وهكذا انتهى العمل الدرامي الرائع (تحت السيطرة) بعدما أدمن متابعته الكثيرون وكانوا حريصين علي اقتطاع ساعة من يومهم لمتابعة ما ستسفر عنه الأحداث، لأنهم ارتبطوا بكل شخصية من شخصياته سواء من كان منهم معها أو من كان ضدها.
لم يمر العمل كغيره من الأعمال الدرامية مرور الكرام، لكنه فتح باباً لحوارات ومناقشات ومجادلات ليست في البيوت فقط ولكن تطرق الأمر إلى شبكات التواصل الاجتماعي، ورغم أنه أوجد حالة من الانقسام الحاد في الرأي، بين متعاطف ومحب وآخر شامت ولائم وكاره، فإن هذه الحالة تدل على أن المشاهد، يقظ، ولم يعد يكتفي بمجرد المتابعة، لكن الأمر تعدى ذلك بكثير، وذلك يحسب لكاتبة العمل، التي خلقت من العمل ماده ثرية غنية لفتح باب المناقشه بين المشاهدين، فأصبحت هناك محاور أساسيه للنقاش كمشكلة “مريم وحاتم” “هانيا وعلي” “طارق وسلمى”.. والغريب أن تلك النقاشات تعدت الحديث عن الإدمان إلى الحديث عن علاقة الرجل بالمرأة من خلال أحداث المسلسل، “سلبياتها وإيجابياتها والظالم والمظلوم منها ومن الملاك ومن الشيطان”
وصلنا إلى الحلقة الأخيرة ولا ندري كيف سنبتعد عن أسرة المسلسل التي اعتبرها المشاهدون جزءا من عائلاتهم، عاشوا وتعايشوا معهم ليلة بليلة، وأكاد أجزم أن مشاعر الفقد ستنتاب جميع من تابع هذا المسلسل.
في الحلقة الأخيرة جاءت النهاية مرضية للجميع، من كان مع، ومن كان ضد، برأت مريم نعوم نفسها من فكرة تحيزها الكامل للمرأه وتجنيها الواضح على الرجال، ظل الإبداع مستمر إلى لحظات الأحداث الأخيره، أعطت “لمريم” حقها بعودة ابنتها إلى حضانتها، “هانيا”عوقبت بما حدث لساقها لكنها أرادت أن تعطيها الفرصة وتقول إن هناك أمل مهما فقدناه في بعض اللحظات لكنه موجود، “ماجد الكدواني” رغم ظهوره في الحلقة الأخيرة ورغم صغر دوره، فإنه أبدع وجعل الجميع يتحدث عن دوره كأنه تواجد في العمل منذ الحلقات الأولى وذلك يدل على أن الدور بتأثيره وليس بمساحته.
ما دعاني لكتابة مقال ثالث عن تحت السيطرة، هي حالة التجني الواضحة التي لاحظت انتشارها كثيراً على كاتبة العمل من أنها أظهرت النساء كملائكة والرجال كشياطين، وهذا بالطبع انطباع خاطئ وتجني وسوء فهم.
فكرة الملائكه والشياطين، هناك السيئ والأسوأ، وحينما يظهر الأسوأ يطغى علي السيئ ويكاد يمحي وجوده.
هذا بالفعل ما شاهدناه، مريم نعوم لم تظهر المرأه كملاك، بدليل أننا لو نظرنا إلى كل الشخصيات النسائية في المسلسل، سنجدها شخصيات معيوبة، لم تخلو من السوء.
مريم .. بطلة العمل، أدمنت وكذبت على زوجها”حاتم” ولم تصارحه بخصوص إدمانها، والكذب في حد ذاته فعل سيئ، بالإضافة إلي إنتكاسها مع أول موقف قابلها حيث لم تكن لديها القدرة على المقاومة.
سلمى.. شخصية ندلة وجبانة، تسببت في انفصال مريم عن حاتم بالكذب أيضاً.
إنجي.. “أعادت طارق مرة أخرى إلى الإدمان، فهي شخصية سيئة ، تفعل أي شيء من سرقه لكذب لدعاره، مقابل الحصول علي المخدر.
هانيا.. كذبت على أمها وهربت من مدرستها وتزوجت من ورائها واتجهت للإدمان الذي حولها لشخص سيئ.
حتي مايا، صاحبة الشخصية السوية اللطيفة، تركت ابنة خالتها في أشد حالات محنتها خوفا علي غضب زوجها أو بالأحرى خوفاً منه.
فأين هي المرأه الملاك من أحداث العمل؟
ولعل ظهور الرجل بصورة أكثر سوءا هو ما خفف من سوء المرأه فاعتقد البعض أن المؤلفة منحازة للمرأة .
نظرة ببعض من العدل لأحداث المسلسل مقارنة بالواقع الذي نعيشه، هل تجنت بالفعل “مريم نعوم” على الرجل؟ الرجل بالفعل في مجتمعاتنا الشرقيه، أناني، عنيد، مسيطر، خائن، متمرد، متحكم، ويرى أن هذه الصفات جزء من رجولته وإذا تخلي عنها أصبح رجلاً ضعيفاً، والأم الشرقيه هنا لها عامل كبير في تكوين تلك الشخصية، فمنذ الصغر تربيه على جملة خليك راجل، إوعي تعيط، معلش أصل أخوك راجل واستحمليه، معلش أصل المسموح له غير المسموح ليك، وبالطبع الأوامر والنواهي التي تفرض على البنت غير الولد.!
بالإضافه إلي أنها جعلت المرأه والرجل شريكان في فعل الإدمان،فلماذا ننكر إذن أن المسلسل لم يصور الرجل كشيطان، لأنه كذلك في الواقع، كما أن المرأة ليست ملاكاً ولكنها أقل سوءا من الرجل كما في الواقع أيضا.
تحيه من القلب إلى مريم نعوم وتامر محسن والعدل جروب، على هذا العمل القيم الذي أعادنا مرة أخري للجلوس أمام التلفاز بكل شغف، أخرجنا ولو لفتره مؤقته عن إطار الحديث في السياسه إلي الحديث عن أحداثه، أعطي لكل أسره نبذة مفيدة عن التعاطي والإقلاع والتعافي، أعتقد بتناول جديد لم يسبق إليه أحد من قبل.
أما عن المشاركين في المسلسل، إبتداء من الذي قام بأداء بدور بطولة وحتى أصغر دور، كنتم مبدعون وننتظر منكم أعمالا مقبلة تحت سيطرة الإبداع.