتابة عن رجل مثل د. أشرف زكي سهلة.. فمن الصعب بل ومن المستحيل أن تجد زاوية محددة تفي هذا الرجل الكبير حقه دون أن تفقد الزوايا الأخرى وجاهاتها وحقها.
بأيها تبدأ؟! بالأكاديمي المعلم الذي تخرجت على يديه أجيالٌ من المبدعين.. أم بالقيادة الإدارية التي تستطيع تجاوز أية عقبات وتحقيق قمة النجاحات بأقل أدوات وبحرفية عالية لا نظير لها.. أم بالنقابي خادم الجميع الذي لا تغيب عنه صغيرة ولا كبيرة ولا يفوته واجب مهما بدا هذا الواجب هيّنا في أعين الآخرين ومهما كانت ظروف أشرف زكي قاسية وجدوله مشحون بالمهام والمسؤوليات.. أم بالإنسان (وهي الزاوية الأكبر والأبرز في هذا الحضور) الذي لا يمكن أن تتخيل احتشاده بكل طاقاته وقواه من أجل نصرة ضعيف أو تحقيق حلم إنسان وتذليل كل العقبات وتجاوزها معه إيمانا منه بالحلم والقضية والمبدأ.
منذ أن اقتربت من د. أشرف زكي.. وبعد دقائق معدودة من جلوسي أمامه أحسست أنني أعرفه منذ سنوات طويلة.. مد يده في لحظات ليرفع ما بيننا من حواجز درجات التراتب الوظيفي فهو رئيس الأكاديمية وأنا مجرد مدرس من المئات الذين يشرفون بالعمل بمعاهد الأكاديمية.. رأيت فيه “العُمدة” كبير المكان الذي يعرف الجميع ويعرفونه ويلجأ إليه الصغير قبل الكبير في مشكلاتهم الشخصية التي خارج الأكاديمية قبل الإدارية التي داخلها.. هذا يزوّج ابنته ويريد إجازة لابنه المُجند بمطروح لحضور حفل الزفاف.. يجري أشرف زكي اتصالاته وينهي الأمر.. وآخر من عُمّال أحد المعاهد يحتاج إلى عملية جراحية دقيقة وتكلفتها باهظة.. يتم تحويله إلى المستشفى المسؤولة عن التأمين الصحي لأعضاء هيئة التدريس ليتم إجراء العملية دون أن يتكلف العامل جنيه واحد.. وثالث موهوب لكن شهادته الثانوية لا تتفق وشروط اللائحة القديمة.. يصدر أشرف زكي توجيهاته بتعديل اللائحة ويشرف على اجتماع المعهد بنفسه ليتم تعديل اللوائح قانونيا ويتم قبول الطالب.. وأخرى تعاني من عقبات في معادلة شهادتها الثانوية التي حصلت عليها من إحدى الدول العربية للتقديم بالأكاديمية وأهلها ما يزالون في الخارج.. يذهب أشرف زكي بنفسه لمكتب التنسيق ويذلل كل العقبات وتنهي الطالبة إجراءاتها وتلحق بالدارسين الجدد.. وآخرون وآخرون كل يوم يلجأون إلى “العُمدة” لتحقيق أحلامهم التي تحول بينها وبينهم العقبات.
لم يكن مشهد الأمس غريبا ولا وافيًا لكنه كان جميلا وصادقا وإنسانيا (أثناء تكريم أ.د أشرف زكي على خشبة مسرح المعهد العالي للفنون المسرحية في افتتاح فعاليات الدورة 37 لمهرجان المسرح العربي) فما قدمه د. أشرف وما يزال يقدمه للأكاديمية منذ أن تولى مسئولية رئاستها إلى يومنا هذا يصعب تسطيره في مجلدات ومجلدات.. قد نختلف معه في أشياء.. وننتقد أحيانا سرعته وعصبيته ومزاجه الحاد وإصراره على ما يراه دائما.. لكننا نعرف بعد فترة أنه كان ينظر من زاوية أخرى أدقّ.. أو أنه كان يسابق الزمن ويرغب في الانتصار بنا عليه.
إن ما قدمه د. أشرف زكي لأكاديمية الفنون في عامين فقط لم يتحقق لها في عشرين عاما بل وأكثر.. محبةً وإخلاصا لهذا الكيان الفني والعلمي الكبير العظيم.. ورغم أنني دائما ما أقف في صفوف المتشائمين والمعارضين.. وأنني لم أعتد أبدا مديح مسئول إلا بعد انتهاء وجوده في منصبه.. فإنني وللأسف وللمرة الأولى مُجبَرٌ على تحطيم هذه القاعدة مع أستاذنا الدكتور الفنان أشرف زكي.. فكما أنك لا تستطيع أبدًا أن تصفق للباطل.. وجبَ عليك وجوبًا أن تقفَ إجلالا وتقديرا للحق والخير والجمال وإن ظنّ بك الآخرون الظنون. شكرا أشرف زكي.