لطالما عاش نجوم السينما المصرية خلال العقد الخامس و السادس و حتى الثامن من القرن المنصرم بأسلوب حياة قد يبدو مبالغ فيه لدى الكثير من العامة. أسلوب يغلب عليه البذخ و الإسراف في مظاهر الاستمتاع و التمتع بالدنيا و ما فيها من مبيحات و محرمات على حد سواء إلا أن أي من هذا لم يؤثر قط على شعبية نجوم تلك الحقب، حتى حينما وصل الوضع لذروته باتجاه العديد من نجوم السبعينات و الثمانينات لتعاطى المخدرات، كانت الرغبة الأكبر لدى الجماهير هي الشفاء للنجم المحبوب. لا اتذكر سماع أي من جمهور سعيد صالح يقول أن حبه للأخير تدنى بسبب ما أعُلن عن مشاكل الراحل مع المخدرات مثلا. كان هناك حالة اتفاق مجتمعي على أن الفنانين يمتهنون مهنة مختلفة و يقدمون منتج إبداعي مختلف و من الطبيعي أن يعيشوا تلك الحياة المختلفة عن باقي الاغلبية من الشعب.
نرشح لك : في ذكرى ميلاده الـ 86.. 8 أفلام صنعت عالمية عمر الشريف
إلا و أنه منذ منتصف التسعينات و حالة الجهر بالتدين التي أصابت البلد اتسعت لتشمل نجوم السينما و مشاهير الفن و الرياضة، و أصبح جانب التقوى و الورع أو على الاقل “الالتزام” الظاهرى من المكونات الأساسية لضمان شعبية أي نجم او ممثل. بدأنا نرى في العديد من المناسبات الكثير من الممثلين الحريصين دائما على الحديث عن “علاقتهم القوية و الوطيدة بالخالق” في العديد من المناسبات، بل أصبحوا حريصين على إبراز عباداتهم الدينية و نشر توثيقات لها على مواقع التواصل الاجتماعى و غيرها كالفنان الذي اتجه لقضاء فضيلة العمره بعد الانتهاء من تصوير مشاهده فى مسلسل هذا أو فيلم ذاك او الفنانة التي تصرح دائما بأنها تقضى كل موسم للحج بالأراضى المقدسة.
زادت تلك “الشعائر” حتى أصبحت عاملا اساسيا في ضمان نجومية الفنان على الرغم من عدم وجود أي علاقة بين نبوغ الممثل الفني و قربه أو بعده من الله، فذا لم يكن الفنان “ورعا” في عيون جماهيره فعلى الأقل يجب ألا تخرج أية أخبار عن مغامراته العاطفية أو سهراته أو ما شابه إلى الإعلام حتى يحتفظ بتلك المكانة وهذا هو النظام المقبول حاليا!
عمر الشريف عاش حياة مغايرة تماما عن كل ما تم ذكره في الفقرة السابقة و الأدهى من ذلك أنه لم ينفى أو يحاول حتى إخفاء ذلك عن الإعلام العالمي أو المصري. قد يقول البعض أن عمر الشريف أتى من زمن غير الزمن حين كانت مصر مختلفة تماما عن مصر التي نحيا فيها الآن، لكننى أكاد أجزم أن عمر الشريف لو كان عاش بمصر خلال الأربعون عاما الماضية لكان سلك نفس الدرب في عدم تصنع التقوى والصلاح. كما أن الشريف عاش بالقاهرة بشكل فعلي منذ نهاية التسعينات و قام بعدة أعمال سينمائية بل و تلفزيونية في مصر حتى وفاته و كان ضيفا للعديد من الأحاديث الصحفية عبر القنوات المصرية و العربية، هنالك سمة تميّز جميع أحاديث عمر الشريف الصحفية و هي الصراحة في الحديث عن كل من حياته الشخصية و حياته العملية.
عمر الشريف دائما ما اقرن حقيقة انه لم يقع فى حب اى امراة بعد فاتن حمامة بالقول انه مر بالعشرات من العلاقات النسائية ما بعد طلاقه من سيدة الشاشة العربية. عمر الشريف دائما ما تحدث عن عشقة للمقامرة و لعب البريدج بل و عن الخسائر المادية الكبيرة التى تكبدها فى بعض الاحيان ارضاءا لشغفه بتلك الهواية.
عمر الشريف لطالما اعلن ان ما يعتز به من اعماله بهوليوود لا يتعدى عدد اصابع اليد الواحدة، معترفا بانه قدم العديد من الاعمال الاخرى التى شارك فيها لحاجته المادية. عمر الشريف لم ينفى ابدا ان ابنه وقح فى حب امراة بولندية يهودية – مضيفا انه مثل ما فعل هو مع بربرا سترايسيند فى نهاية الستينات – فقد علّم ابنه ان لا يسأل اى فتاة عن ديانتها قبل ان يقبلها. عمر الشريف لم يحاول قط اضفاء اى صبغة من صبغات التقوى او الالتزام او عمل الخير او حب البشرية او غيرهم من اساليب ترويج النفس التى عادة ما يتبعها العديد من المشاهير العرب فى ايامنا تلك، بل كان دائما حريص على الاعتراف بانه لربما عاش حياة بها نوع من الانانية. عمر الشريف دائما ما كان شكورا للحياة التى عاشها و ما حققه من نجاح مادى و عملى و بالاخص المادى، فهو لم يحاول ابدا اخفاء حقيقة ان عمله و شهرته قد ادروا عليه الملايين من الجنيهات و الدولارات فى بعض الاحيان “لارضاء ذوقه المكلف”. كل هذا مع تاكيده لما نعرفه عنه مسبقا و هو انه ابدا لم يؤذ احد مطلقا او يتعمد الاضرار بأى شخص فى حياته.
انا لست بصدد تبرير او تجريم اسلوب حياة عمر الشريف. هو نفسه لم يسعى لتبرير اى شئ فى حياته فاقامة العشرات من العلاقات النسائية و مصاهرة يهودية او شغف بالمقامرة وصل للادمان فى مرحلة من المراحل، كل هذا يبدو من الاخطاء الجسيمة لدى الاغلبية من المصريين و غير المصريين فى بعض الاحيان، سواء من الناحية الدينية او حتى الاخلاقية و لكن بالرغم من كل ذلك و بالرغم من بعض الاصوات التى لم تترحم على وفاته هنا و هناك متعللة بانه عاش حياة مليئة بالمحرمات، الا ان الاغلبية العظمى من المصريين حتى الاكثر تدينا و تزمتا منهم، جميعهم ظل محبا لعمر الشريف حزينا على وداعه، ذلك لان عمر الشريف كان صادقا مع نفسه و معنا. لم يتدعى شيئا لم يكن عليه و لم ينفى خطئا ارتكبه بل كان دائما اول المعترفين باخطائه. عمر الشريف جعل موهبته فى التمثيل مقتصرة على وقوفه امام الكاميرا و ليس فى احاديثه الصحفية او حياته اليومية مثلما يفعل الكثير من “نجومنا” المعاصرين.
كل هذا كان مغلفا بحس و تذوق فنى و انسانى رهيب: قمة فى اللباقة اذهلت كل من قابله على المستوى الشخصى او حتى شاهده على شاشات التلفزيون و السينما، اناقه معهودة لا تتوافر لدى العديد و العديد من نجومنا المعاصرين ممكن يملكون ثروات اكبر بكثير من ما ملك الشريف يوما، وسامة فتنت اعتى النساء حول العالم، الا ان صراحة عمر الشريف و اتساقه مع ذاته لطالما كانت هى العامل الاكبر فى تمكنه من تصدير هذا السحر – المحرم لدى الكثير – لنا.
لقد تقبلنا و عشقنا عمر الشريف و سنظل نعشقه طالما حيينا و تذكرناه و لن نتوقف عن حبه لانه امتلك ذلك الحس الطبيعى و ذلك الصدق الذى يجعلنا نتغاضى بل و ننبهر باسلوب حياته المترف هذا. ذلك الحس الذى يجعلنا نتقبل سحره المحرم و نتمناه لانفسنا فى الكثير من الاحيان.