محمد مصطفى عزوز
عندما نتحدث عن التصوف نجد إما روحاً تصفو أو نفساً تنكر ولعل التصوف هو المذهب الوحيد الذي لم تتغير الرؤية منه أو عنه منذ انتشاره إلى يومنا هذا، فقد تعددت الكتب والأبحاث والمقالات عن هذا المذهب الإسلامي ولكن بعد مطالعة الكثير من تلك الكتب والأبحاث والدراسات تجد أن معظم تلك الكتب والدراسات لم تحلل التصوف، ذلك المذهب الأقدم والأكثر انتشاراً في عالمنا الإسلامي تحليلاً منطقياً بعيداً عن التعصب والهوى.
والحقيقة التي يجب أن يقر بها أي دارس لعلوم التصوف أن الغموض يحتل جزءاً كبيراً من تاريخ ذلك المذهب وكان نتيجة ذلك تقديم أطروحات غير منطقية للتصوف، فالتصوف هو المذهب الفكري والديني الوحيد غير المعروف نشأته أو سبب تسميته.
ولكننا في سلسلة المقالات تلك سنقدم طرح علمي مبني على مجموعة من الأحداث والأطروحات التي ستجيب عن سؤالين هامين لم يستطع المهتمين بالشأن الصوفي الإجابة عليهم وهما كيف نشأ التصوف؟ ولماذا ظهرت واندثرت مذاهب وفرق وبقي التصوف الأكثر انتشاراً تاريخياً وحديثاً لدرجة أنك تجد طرقاً صوفية منتشرة في عشرات الدول ؟.
وهنا سنتحدث عن السؤال الأول وهو كيف نشأ التصوف ؟ فالمعلومات المذكورة في الكتب تقول أن حركة التصوف ظهرت في القرن الثالث الهجري ولكن لكي نقدم تحليلاً منطقياً عن النشأة لا بد أن نعرف سبب التسمية فهذا الخيط الذي سيؤدي بنا إلى نتيجة علمية عن نشأة التصوف.
اختلفت الآراء عن سبب التسمية فذهب الفلاسفة إلى أن الصوفية مأخوذة من الكلمة اليونانية سوفيا أي الحكمة وقد استندوا في ذلك إلى أن كلمة الصوفية ليست بالكلمة العربية واستند جزء من علماء الدين أن الكلمة مشتقه من الصفاء وكان من بين هذا الفريق من العلماء المعاصرين الشيخ الشعراوي وفريق آخر نسب الكلمة إلى الصوف ودليلهم هو أن هذا رداء الصوفية وتعبيراً عن الزهد والتقشف كما قال البعض أن الصوفية أتت من الصف أي الرجال العباد الذين يقفون في الصف الأول في أداء الفروض.
ولكن الدارس لحقيقة علوم التصوف سيجد أنه من الصعب أن يكون أياً مما سبق أصل التسمية وذلك للأسباب التالية أولاً فالتصوف لم يكن على وفاق مع الفلسفة اليونانية حتى يأخذ اسمه من أحد المصطلحات الفلسفية اليونانية كما أن الصوفية لو مصدرها الصفاء فهي ليست كلمة عربية من الأساس وصدر كلمة الصفاء ليس الصوفي ونحن نتحدث عن صدر الإسلام وقوة اللغة وأهمية المصطلح التي يستحيل معها أن يفوتهم شيئاً كهذا كما أن الصوف لم يكن ملبس أكابر الصوفية إلا ما ندر بل إن المتعمق في العلوم الصوفية يجد أن الملبس ليس شرطاً من الأساس في التصوف فدرجات التصوف وأركانه ومبادئه لا تشتمل على شكل الملبس أو نوعه ولكن يلبس بعض الصوفية الصوف زيادة في الزهد والتقشف ولكن ذكر الملبس في كتب الصوفية كشرط لإتباع المنهج يكاد يكون معدوماً سنعرف في الحلقة القادمة ما هو السبب الحقيقي للتسمية .. طيب الله أيامكم وإلى لقاء.