في درب الملاح بحي باب الشعرية أحد أحياء القاهرة القديمة، ولد عزت العلايلي في 15 سبتمبر 1934، في أسرة متوسطة مكونة من أب يعمل محاسبا وأم ربة منزل، ليكون الولد الوحيد بين 5 شقيقات هن “عصمت وعفت وعنايات ونجوان وفاطمة”.
ولأنه الولد الوحيد كان الطفل المدلل لدى العائلة، وما إن بدأ يقترب من سن الدخول للمدرسة حتى انتقل مع أبيه وأمه وشقيقاته إلى الإسكندرية ليعيش عدة سنوات بشارع الرصافة بحي محرم بك، ويلتحق بمدرسة الحي، لكن مع تزايد صفارات الإنذار ودوي القنابل ليلا على الإسكندرية أثناء الحرب العالمية الثانية، عادت الأسرة إلى القاهرة وتحديدا حي السيدة زينب المتاخم لحي باب الشعرية مسقط رأسه، وليسكن بمنطقة “بركة الفيل” الواقعة بين شعبية حي السيدة زينب، وأرستقراطية حي “الحلمية الجديدة”، فيدرك في وقت مبكر حقيقة التفاوت الاجتماعي وأثره على الطبيعة الإنسانية.
التحق بعدها بمدرسة الحي “قذلار” الابتدائية، وتوهجت موهبته الفنية خلالها، سواء في حفظ الأناشيد والأغاني أو تقليد المعلمين والمغنين، وتحديدا الفنان محمود شكوكو، لينتقل بعدها إلى مدرسة الشيخ صالح وفيها التحق بقسم التمثيل ليحول قدرته على التقليد إلى ممارسة فن التمثيل وبث الحياة في شخصيات متخيلة.
حب الفن
كان لوالده أثرا كبيرا على حبه للفن والثقافة، إذ كان محبا للشعر والقراءة، وكان معتادا على اصطحاب ابنه لمشاهدة مسرح يوسف بك وهبي، ومسرح نجيب الريحاني، لذلك عشق الابن التمثيل منذ طفولته، فكان يبني مسرحا داخل الشقة من خشب السرير بعد خروج والديه، ويسمح للجيران بمشاهدة ما يقوم به من عروض ومونولوجات مقابل قرش… “منذ طفولتي قد حددت مساري ومصيري كفنان، لكن المدهش أن أبي أراد لي أن أكون محاسبا مثله، لكنه هو الذي نقل لي عدوى الثقافة والفن؛ فقد كان يلتقي مفكرين وفنانين وأدباء في بيتنا فيما يشبه الصالون الثقافي وكنت أحضره طفلا ومراهقا، كما كان يصطحبني لعروض مسرحية في عماد الدين مما جعلني أتشبع بالثقافة والفن”.
الظهور السينمائي الأول
أول ظهور سينمائي لعزت العلايلي كان في فيلم “يسقط الاستعمار”، وكان لا يزال صبيًّا في مدرسة الشيخ صالح الابتدائية في درب الجماميز بحي السيدة زينب، إذ عرض عليه زميل له يعمل والده “ريجيسير”، أن يصطحبه إلى استوديو “شبرا”، حيث طلب والد الزميل أن يصطحب معه أي عدد من التلاميذ يرغبون في الظهور على شاشات السينما، فعرض التلميذ على زملائه، ولم يوافق منهم سوى عزت العلايلي، الذي ذهب من دون علم أسرته، على أمل أن يعود في موعد عودته من المدرسة.
لكن الأمر لم يكن بالسهولة التي توقعها، إذ بقي في الاستوديو حتى السادسة من صباح اليوم التالي، صور خلالها مشهدا واحدا ضمن تلاميذ في مدرسة يخرجون في جماعة يرددون “يسقط الاستعمار”، حصل منه على أجر قدره عشرة قروش أنفقها على طعامه وشرابه، هي وما كان معه من نقود، ليعود إلى بيته في حي السيدة زينب صباح اليوم التالي، سيراً على الأقدام، ليجد أسرته قد أبلغت الشرطة عن اختفائه ويبحثون عنه في كل الأماكن، ليتلقى من أسرته درساً قاسياً لم ينسه.
التربية الدينية
يعتبر عزت العلايلي أن القرآن الكريم أهم ميراث له تلقاه من أبويه، فقد حفظ أجزاءً كثيرة منه على يد والده، وكانت أمه تراجع معه ما حفظه على يد أبيه، فقد نشأ على القرآن في البيت رغم عدم ذهابه إلى الكُتَّاب الذي كان منتشراً وقتذاك، وتلقى أغلب جيله تعليمه الديني من خلاله، لكنه لم يحظ بهذه الفرصة، لكن والده عوَّض هذا الفارق عندما كان يواظب على تحفيظه بعض آيات القرآن حتى قبل أن يلتحق بالمدرسة.
يقول عزت: “حفظي للقرآن كان بمنزلة الرقيب لي في تصرفاتي وعلاقتي مع زملائي بمعنى أن أبي لم يحفظني القرآن فقط بل كان يفسر لي ما أحفظه ويعلمني القيم القرآنية، فكان يحذرني من الكذب أو إيذاء الآخرين وبمرور الأيام وجدت نفسي مرتبطاً بالقرآن ومواظباً على قراءته ومراجعة ما حفظت”.
النشأة الدينية منذ الصغر ظلت معه حتى رحيله، فقد قام بحج بيت الله الحرام أكثر من مرة، لا سيما في فترة التسعينيات، وفي المرة الأولي حرص على لمس الكعبة والتعلق بأستارها.. “ما زلت أذكر مشاعري وقتها فقد شعرت أن شراييني ترقص، وأذكر أيضًا أن كل ما دعوت به لنفسي وزوجتي وأولادي قد تحقق، وفي المرة الثانية عشت نفس التجربة بكل مشاعرها وتمنيت لو أنني أستطيع أداءها كل عام”.
وفاة الأب
توفي والده في مرحلة عمرية مبكرة، الأمر الذي جعل أسرته تواجه ظروفا صعبة ودفعته للخروج للعمل لتدبير احتياجات شقيقاته. وكانت لحظة الرحيل صعبة ولم ينسها، فقد كان له شقيق توفي في صغره، وهو ما تذكره الأب لحظة خروج الروح.. “كان ليا أخ توفى زمان وهو صغير.. أبويا لما كان بيطلع في الروح قالي يا عزت، قولتله نعم يا بابا، قالي شيل اخوك من على كتفي”.
عندما توفي والده قادته ظروفه إلى امتهان العديد من المهن للإنفاق على أسرته، وليلتحق في أثناء عمله بالمعهد العالي للتمثيل العربي عام 1955، والذي تحول فيما بعد إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، وتتلمذ فيه على يد فتوح نشاطي ونبيل الألفي وعبد الرحيم الزرقاني ولويس عوض ومحمد مندور.
لم يدخل التمثيل فورا بعد تخرجه، بسبب رعايته لشقيقاته ووالدته، مما اضطره للعمل كمعد برامج في التلفزيون، الذي بدأ إرساله في نفس عام تخرجه، وراح يعلن عن حاجته إلى معدي برامج، فضلاً عن بقية المهن الفنية، فحقق عزت وقتها نجاحا في الإعداد التليفزيوني، حيث أعد برنامج “رحلة اليوم” وكان يجوب به المحافظات لتصوير أفلام قصيرة عن كل محافظة في يوم واحد، ولفت البرنامج انتباه الرئيس جمال عبد الناصر، وطالب بالمزيد من هذه النوعية التثقيفية من البرامج التي تعرف المصريين بتراث وتاريخ ورموز بلدهم.
المراهقة السياسية
تطور وعي عزت العلايلي في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، وتعلق بثورة يوليو كانتفاضة طليعية قادت الشعب المصري نحو تحقيق أحلامه التي عبرت عنها أجيال ذلك الزمان، لكنه مرَّ في شبابه بمرحلة مراهقة سياسية، والتي يعتبرها ظاهرة طبيعية يمر بها كل شاب في فترة تكوين وعيه وأفكاره السياسية، ويؤكد أنه كان نسخة طبق الأصل من “إبراهيم” الطالب الوطني في فيلم “بين القصرين”… “أنا كنت كدة بالظبط، وكنت رزل جدًا في وطنيتي، واتعصب وأتخانق وكنت سخيف في الوطنية، ولا أقبل إن أي حد يتكلم معايا عن فكرة أنا مؤمن بيها”.
كان للأمر جوانب إيجابية وأخرى سلبية بالتأكيد، ففي عام 1950 قرأ عزت العلايلي إعلاناً أمام مكتب أحد المحامين في حي السيدة زينب، يطلب من الراغبين بالتطوع مع الفدائيين بالإسماعيلية تسجيل أسمائهم للمشاركة، ووقتها قرر المشاركة وذهب إلى الإسماعيلية وساهم في نقل السلاح إلى الفدائيين هناك، ولكن بعد محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في منطقة المنشية بالإسكندرية في عام 1954، تم إلقاء القبض عليه وإيداعه السجن لمدة 3 أشهر، وذلك بعدما تبين أن المحامي الذي سجل اسمه عنده ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، لكن تم الإفراج عنه لاحقاً واعتبر فترة السجن مهمة في حياته حيث تعرف على كبار المفكرين والمثقفين في هذا الوقت.
لذلك بعد امتهانه التمثيل، دخل عزت العلايلي في مجموعة من التجارب الفنية التي اتسمت بالجرأة في اختيار الموضوعات التي تطرحها وبقوة أبنيتها الدرامية ولغتها السينمائية الراقية. وتميز معظمها بمناقشة ملفات سياسية تعبر عن مراحل تاريخية في حياة مصر وخاصة المرحلة الناصرية.
تأسيس مسرح التليفزيون
شارك عزت العلايلي مع الفنان رشوان توفيق والمخرج أحمد توفيق في تأسيس مبنى مسرح التليفزيون، فقد كانوا زملاء دفعة واحدة وتخرجوا سويا من المعهد العالي للمسرح، وكانوا يريدون مسرحا ينفذون عليه عروضا مسرحية من المسرح العالمي لتسجيلها وإذاعتها في التليفزيون، لذلك توجهوا لماسبيرو وكانوا ينامون على البلاط في الاستوديوهات ويقيمون بالمبنى الذي كان تحت الإنشاء وقتها، إلى أن أسسوا مسرح التلفزيون وكانوا يعرضون المسرحيات العالمية مجاناً للجمهور، ثم تصور وتعرض تلفزيونياً، وشهدت إقبالاً كبيراً في أوائل الستينات من القرن الماضي، وأدى النجاح لتحويل ميزانيتها لرئاسة الجمهورية بتعليمات شخصية من الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت هذه الفرق نافذة لاكتشاف الكثير من الممثلين، إذ خرج منها عادل أمام وسعيد صالح وصلاح السعدني.
النجاحات الفنية
وجد عزت الفرصة الحقيقية في عالم التمثيل عندما تم ترشيحه للمشاركة في فيلم “رسالة من امرأة مجهولة” إنتاج عام 1962، وبعدها توالت أعماله الفنية، وكانت أغلبها مع مخرجين كبار مثل يوسف شاهين وصلاح أبوسيف. لذا كان صاحب رصيد كبير من الأفلام التي تضمها قائمة أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، ومن هذه الأفلام “بين القصرين، والأرض، والسقا مات، والاختيار، وإسكندرية ليه، وقنديل أم هاشم، وزائر الفجر، وعلى من نطلق الرصاص، وأهل القمة، والطوق والإسورة، والمواطن مصري”، فضلا عن فيلم “الطريق إلى إيلات” أحد أشهر الأفلام التي روت تفاصيل تدمير سفن حربية في ميناء “إيلات” بعد النكسة بشهور قليلة، وتقاضى عزت 23 ألف جنيه أجرا عن دوره في الفيلم، ليؤكد في أحد حواراته لاحقا أنه كان مبلغا متواضعا جدا في تلك الفترة، لكنه وافق عليه من أجل تقديم فيلم تاريخي وطني ذو قيمه، لذلك لم يهتم بضعف الأجر.
أيضا كثير من الأفلام التي قدمها عزت العلايلي كانت لأدباء كبار من أجيال متعاقبة، بدءا من على أحمد باكثير ونجيب محفوظ ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ويحيى الطاهر عبد الله.
كما قدم أكثر من عمل تاريخي، منها فيلم “القادسية” ومسلسل “بوابة الحلواني” و”الطريق إلى إيلات”، كما كان صاحب الرصيد الأكبر كفنان مصرى من الأفلام التي أنتجتها دول عربية أخرى منها الجزائر وتونس والمغرب والعراق وسوريا ولبنان. لذلك استطاع أن يكتب اسمه في أكبر موسوعة للسينما في العالم والتي أرخت لأعظم الأفلام منذ عام 1896 وحتى 2002، ولم يذكر فيها من أسماء الأفلام العربية إلا ثلاثة فقط هي: “الاختيار، السقا مات، باب الحديد” والأول والثاني من بطولته.
كما تألق العلايلي في الدراما التلفزيونية وشارك في بطولة عشرات المسلسلات، منها “قيد عائلي، الجماعة، الشارع الجديد، العنكبوت، اللص والكلاب”، ونال العديد من الجوائز تقديرا لموهبته وإسهاماته الفنية.
اختيارات موفقة ولكن!
اختيارات العلايلي لم تكن موفقة طوال الوقت، شأن أي فنان، لكن يؤخذ عليه مشاركته في فيلم “ذئاب لا تأكل اللحم”، الذي تضمن مشاهد ساخنة وعري كامل لبعض الفنانات، لذلك تعرض لهجوم كبير حينما انتقد فيلم “حلاوة روح” إبان الأزمة التي تزامنت مع عرضه، ليقول عنه الناقد طارق الشناوي: “لا يحق لعزت العلايلي الذي قدم فيلماً اسمه (ذئاب لا تأكل اللحم) مع ناهد شريف وفيه الكثير من مشاهد العريّ أن يعطي رأيه بفيلم (حلاوة روح) بمثل تلك الطريقة، وأؤكد أنه مفروض على الفنان، حتى مَن يقدم أدواراً متحفظة، ألاّ يهاجم الفيلم”.
لم يحب العلايلي الحديث عن هذا الفيلم، والذي شارك فيه بعد سنوات قليلة من دخوله مجال التمثيل، وتحديدا في عام 1973، لكن يحسب له أيضا أنه بعد نجوميته وشهرته الفنية الواسعة وحصوله على العديد من التكريمات، عرض عليه في بعض فترات الركود العديد من الأفلام التي وصفها أنها تشبه “ساندويتشات التيك أواي”، ولكنه رفضها كلها لدرجة أن الناقد الراحل كمال الملاخ اتصل به ذات يوم وعاتبه بأن كل المنتجين يشكون منه لرفضه أفلامهم. فقال له العلايلي: “حتى لو لم يكن في بيتي مليم واحد فلن أعمل في أفلام “زغزغيني يا لمونه”. وكان يقصد بها الأفلام التي لا تقدم للجمهور أي شيء. وفيما بعد برر العلايلي موقفه هذا بقوله: “بعد أن تذوقت طعم الفن الحقيقي وبعد مشاركتي في أكثر من مهرجان وحصولي على جوائز دولية ومحلية لم يعد في إمكاني أن أتنازل من أجل المادة أو من أجل الانتشار، وعموما أنا لا أحب مبدأ التنازل لا في العمل ولا في الحياة الشخصية”.
علاقته بمبارك
كان عزت العلايلي من أبرز الفنانين أصحاب التوجهات السياسية الواضحة، فقد دعم ثورتي 25 يناير و30 يونيو، كما رفض حكم الإخوان وانتقد طريقتهم في الحكم، ودعم انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئاسة مصر باعتباره الأقدر والأفضل لقيادة مصر في الوقت الحالي.
لكن رغم درايته الكاملة بالوضع السياسي لمصر، إلا أنه لم يتخيّل أن عهد مبارك سيشهد ثورة حقيقية، رغم أنه كان يرى العديد من المقدمات لهذه الثورة، ومنها ترهل الحكم واتجاهه إلى التوريث، ففي نهاية عام 2010 التقى بالرئيس السابق مبارك بناءً على طلب منه لبحث عدد من قضايا الفن والفنانين، وبالفعل أخطرهم فاروق حسني بالموعد الذي حددته الرئاسة، وتوجه بصحبة عدد من الفنانين في الموعد المقرر، منهم حسين فهمي ويسرا، وجلسوا مع رئيس الجمهورية يتحدثون في قضايا الفن، وكان اللقاء مفتوحاً وصريحاً وتطرق إلى مختلف الأوضاع، لكن فوجئوا بأن مبارك شارد الذهن أو بمعنى آخر “تايه” أثناء استماعه إليهم في الاجتماع الذى استمر قرابة 4 ساعات، لذلك ندم على حضور هذا الاجتماع لأنه فهم لاحقا أنه كان لتلميع وجه النظام.
الحياة الشخصية
لم يكن عزت العلايلي من هواة السهرات أو التواجد كثيراً في المناسبات الفنية العامة، فقد عشق الهدوء والقراءة ومتابعة الأحداث الفنية والإخبارية أمام شاشة التلفاز، التي أصبحت حديث الساعة. كما قضى كثيرا من أوقاته أيضا في قراءة القرآن الذي لم يفارق غرفته، سواء كانت غرفة نومه أو غرفة مكتبه، التي يقضي بها معظم ساعات النهار.
لم يعرف قلبه الحب إلا مرة واحدة، ولم يتزوج إلا ممن أحبها، ففي عام 1963 تزوج من السيدة سناء الحديدي، وأنجب منها طفلين “محمود ورحاب”، واستطاعت أن توازن بين مهنته في التمثيل التي تجعله مشغولا دائما وبين أبنائهما، فكانت العنصر الأهم في الأسرة، والداعم الأكبر له وللأولاد.
ومن اللافت أنه لم تطارده شائعات الزواج والطلاق على غرار بعض الفنانين، فقد عاش حياة هادئة مع زوجته، لم تظهر معه في أي مناسبة، ولم تحضر عرض أي فيلم، ورغم محاولات البعض إحداث وقيعة بينهما، لكنهما كانا قد تعاهدا منذ البداية على الصدق والمصارحة، وكان لديها ثقة كاملة به، ولم تشعر بغيرة من أي ممثلة، بل كان لديها صداقات من الوسط الفني، أهمهم سعاد حسني التي كانت تبوح لها بكل أسرارها الخاصة.
استمر الزواج قرابة 54 عاما، حين توفيت زوجته في يوليو 2017، فتأثر بشدة بعد رحيلها، ودخل في نوبة حزن عميقة… “أحببتها من صغري وكذلك هي، كانت بيننا أحلام طفولية وشبابية وكهولية أيضاً، تزوجنا وعشنا معاً أجمل أيام العمر، صنعت من أجلي كل خير ومودة وحب، كانت معطاءة لي بلا حدود، لم تبخل عليّ وعلى أولادنا بشيء، حتى اللحظات الأخيرة في حياتها، عاشت مخلصة كل الإخلاص لي ولهم. الآن أستطيع القول إن الحياة من دونها صعبة، لم أكن أعرف أنها هتبقى صعبة كده، رحيلها صعب عليّ الدنيا، تركتني ورحلت، أعترف بكل صراحة بأن أكثر حدث هزني من رأسي حتى قدمي أني أستيقظ كل صباح ولم أجدها بجواري كما اعتدت، رحلت وأخذت معها كل شيء وقد كانت بالنسبة إليّ كل شيء”.
رحلت الزوجة وتركت لعزت أهم شخصين في حياته “محمود ورحاب”، فقد درس محمود طب الأسنان منذ سنوات طويلة، فضلا عن تجاربه العابرة في تقديم البرامج والتمثيل، فقد خاض تجربة إعلامية بجانب عمله كطبيب حيث شارك في تقديم برنامج “كل ليلة” على قناة “نايل لايف”، واستضاف خلاله عدد من الشخصيات الشهيرة في المجتمع، كما شارك في بعض الأعمال الفنية، لكنه تراجع بعد ذلك واكتفى بعمله كطبيب.. “والدي صديقي دائماً، وهو الذي علمني أن أتعامل معه كصديق، وهو قام بتربيتنا تربية شرقية، وهو يدرك مسؤولياته وواجباته، ونحن أهم شيء في حياة والدي.. نتفق في معظم الأمور الحياتية وتستطيع أن تعتبر تربيتنا واحدة. وفي النهاية هو إنسان له قراءاته وأنا لي قراءاتي، لكننا نشجع معاً النادي الأهلي ونحب الموسيقى، ووالدي يقرأ في الاستراتيجيات ومذكرات السياسيين والتاريخ. أما أنا فأهتم بالفلسفة وعلم النفس والتاريخ الفرعوني”.
أما الأحفاد، فكان الجد شديد التعلق بهما، فعادل نجل ابنته رحاب، أنهى الليسانس في الأكاديمية البحرية ويعمل مهندسا الآن، بينما مريم ابنة نجله محمود درست الشؤون القانونية في باريس وتعمل في المحاماة.
الرحيل
واليوم، 5 فبراير 2021، فقد رحل عزت العلايلي بشكل مفاجئ، تاركا خلفه كل هذا الإرث الثقافي والفني، وحياة هادئة صاخبة في آن واحد… “شوف.. طوال عمري لم تكن عندي رغبات كبيرة. عرفت دائماً كيف أقتنع بالمتوفر وأضخه بقدر كبير من الحب والصدق، وكنت أوفق في الوصول إلى أكبر قطاع من الناس، وما زلت.. كل عمل شاركت فيه يعنيني كثيراً وأعتبره جزءاً عزيزاً من نفسي، حتى الأعمال التي أعتبرها مش ولا بد، أتحمل مسؤولية القبول بها وتنفيذها. نعم مررت أحياناً ككل البشر في ظروف صعبة اضطرتني لقبول أعمال متوسطة المستوى، لكن الجمهور يغفر لي، لأنني قدمت علامات فارقة في تاريخ السينما المصرية”.