أنس هلال
قبل شهرين كان أبرز ما يشغل المصريون هو اكتشاف مزرعة للحمير فى محافظة الفيوم بها 1500 حمار حى، و 30 حمارًا مذبوحًا، تستخدم لحومها لتوريدها إلى مطاعم القاهرة، مما كان بمثابة فضيحة متكاملة، وطالت الاتهامات كثير من المطاعم الشهيرة كان من أبرزها مطعم «أم حسن»، والذى تداول البعض صورة على «فيس بوك» تظهر فيها قوات الشرطة أمام أحد فروع المطعم الشهير بالمعادى، وعلق جمهور مواقع التواصل الاجتماعى على الصورة باعتبارها ضمن حملة إغلاق لفروع المطعم بعدما جاء اسمه المطاعم التى تورد إليها لحوم الحمير، ولكن حقيقة الأمر كانت مختلفة وكانت مجرد حملة للتفتيش على الترخيصات فى المنطقة وتم إغلاق فرع المعادى لهذا السبب، أى أن الغلق كان خطوة إجرائية ليس لها علاقة بسلامة اللحوم أو بأزمة الحمير.
بعدها انطلق المهندس محمد شمس الدين رئيس الشركة المالكة لمطعم أم حسن باكيًا فى الفضائيات وفى التصريحات وقام بدوره فى الدفاع عن المطعم بكل الطرق، إلى أن انطلقت فى بداية رمضان أضخم حملة إعلانية تقريبًا لمطعم أكلات، الحملة احتلت المساحة الأكبر من الفواصل الإعلانية وتكررت على أغلب القنوات الكبرى، لتبدأ فى استرتيجية دفاعية تستعرض مميزات المطعم من حيث جودة اللحوم وأن الأسياخ مصنوعة من مادة كذا واللحوم يتم طهيها فى درجة كذا، وأقحمت نفسها فى مواجهة مباشرة مع الاتهامات، ورأى الكثيرين أن الحملة كان بها كثير من المبالغة والمعلومات التى تفتقر للدقة من حيث عدد العاملين المبالغ فيه مقارنة بعدد فروع الحملة من الأساس، وامتلأت الإعلانات بمصطلحات بيولوجية عن التلوث الغذائى ورغم صحة المعلومات التى وردت بالإعلان إلا أنها قوبلت بالسخرية الشديدة من الكثيرين، الحملة افتقرت لمقومات الإعلان الناجح، ففى سباق رمضان وأمام الإنتاج الضخم والأفكار المبتكرة للإعلانات، ارتكزت إعلانات أم حسن على فكرة واستراتيجية واحدة أخذها الجمهور تحت محمل أن الهدف منها هو رفع شعار “إحنا كويسين ومعندناش لحوم فاسدة وبنغسل اللحمة بديتول”.
بينما تقوم أغلب المنتجات السلعية مثل المطاعم أو المعارض الخاصة بالسيراميك وغيرها على اعتماد استراتيجية “الاستعراض” لشكل الأكلات وأنواعها وتميزها، حل “الاستعراض” فى إعلانات أم حسن فى المرتبة الثانية بعد استراتيجية الدفاع، والأزمة الكبرى فى هذا الأسلوب أن الرد المباشر خاصة بعد الجدل الأخير ما زال يربط بشكل أو بآخر باسم المطعم وأزمة الحمير مهما تم نفى ذلك، وهذا الربط كفيل وحده فى الاضرار بسمعة واسم المطعم، فى مقابل أن مطاعم أخرى تبنت استراتيجية التجاهل، واعتمدت على الاسم وجودة الخدمة والأكل ولم تتورط فى مغامرة انفاق كل هذه الملايين على الإعلانات.
عامل آخر أدى لفشل الحملة مقارنة بالملايين التى تكلفتها، هو أن التكثيف الإعلانى واحتلال مساحات زمنية كبيرة على الشاشة وفى الفواصل الإعلانية الرئيسية، لم ينعكس على جودة الخدمة والأكلات فى الواقع، بل انهالت كثير من الشكاوى على أرض الواقع من رواد المطعم من حيث الأسعار المُبالغ فيها وأن الأكلات ليست خيالية أو مُختلفة كما تم تصويرها، فضلًا عن وجود شكوى من أحد رواد المطعم انتشرت كالنار فى الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعى، بخطأ فى حساب الفاتورة لا يمكن أن يحدث في مطعم يقول أنه شعبي وفي متناول الجميع.
يضاف إلى ما سبق أن أفضل إعلانات أم حسن بالأساس لم تكن ضمن الحملة الضخمة التى تم عرضها فى رمضان، بل بإعلان أحمد عدوية الشهير والذى استغل فيه ارتباط الاسم بأغنية عدوية “سلامتها أم حسن” بجانب الطابع المصرى الأصيل لصوت وأغانى عدوية وارتباطها مع شخصية المطعم، ذلك بجانب استعراض الوجبات والأكلات بشكل مميز، لذلك كان الإعلان ناجحًا لتوافر المقومات الطبيعية من النجاح من حيث الأغنية والصوت المميز، على العكس من إعلان نشوى مصطفى الأخير والذي كان تقليديًا للغاية، فليس المهم فقط الاستعانة بالنجوم والأسماء ودفع النقود للمشاهير وتسمى ذلك تنوع، التنوع يكون بفكرة بأغنية بشكل جديد للإعلان ليست الإعلانات التى تصور على عجل فقط لتحجز مساحة، وتستغل إقبال الناس الكبير على مطاعم الأكل فى رمضان.
نقطة أخيرة، لو لاحظت مدى الانتشار الذي تحظى به صفحات الأكل على فيس بوك وكيف تستطيع استقطاب تفاعل هائل وتستخدم للترويج لعديد من المطاعم والأكلات وأن مفهوم “Food Review Blogs”أو مدونات تقييم الأكلات والشهير جدًا في أمريكا وانجلترا واستراليا وكندا، قد تم استخدامه والتشبع بفكرته فى هذه الصفحات، ستجد فى المقابل أن الصفحة الخاصة لمطعم أم حسن على فيس بوك لم تحظى بأى تفاعل على الاطلاق، واكتفت بشكل تقليدي لنشر صور الأكلات، بجانب أن أغلب هذه الصفحات التى أصبح لها تأثيرًا كبيرًا كانت تعليقاتها سلبية على أكلات المطعم، مقابل إشادتها فى المقابل بعدد كبير جدًا من المطاعم البسيطة والمتنوعة صاحبة الأسعار المعقولة والدعاية التى تقوم على الجودة ليس على حجم الإنفاق.