منة المصري
أن تفقد حاسة الإنسانية أصعب بكثير من فقد حاسة الشم والتذوق في زمن الكورونا.. هذا ما يجب أن نعلمه لأبنائنا قبل أن نسارع لنشتري لهم أحدث الموبايلات ونبحث عن أفضل الإمكانيات ونتباهي بأحسن الماركات فنترك بين أيديهم الهواتف الذكية ليخوضوا حياة افتراضية زائفة ويفتحوا لهم حسابات على مواقع السوشيال ميديا فيستسيغوا قذف الآخرين وسبابهم والتنمر عليهم بكل أريحية من وراء الشاشات دون رقيب أو ملاحظة.
البلادة هي الأخري والتنمر وانعدام الإنسانية فيروسات خبيثة تصيب الكبار والصغار كما الحال تماما مع فيروس كورونا إلا أن أعراض اللا إنسانية يمكن التعرف عليها بسهولة وبأقل مجهود، فيكفيك أن تقرأ تعليقا لأحدهم علي صورة للفنانة يسرا اللوزي في أحد البرامج تتحدث فيها عن تجربتها مع ابنتها التي تعاني من الصمم وتحث الناس على ضرورة إجراء اختبارات قياس السمع للمواليد الجدد حتي لا تعاني غيرها من الأمهات معاناتها مع ابنتها، فيقرر أحدهم -في غفلة من الضمير- أن يلقي عليها ردا غير مهذب وغير إنساني ويفتقد كل معاني الآدمية واللياقة فيقول “ماشي يا أم الطرشة”.
هذا التعليق الجارح لم يكن الصدمة الوحيدة فما يفاجئك بحق هو رد الفنانة المطول عليه بكل قوة وثبات وإيجابية.. وهو أمر لو يعلم صاحب التعليق مدي صعوبته ومدي قسوته علي أي أم تواجه هذا المجتمع مع ابن أو ابنة تعاني حالة صحية خاصة، لكان فكر ألف مرة قبل أن تمتد يده علي زر الإرسال.
لم تكن واقعة يسرا اللوزي هي الأولي في إظهار هذا الكم من عدم التهذيب والتنمر، والمتابع لتعليقات الجمهور علي بوستات المشاهير والمواقع الإخبارية المختلفة يجد بسهولة سيمفونيات من الوقاحة والقبح والسباب، ولعلي أتساءل كيف تتسع صدور هؤلاء لكل هذه الكراهية واللعنات، وهل لم يجدوا من يثنيهم عن صب غضبهم علي الآخرين بضغطة زر، وماذا لو اختفت شاشات الموبايل وواجه صاحب هذا التعليق الفنانة في أحد الأماكن في الواقع.. هل سيكون لديه نفس الجرأة علي إظهار هذا التبجح، هل ستسمح له نفسه ليكون بهذه القسوة غير المبررة.
في اعتقادي أن صاحب هذا التعليق القاسي سيشعر بالخجل ويبتلع لسانه قبل أن يبادر بالقاء هذه الجملة علي مسامع الأم الشابة القوية بل وهناك احتمالية كبيرة أن يهرول ليأخذ معها صورة ويخبرها بأنه من أشد متابعيها ثم يقوم بعمل شير للصورة علي حسابه أملا في جمع بعض الليكات وكلمات الاطراء.
إذا ماذا تفعل بنا هذه الشاشة المضيئة وما كل هذه الجرأة التي تبعثها فينا فنكتب ونعلق لدي المشاهير دون تفكير دون رقيب ذاتي دون خوف من المحاسبة؟!