أنس هلال (نقلاً عن جريدة المقال)
لم تعد الصحف والمواقع الإخبارية تترك فرصة لمحبي أي فنان راحل للشهور بالحزن وإحساس الفقد وبالتالي وداعه الغائب بما يليق، المواقع اللاهثة خلف “الترافيك” عادت من جديد لهوايتها التي لا تتوقف عنها أبدا في السنوات الأخيرة، وفاة نجمين كبيرين دفعة واحدة أولهما سامي العدل على المستوى المحلي ثم العالمي عمر الشريف، فرصة لا يمكن أن تفوتها تلك المواقع دون أن تقع في أخطاء ترسخ الصورة السلبية عن الصحافة المصرية في العقد الأخير وربما أبعد من ذلك، فأمام جنون «الترافيك» لا مانع من الرُخص والابتذال بل حتى تزييف وشراء المشاهدات، والأسوأ هو انتهاك حرمة وجلال الموت للخوض فى أسئلة عنصرية ليس هذا هو الوقت ولا الظروف المناسبة لطرحها هذا إن جاز طرحها من الأساس، ما الذى تعنيه ديانة عُمر الشريف فى موهبته ومشواره والأهم بعد وفاته ؟
لماذا لم تترك الصحافة النجم العالمى ليرحل فى سلام مثلما عاش طوال فترته الأخيرة؟
بل على العكس قلبت الصحف تفاصيل حياته رأسًا على عقب بحثًا عن خبر جديد، واتسمت التغطية بالمبالغة الشديدة وكان واضحًا أن الهدف لم يكن لا التجديد فى شكل المعالجة ولا الاختلاف فى التغطية فى إطار المنافسة بين مدرسة صحفية وأخرى، بل هى التجميعات المكررة والتى تتسابق عليها المواقع من تفاصيل مداخلة الأثري الشهير وصديق الراحل زاهى حواس مع وائل الإبراشى على قناة دريم 2، والمستشفى الذى كان يتواجد به عمر الشريف فى آخر فترات حياته، وقصة الحب الشهيرة التى جمعته مع سيدة الشاشة الراحلة فاتن حمامة، والتى استغلتها الصحف أسوأ استغلال للعب على اهتمام الناس بها بأسلوب أقل ما يوصف به أنه مبتذل، وجميعنا يذكر الأخبار التى نُسبت كذبًا إلى عمر الشريف بعد وفاة فاتن حمامة، والمحررون الذين أطلقوا العنان لخيالاتهم وكتبوا مجموعة من الخواطر الرومانسية على أنها كلمات وداع من عمر الشريف لها، وهو ما نفاه حواس جملة وتفصيلة، بل أن الفترة الأخيرة كان يعيش فيها النجم العالمى فى ظروف صعبة لإصابته بالزهايمر كما أكد حفيده فى تصريحات لأحدى الصحف الأجنبية من شهور قليلة، الجميع تجاهل خصوصية أى علاقة وطرفيها، وأن الزمن لا يبقى كما نتخيله، وأكثر ما مثل نموذج ومثال حقيقى للاحترام أمام كل هذا الرُخص والقُبح الذى نشاهده، هو الزوج المُخلص والدكتور المحترم محمد عبد الوهاب زوج فاتن حمامة، والذى أصر على الحضور إلى جنازة عمر الشريف وتوديعه إلى مثواه الأخير، فى معنى لا يفهمه إلا من يعرف كيف يكون الحب الصادق، وكيف يكون الإنسان إنسانًا.
ولأننا لا نجيد سوى فرد الصفحات والأخبار وعنونتها بمظاهر الحزن والأسى، كان الواقع فى جنازة عمر الشريف مؤسفًا للغاية، كانت مظهر حقيقى للغوغائية التى نعيشها والتى أصبحت جزء من تركيبتنا فى إفساد أى شئ ذا قيمة، حضور فنى لم يكن أبدًا بما يليق بعطاء الفنان العظيم، مواقف غلبت عليها العشوائية والهرجلة، حتى أن عماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق سُرق الحذاء الخاص به من المسجد وهو يُصلى صلاة الجنازة!، والصحفيين والمصورين كانوا أكثر مَن تسبب فى هذه الهرجلة فى سبيل التقاط صورة لفنان أو لتجمع من الفنانين، وخرجوا عن أى مظاهر احترام، بالتأكيد الاهتمام الإعلامى بحدث مماثل أمر طبيعى، ولكن من شاهد صور تكدس الكاميرات فى ساحة المسجد والفقيد متواجد أمامها، والتسابق لالتقاط اللقطات، كان مشهد يخرج عن نطاق الآدمية، بعد أن تتحول الجنازة إلى جلسة تصوير ويتحول الموت إلى خبر.
ما زلنا نلاحظ هذه المشاهد لأن الجميع و الدولة في المقدمة، لا تحترم الرموز ولا تُقدر المبدعين، وسيظل إعلامنا فى الهبوط إلى هذا الدرك الأسفل أمام الغياب الواضح للمعايير، وافتقاد أى مفاهيم حقيقية للمهنية أو حتى للإنسانية، كل هذه التفاصيل سترحل وما سيبقى فى الذاكرة فى النهاية هو موسوعة الإبداع التى خلفها هؤلاء الرموز الذين رحلوا عنا، وأضافوا لتاريخ التراث الفنى بل والإنسانى بمساهماتهم وأعمالهم التى ستبقى عنوانًا لهم نتذكرهم بها.
اقـرأ أيضـاً: