محمد إسماعيل الحلواني
لا تزال منصات عديدة مثل فيسبوك وتويتر تسمح بفتح حساب جديد لأي شخص يفضل أن يظل مجهول الهوية، ولكن الكاتب الصحفي والسياسي الأيرلندي “مالكولم بيرن” حث هذه المنصات على التخلي عن هذه السياسة في مقال رأي نشرته صحيفة “بيزنس بوست“.
ويعتقد “بيرن” أن على كافة شركات ومنصات التواصل الاجتماعي أن تحذوا حذو شركات مثل شركة “ريفولت” التقنية المالية البريطانية التي تطلب رقم جواز السفر ممن يرغبون في استخدام خدمتها.
التنمر القاتل
كان آخر قانون مرره البرلمان الأيرلندي في عام 2020 هو مشروع قانون المضايقات والاتصالات الضارة والجرائم ذات الصلة، في إطار تصدي الهيئة التشريعية لقضية الإساءة والمضايقات عبر الإنترنت.
ويقر “بيرن” بأن لوسائل التواصل الاجتماعي العديد من الفوائد، ولكن للأسف، يستخدمها البعض للتنمر والتخويف وتوجيه الإساءة للأفراد. وهذا العيب الخطير كلف بعض المستخدمين أرواحهم. وذكر بيرن أن مشروع القانون الذي أقره البرلمان في بلاده يعرف باسم “قانون كوكو”، واكتسب اسمه من الفتاة نيكول فوكس فينلون، (21 عامًا)، التي كانت والدتها وأصدقائها ينادونها (كوكو) بعد أن انتحرت بسبب تعرضها للتنمر.
وحثت والدة كوكو العائلات الأخرى على التحقق من حسابات أطفالهم على وسائل التواصل الاجتماعي بحثًا عن أي تنمر محتمل، وحثت الأبناء من الأطفال والمراهقين على البوح وألا يخافوا من أن يقولوا ما يتعرضون له عبر السوشيال ميديا من إساءة أو تنمر، لكي يتجنبوا المصير القاتم المأسوي لفتاة كانت مشرقة وذكية وجميلة أرادت فقط الاستمتاع مع أصدقائها بمنصات التواصل الاجتماعي لتفاجئ بالمتنمرين يفقدونها الثقة بنفسها ولتصرخ في أيامها الأخيرة: ” لا أحد يريدني، لا أحد يهتم لأمري، كلهم يبغضونني”. ونصحت والدتها الآباء بمعرفة كلمات مرور أطفالهم على وسائل التواصل الاجتماعي والتحقق من رسائلهم وتاريخها بحثًا عن أي تنمر”.
مسؤولية المنصات تجاه هوية المستخدمين
في بريطانيا، دعت “مارجريت هودج”؛ النائبة البرلمانية العمالية المخضرمة التي واجهت إساءة فاحشة عبر الإنترنت، مالكي منصات التكنولوجيا إلى تحمل المسؤولية عن المحتوى التشهيري إذا سمحوا للمستخدمين بالنشر دون الكشف عن هويتهم.
كما دعت النائبة هودج إلى فرض حظر على إخفاء الهوية على وسائل التواصل الاجتماعي. كما اتهمت الحكومة بالتراخي في طرح مشروع قانون الأضرار على الإنترنت، والذي يهدف إلى حماية مستخدمي الإنترنت. وفي الشهر الماضي، قالت وزيرة الثقافة البارونة باران إن من المتوقع أن تكون مسودة قانون الأضرار على الإنترنت “جاهزة في أوائل عام 2021”.
كاسبرسكاي تكشف أرقامًا مزعجة
ووفقًا لاستطلاع أجرته شركة “كاسبرسكاي” المتخصصة في حلول الأمن السيبراني، فإن 28٪ من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لديهم ملف شخصي بدون أسمائهم الحقيقية وصورهم ومعلومات التعريف الشخصية الخاصة بهم على منصات مختلفة.
وتوصل الاستطلاع، الذي تم إجراؤه على 1240 مشاركًا من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أن ما يقرب من 3 من كل 10 مستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي في آسيا والمحيط الهادئ لديهم ملف تعريف مجهول.
يتم استخدام إخفاء الهوية أكثر في جنوب شرق آسيا بنسبة 35٪، تليها الهند بنسبة 28٪ وأستراليا بنسبة 20٪.
وأضافت الشركة أن المنصة الأكثر استخدامًا من قبل المستخدمين الذين يرغبون في الحفاظ على هوياتهم مجهولة هي: فيسبوك (76٪)، ثم يوتيوب (60٪) وإنستجرام (47٪) وتويتر (28٪).
انحراف عن الهدف الأصلي
انزلقت العديد من المنصات من الهدف الأولى المتمثل في البقاء على اتصال بالأهل والأصدقاء وزملاء العمل والتواصل معهم، إلى طرق غير مسبوقة لأهداف أخرى.
لعبت المنصات دورًا رئيسيًا في كيفية التعرف على بعضنا البعض، ولكن الآن، وصلنا إلى مفترق طرق حيث يتم استخدام ملفات شخصية مجهولة الهوية من قبل أفراد وشركات بل وأحيانًا حكومات لأغراض متباينة.
وذكر أكثر من نصف (59٪) من شملهم الاستطلاع أنهم يستخدمون حسابات ذات هوية مجهولة لممارسة حريتهم في التعبير دون التأثير على سمعتهم، بينما أراد 53٪ الانغماس في اهتماماتهم السرية التي لم يكونوا حريصين جدًا على أن يعرفها أصدقائهم أو عائلاتهم.
التنمر.. فيل خطير في الغرفة الرقمية
على الرغم من أن مجموعة كبيرة من شباب اليوم تثبت أنهم أكثر تقدمية من الأجيال التي سبقتهم، لا يزال هناك فيل كبير في زاوية الغرفة الرقمية، حيث تعمل وسائل التواصل الاجتماعي كأرض خصبة للمتصيدين ومدمني المقالب والكوميديا الإشكالية والجدل والتفاعل الضار، وأصبحت الوقاحة والاستخفاف وضعنا الافتراضي. على المنصات المخصصة للأشخاص، في الأصل، من أجل مشاركة الأفكار والمعلومات، نشارك المعلومات المضللة ونتنمر على الآخرين وننشر مواد لا تراعي مشاعر الآخرين.
بينما لا يمكن أن يلوم المرء التكنولوجيا على الافتقار إلى التعاطف الموجود بالفعل لدى العديد من الأشخاص، من الممكن طرح الأسئلة عن الأسباب التي تجعلنا نشعر كما لو أنه من المقبول إدامة السلوك السام ضد المستخدمين الآخرين.
ولفتت صحيفة “تشاينا دايلي” إلى أن عدم الكشف عن هوية بعض المستخدمين أحد العوامل المشجعة على الإساءة عبر الإنترنت. وتوصلت دراسة أجراها قسم الاتصالات بجامعة ستانفورد إلى علاقة مؤكدة بين حالة عدم الكشف عن الهوية والسلوك الضار.
من السهل معاملة الناس بطريقة غير أخلاقية عندما يتمكن المسيء بسهولة من الاختباء خلف ستار ويكون بوسعه التنكر للمسؤولية عن أفعاله غير السارة.
لم تعطنا وسائل التواصل الاجتماعي قناعًا نرتديه أثناء النشر فحسب، بل إنها أيضًا منصة تشعرنا دومًا كما لو أن كافة آرائنا مهمة.
مأساة فتاة صينية
قالت الصحيفة الصينية إن الفتاة “وو مين” في هانجتشو بمقاطعة تشجيانج، تعرضت لتدمير حياتها بسبب مقطع فيديو مدته 9 ثوانٍ، حيث عرض عدة لقطات ملفقة لمحادثة مزيفة عبر “وي تشات”، لتفاجئ بمدينتها قد اعتبرتها “زوجة خائنة”، والحقيقة فهي أنها كانت مخطوبة من عامل توصيل.
والأسوأ من ذلك، أن الفتاة غير المتزوجة البالغة من العمر 28 عامًا لم تكن تعرف حتى من يقف وراء هذا المنشور، الذي انتشر على الإنترنت.وبحسب “وو”، فقد أدى ذلك إلى “وفاتها اجتماعيًا” – فقد فقدت وظيفتها وأصيبت بالاكتئاب. بعد تحقيق أجرته الشرطة المحلية، تم القبض على رجلين لاختلاقهما القصة الملفقة برمتها، واحتُجزا لمدة تسعة أيام.
كما يقول المثل القديم: “يمكن للكذبة أن تسافر حول العالم بينما الحقيقة لا تزال في مكانها”. يستمر الضرر الذي لحق بسمعة الفتاة الصينية “وو” في إحداث خسائر فادحة، مع تدفق مستمر من الرسائل المسيئة التي تغمر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصدقائها من الداخل والخارج يسألون عما إذا كانت الزوجة في المنشور هي بالفعل. ونتيجة لذلك، رفعت “وو” دعوى قضائية ضد مختلقي الفيديو.
تقول وو: “آمل أن تشجع قضيتي الأشخاص الذين لديهم تجارب مماثلة على قول”لا للتشهير عبر الإنترنت وتقديم لمحة عن الجانب المظلم للفضاء الإلكتروني، مضيفة أنها ترفض “قبول أي شكل من أشكال الاعتذار من المتهمين وعائلاتهم”.حتى الآن، لم تكن أي شركة على استعداد لتوظيف “وو” بعد أن علمت بقصتها، لأنه قد يكون لها تأثير “غير متوقع” على صورة الشركة، وفقًا لما ذكرته “وو”. وتصدرت القضية عناوين الصحف الصينية الوطنية، مما أثار مخاوف عامة بشأن التنمر الإلكتروني.
وفقًا لمحامي وو، Zheng Jingjing، فإن التشهير عبر الإنترنت غير قانوني تمامًا مثل القرصنة. والشخص الذي تثبت إدانته بتهمة نشر منشورات تشهيرية على الإنترنت يمكن أن يُحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، لكن في الواقع، نادرًا ما يحدث ذلك.