هدير عبد المنعم
وفيات كورونا
تعلن وزارة الصحة والسكان المصرية، عدد مصابي ومتعافي ووفيات فيروس كورونا، مع انتهاء كل يوم، يتابع الناس الأعداد في ترقب، متابعة أرقام الوفيات التي نال منها الفيروس أمر مقبض لمتلقي المعلومة، ولكن أن يتعامل البعض مع هذا الكم من الوفيات على أرض الواقع وليست مجرد أرقام، هنا الأمر مختلف، عالم مختلف، عالم من يتعاملون مع المتوفى منذ أن يفارق الحياة وحتى الوصول إلى المقابر، حيث يمر على عدة مراحل يلتقي بها بعدد من الأشخاص، هم آخر من تعاملوا معه، وهنا نتحدث عن الحانوتي، وسائق سيارة “تحت الطلب” التي تنقل المتوفى إلى المقابر، والتربي، وهم تأثروا بالتبعية خلال جائحة فيروس كورونا.
تواصل إعلام دوت كوم مع سائقي سيارات “تحت الطلب” لنقل الموتى، وحانوتية وترابية، ونرصد كيف تأثر هؤلاء بالجائحة، في السطور التالية:
في بداية الجائحة كان هناك صعوبة في إيجاد من يوافق على تغسيل ونقل حالات متوفاة بالفيروس، وأحمد إبراهيم، الحانوتي كان يرفض التعامل مع هذه الحالات، إلى أن أصيب بالفيروس وتعافى منه، فقرر التعامل مع الحالات المتوفاة بالفيروس، مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية.
ومع الموافقة على التعامل مع حالات وفاة متأثرة بالفيروس، لا بد من الحرص على التعقيم، والاستحمام قبل العودة للمنزل ولقاء الأبناء.
“الفترة بتاعت كورونا أنا بخرج من الصبح مارجعش إلا آخر النهار لما أكون عقمت نفسي” .. أحمد إبراهيم، حانوتي.
أيضا سيد محمد، صاحب مكتب سيارات لنقل الموتى، لا يمانع في نقل حالات متوفاة بالفيروس عبر سيارات مكتبه، ويقوم بتعقيم السيارات بعد كل حالة، “الفترة دي أصلا كلها يعتبر اللي غير كورونا برضو هتلاقيه متشخص كورونا”، وهكذا برر موافقته.
يوفر أصحاب سيارات نقل الموتى أكفان وأشخاص لتغسيل المتوفى، فلم يعد الأمر مقتصر على توفير السيارة فقط، بل بات الموضوع أقرب إلى “باكدج” متكامل وهذا يجعلهم يقومون ببعض مهام الحانوتي، فمحمد مصطفى، سائق سيارة لنقل الموتى، يوفر ما سبق، حيث يرتدي المغسل أو المغسلة الذين يقومون بتغسيل حالات وفاة متأثرة بفيروس كورونا، قفازا وكمامة وملابس بلاستيكية، بالإضافة إلى استخدام المطهرات، ولكن البعض يخشى على نفسه من العدوى فيرفض القيام بتلك المهمة.
“عندنا ست كبيرة عندها سكر مبترضاش تغسل”، محمد مصطفى، سائق سيارة لنقل الموتى.
“إكرام الميت دفنه”، لذا لا بد من دفن المتوفى، سواء كان متأثرا بفيروس كورونا أم لا، وفي حالة كان متأثرا بفيروس كورونا، فلا بد من اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية من قبل التربي والعمال المسئولين عن الدفن، للحماية من احتمالية الإصابة بالفيروس، بأشياء بسيطة وبدائية، مثل زجاجة كلور يتم تذويبها في دلوين من المياه وسبرتو أبيض، وقفاز بطول متر وكيس بلاستيك.
“باخد نص تمن الدفنة للتعقيم، والرجالة، الصنايعي اللي كان بيشتغل بجنيه عايز اتنين جنيه، علشان عايز يجيب إجراءات احترازية ليه، هيجيب كلور وسبرتو، ما هو خايف”.. عيسى حسن عيسى، عضو مجلس إدارة الرابطة العامة للترابية.
في بداية جائحة فيروس كورونا كان هناك حالات وفاة كثيرة، لذلك حرص كريم صلاح، تربي، على ارتداء كمامة وقفازات أثناء دفن الحالات المتوفاة بفيروس كورونا ولا يرفض دفنها.
“يعني بنحط نفسنا في الموقف افرض حد عنده نفس الحالة دي، بس طبعا لازم أهل المتوفى يكونوا بيساعدوا في الشيل”.. كريم صلاح، تربي.
لا يخشى عمرو عبد الرحمن، تربي، دفن حالات الوفاة المتأثرة بفيروس كورونا، ويتخذ الإجراءات الاحترازية أثناء الدفن، حيث يرتدي كمامة وقفازات ثم ينزعها بحذر ويعدمها ويستخدم الكحول.
“لا مش بنخاف، بس لو فيه حد مثلا كبير أو مريض بنخليه يريح وأي حد يروح مكانه”.. عمرو عبد الرحمن، تربي.
منذ مارس 2020، قرر مصطفى شفيق، تخصيص سيارته لنقل الموتى بالمجان رغبة في كسب الثواب، وتصادف مع ذلك بداية جائحة فيروس كورونا، ولكنه لا ينقل حالات وفاة متأثرة بفيروس كورونا، بناء على تعليمات هيئة الإسعاف التي تتولى هي هذه المهمة، حرصا على عدم انتشار الفيروس، وتترك له مهمة نقل الوفيات الأخرى، وعندما اشتدت وطأة الفيروس المميت، ازداد الطلب على سيارة مصطفى من قبل حالات الوفاة العادية.
“فيه يوم كان يوم صعب بصراحة السواقين جريت، مش ملاحقين”، قال ذلك ضاحكا، ولو هناك تعريف نظري للكوميديا السوداء، فهذا تطبيق عملي لها، حوالي 14 أو 15 حالة وفاة في نفس اليوم، والسيارات لا تكفي، هذا هو المشهد.
بجانب مشاعر الحزن والصدمة عند تلقي نبأ وفاة عزيز، يكون على الأهل أداء بعض المهام، على رأسها تجهيز وتوصيل المتوفى للدفن، والبعض تكون مهمته ليست سهلة، حيث يواجه البعض مشقة في العثور على سيارة لنقل المتوفى إلى المقابر، وهو ما أكده صاحب مكتب سيارات لنقل الموتى.
“بتصادف معايا إن العربيات كلها تبقى في شغل وفيه حالات وفاة، وخلال فترة كورونا بيتكرر كتير غير الوضع الطبيعي، في الطبيعي العربيات بتبقى موجودة ومفيش حالات وفاة، لكن أيام كورونا في أزمة في العربيات”.. سيد محمد صاحب مكتب سيارات نقل الموتى.
أضاف أنه طوال فترة أزمة فيروس كورونا كان هناك ضغط عمل لديه، حتى أنه كان يحدث أن تكون كل السيارات غير متاحة، مما يجعلهم يستعينون بسيارات من مناطق أخرى.
“أكتر الحالات بتيجي بعد ما تكون بقالها كتير بتدور على عربية مش لاقيين عربيات”.. مصطفى شفيق، سائق سيارة “تحت الطلب” لنقل الموتى.
من المعروف أن الانتظار أمر غير لطيف، ولكن قد يضطر المتوفى للانتظار حتى تنتهي السيارة التي ستنقله إلى مثواه الأخير من توصيل متوفى آخر.
“في أول كورونا كان فيه ضغط كبير، وممكن الناس يستنوا نص ساعة بتكون العربية في حالة وترجع تاخد الحالة التانية”.. محمد مصطفى، سائق سيارة لنقل الموتى.
تلقي خبر وفاة شخص، أمر مقبض للقلب، ولكنه معتاد لدى الحانوتي، وخلال فترة جائحة فيروس كورونا، تلقى الحانوتي محمد فرغلي هذا النبأ بكثرة، “فيه أيام مبنلاحقش فيها من كتر حالات الوفاة”.
يتندر البعض من طلب بعض الوظائف أن يتمتع المتقدم للوظيفة بالقدرة على العمل تحت الضغط، ولكن يبدو أن الأمر هام، فبسبب زيادة الوفيات خلال جائحة فيروس كورونا، وعدم وجود سيارات كفاية لنقل الموتى، اضطر محمد أبو سمير، حانوتي، إلى نقل حالتين وفاة معا.
“حصلت إن ده يخلص ويروح للي بعده لدرجة إني في يوم من الأيام شيلت حالتين مع بعض، حالتين من الحجر الصحي بتاع مايو، شيلت حالة ولقيت حالة تانية هتتغسل ومش لاقيين عربيات، دخلت أخدت الاتنين معايا والاتنين رايحين مكان واحد والفرق بين المدفن ده وده شارعين”.. محمد أبو سمير، حانوتي.
ومصائب قوم عند قوم فوائد، فزيادة الوفيات جعلت هناك حاجة لمزيد من الأشخاص للعمل مع محمد أبو سمير، مما أدى إلى توظيفه أشخاص أكثر.
“واحد اتصل بيا الساعة 2 بليل عنده حالة وفاة من الساعة 12 الضهر وهو بيدور على عربية”.. محمد أبو سمير، حانوتي.
الزحام سمة من سمات هذا البلد، في الشوارع والمحال والأماكن والمؤسسات العامة، اذهب إلى أي مكان تجد زحام، البعض وجد زحام حتى بعدما فارق الحياة، ففي الفترة الأخيرة ومن زيادة الوفيات بسبب جائحة فيروس كورونا، صادف مصطفى شفيق، سائق سيارة “تحت الطلب” لنقل الموتى، أكثر من مرة أن يذهب لتوصيل حالة وفاة إلى المقابر فيجد عدد كبير من الجنازات، يقول “شفيق” “تبقى العربيات داخلة الترب وتبقى الترب زحمة موت، ويقولوا حاسب بس معلش فيه 6 إسعافات جايين من مصر و4 من إسكندرية، فيه يوم كان فيه 28 حالة والتربي قعدنا ساعتين في العربية مش ملاحق يدفن مين، يخلص هنا وينزل هنا والناس تتحايل عليه تعالى هنا الأول”.
أيضا حدث كثيرا أن يذهب محمد أبو سمير، حانوتي، إلى المقابر لتوصيل حالة وفاة، ويجد عدد كبير من الجنازات، “مرة حصل لخبطة بين الوفيات من كتر الدفن، ويوم كان فيه جنازات كتير واستنينا حوالي ساعة ونص لغاية العربيات بتاعة الجنازات ما تطلع علشان نقدر ندخل”.. محمد أبو سمير، حانوتي.
الأسبوع اللي فات كنا رايحين طريق الفيوم وكان فيه 15 عربية ماشيين ورا بعض، من مناطق مختلفة، وده مش عادي في الأيام العادية”، محمد مصطفى، سائق سيارة لنقل الموتى.
“المقابر واسعة، المقابر بحر، عاملة زي بيت جحا وشوارع مالهاش نهاية وآخر، لو فيه 30 جنازة جوة محدش هيشوف التاني، وبيبقى كل همي أوصل الأمانة اللي معايا علشان ارجع أكون تحت الطلب لو حد احتاجني، أنا سكني في العربية”.. أحمد إبراهيم، حانوتي.
مهمة الحانوتي، هي توفير كل ما يلزم لتجهيز المتوفى قبل الدفن، بداية من الكفن والغسل وكل شيء متعلق بحالة الوفاة، ومحمد فرغلي، حانوتي، يوفر الأكفان الذي أكد أنها متاحة وأسعارها كما هي، أيضا يوفر أشخاص لتغسيل الحالات المتوفاة بالفيروس، وتكلفة حالة وفاة فيروس كورونا يضاف عليها سعر الـ body bag فقط، أما متوسط تكلفة حالة الوفاة فتتراوح بين 1200 أو 1300 جنيها.
ومن المنتجات الأساسية التي لا غنى عنها في حالات الوفاة، الأكفان، وهي تكون عبارة عن قماش يتم تقطيعه بحيث يتحول إلى كفن رجالي أو نسائي، ولحسن الحظ أن الأكفان متوفرة، ولكن أسعار القماش ارتفعت، فمثلا ما كان ثمنه 100 جنيها أصبح ثمنه 150 أو 160 جنيها، كما أخبرنا محمد أبو سمير، حانوتي، ويتراوح متوسط تكلفة حالة الوفاة لديه بين 1300 أو 1400 جنيها، أما إذا أراد أحد سيارة لنقل المتوفى فقط، فتتراوح أسعار السيارة المكيفة بين 700-800 جنيها، والسيارة العادية تتراوح بين 600-500 جنيها.
ماليش تسعيرة ولا سعر على حسب الحالة”.. أحمد إبراهيم حسين، صاحب مكتب حانوتي الشيخ.
“فيه ناس بتستغل الموقف وأن المتوفى كان كورونا وبيبالغوا في الأجر، يبقى هو متوفر وفاضي بس علشان يعمل أزمة يضغط على أهل الحالة علشان اللي يقولهم عليه يدفعوه”، هكذا وصف سيد محمد، صاحب مكتب سيارات “تحت الطلب” لنقل الموتى، ما يفعله بعض السائقين للحصول على أجر أعلى مقابل نقل الحالات المتوفاة بفيروس كورونا إلى مثواها الأخير، حيث يتململ ويتمنع السائق فقط حتى يحصل على بضعة جنيهات أكثر، ليصبح الأمر مثله مثل أي خدمة أو منتج عندما يزداد الطلب عليه، يرتفع سعره.
ويصل سعر السيارة إلى 700 جنيها إذا كان الدفن في القاهرة.
“كورونا علشان الناس بتصرف في العلاج على المريض لحد ما بيتوفى فبيبقى ليها وضع تاني بنراعي الظروف ولو حد مش معاه بنطلع لوجه الله”.. محمد مصطفى، سائق سيارة “تحت الطلب” لنقل الموتى.
“السؤال هو عمال المدافن أخبارهم أيه في كورونا؟”، قبل أن اسأل التربي الفصيح، عيسى حسن عيسى، عضو مجلس إدارة الرابطة العامة للترابية، سألني هو هذا السؤال، واسترسل أن المستشفيات بها استعدادات، قائلا: “طيب والناس اللي قاعدة في المقابر مش معاها الكحول؟ معانا ربنا بنجيب كلور وجردل، ومحتاجين حد يبصلنا يعني يبقى لينا مستشفى نروح ناخد منها سبرتو، مضاد حيوي، زي ما بيحافظوا على الناس اللي شغالة التمرجية والدكاترة، إحنا برضو بنخدم عليهم”.
عندما يتمكن الخوف من الإنسان، يبدأ بعمل أفعال غير محسوبة، وتلقائية، لدفع مصدر الخوف بعيدا، وهنا الخوف من العدوى والرغبة في الحياة هما الدافع وراء رد الفعل، فالخوف من الفيروس المميت دفع البعض للابتعاد عن ذويهم حتى بعد الوفاة.
“جالنا ميت وأهل الميت خايفين يشيلوا أبوهم، الزبون اللي جاي مش قادر يشيل أبوه وأمه خايف يقرب، لما أنت خايف تشيل أبوك أنا صنايعي هعمل ايه؟ ما أنا لازم أخاف”.. عيسى حسن عيسى، عضو مجلس إدارة الرابطة العامة للترابية.
يكمل كريم صلاح، تربي: “كان عندي جنازة، والأهل ضحكوا عليا، أنا بقولهم دي حالة كورونا؟ علشان بس ناخد إجراءاتنا نبقى إحنا برضو في أمان، قالوا لي لا، فلما جت الجنازة الأهل كلهم رجعوا لورا بعيد قوي وسابوا عربية الدفنة واقفة عند المقبرة، نقولهم يلا يا جماعة علشان ننزل الأمانة، يقولوا لا نزلوها أنتم بتاعتكم أنتم، نقولهم يا جماعة ازاي دي واحدة ست برضو المفروض أنتم تشاركوا معانا، قالوا لا دي بتاعتكم وشغلكم، فقولت له يبقى الحالة دي حالة كورونا، ومدام أنت خايف على نفسك أنا برضو خايف على نفسي والناس اللي معايا دي أنا خايف عليها برضو، وحصلت مشادات بس في الآخر توصلنا إننا ننزل الأمانة كلنا، وكلنا لازم نتعاون”.