طاهر عبد الرحمن
في عدد يوم 11 أغسطس 1967 من جريدة الأخبار المصرية كتب يوسف السباعي – واسمه غني عن أي تعريف – مقاله الأول في باب “يوميات الأخبار” تحت عنوان “حول مجلة أدباء آسيا وإفريقيا”، وقد خصصه بالكامل للرد على “مقال سخيف لكاتب عابث”.
أما المقال السخيف فقد نشر في مجلة “صباح الخير” وأما الكاتب العابث فليس سوى “محمود السعدني” – واسمه غني عن أي تعريف.
في ذلك الوقت قرر اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا – بعد أن تم نقل مقره الدائم من كولومبو إلى القاهرة – إصدار مجلة دورية لنشر ثقافة وأدب الدول الأعضاء فيه، وهو الأمر الذي علّق عليه محمود السعدني في مقاله حيث حذر من أن تتحول المجلة إلى مجرد نشرة تنشر “إبداعات” القائمين على تحريرها وتنضم إلى زميلاتها من المجلات المنعزلة التي لا تصلح سوى لـ”بيع اللب وللبقالين فيها منافع أخرى”، وأنها لو اعتمدت على الكتّاب والأدباء “الرسميين” ستصبح مجالا للاسترزاق بين أصحاب المصالح، وأضاف السعدني – بأسلوبه المعروف – أن تلك المجلة – بالشكل الذي يتوقعه – لن تكون مجلة “أدباء آسيا وإفريقيا” بل ستكون مجلة “أدعياء آسيا وإفريقيا”!
بالطبع لم يعجب هذا الكلام يوسف السباعي الذي اعتبره: “أنه كلام جاد لا يفهمه ولا يعيه السعدني لأنه أُملي عليه” ثم قام بلصق بعض ألفاظ من “قلة الأدب والعبث” الذي تعوده حتى يثبت أنه كاتب المقال.
وأضاف السباعي – بإشارة لها معنى – أنه أدرى الناس لاهتمامات محمود السعدنى بشئون آسيا وإفريقيا حيث كانا سويا في غانا في مؤتمر اتحاد الكتاب الأفروآسيوي و”هو يعرف جيدا فيم كانت تنحصر اهتماماته الحقيقية”، و”صحبنا أيضا في مؤتمر بيروت الأخير (مارس 1967) ويعرف تماما إلى أي حد كانت اهتماماته بالمؤتمر وبقراراته”.
الإشارة الثانية الملفتة في مقال السباعي هو ما قاله عن جريدة الجمهورية، ونفهم منها أن بداية الهجوم على المجلة – وبالتالي رئاسته لتحريرها – كانت منها (والجمهورية وقتها كانت تنطق بلسان مجموعة معينة في أجهزة الدولة والاتحاد الاشتراكي) ولقد اعتبر السباعي أنه هجوم مقصود به شخصه في المقام الأول، ومقال السعدني يُكملها – ولا يمكن أن يكون إلا بإملاء تلك المجموعة!
ويختم السباعي مقاله الطويل قائلا: “أما محمود السعدني فقد تعمدت أن أضع شتيمة شخصه حتى يجد شيئا يهتم به، فآخر شيء يهتم به هو إصدارات اتحاد الكتاب الأفروآسيوي ومجلته”.
وقطعا لا يمكن تصور أن يسكت محمود السعدني عن كل ذلك، فكتب في عدد يوم 17 أغسطس من مجلة صباح الخير رده تحت عنوان طويل ساخر: “إلى حضرة صاحب العظمة سلطان الفنون والعلوم في عموم آسيا وإفريقيا ودارفور”.
يبدأ السعدني مقاله بأن يوسف السباعي انتهز فرصة وجوده في الخرطوم (ليحضر مؤتمر المحامين العرب) وكتب يهاجمه ويتهمه بـ”خيانة” قضية مجلة أدباء آسيا وإفريقيا وأنه “عميل” لجريدة الجمهورية، وأما دليله فـ”إنني كتبت كلاما جادا وأنا رجل عابث، قضية مجلة أدباء آسيا وإفريقيا ليست من الأمور التي أهتم بها”.
يقول الولد الشقي أن تلك ليست المرة الأولى التي يهاجمه فيها السباعي، ولكنه لم يكن يرد عليه، ليس خوفا من نفوذه أو لأنه يؤثر السلامة، بل لأنه “ساعدني يوما في محنتي الأبدية، وساهم مساهمة جدية في سفري إلى لندن لعلاج الصغيرة المشلولة، هالة، وهذا هو السبب الرئيسي لعدم ردي عليه”.
بعد ذلك التمهيد القاسي يُقر السعدني بـ”عبقرية” يوسف السباعي، فهو سكرتير عام نادي القصة، وسكراير عام جمعية الأدباء، وسكرتير عام اتحاد الأدباء، وسكرتير عام المجلس الأعلى للفنون والآداب، وسكرتير عام المؤتمر الأفروآسيوي، ورئيس تحرير مجلة آخر ساعة، بالإضافة إلى كل ذلك هو كاتب روائي وقصصي وكاتب سيناريو، وهذه العبقرية هي التي مكنت السباعي من إغلاق معظم الجرائد والمجلات التي تولى رئاسة تحريرها، من الرسالة الجديدة إلى الحياة إلى الكاتب.
ويستطرد السعدني – بعد الإقرار بالعبقرية – للإقرار بـ”الجدية” للسباعي، فعلى سبيل المثال فإن مدير مكتبه في المجلس الأعلى للفنون والآداب، واسمه صلاح عبد المتجلي، كان من قبل يتولى منصبا أدبيا رفيعا وهو مدير المطابخ الملكية، و”لعل يوسف السباعي كمفكر عالمي لا يجد فرقا بين الطبيخ والأدب، أو لعله يؤمن بحكمة الأديب العالمي “الكبابجي العجاتى” أنا أطبخ إذن أنا أديب”.
وينتهز السعدني الفرصة ليعيد التذكير بقصة الناقد المعروف أنور المعداوي، الذي مات كمدا بسبب صدامه الشهير مع يوسف السباعي (وهي القصة التي كتبها السعدني فيما بعد كاملة في كتابه مسافر على الرصيف).
كل تلك الأسباب – في رأي الولد الشقي – كانت دافعه للكتابة حرصا على مستقبل مجلة أدباء آسيا وإفريقيا التي يرأس تحريرها يوسف السباعي.
وأما بخصوص مواقف السعدني واهتماماته الإفريقية فإنه كان بالفعل موجودا في مؤتمر بيروت (مارس 1967) بصفته الصحفية وليست الأدبية، ويعترف أنه لم يشارك في أي نشاط من أنشطة المؤتمر وذلك لسبب بسيط جدا هو إصابته بالتهاب رئوي، وقد أوفد المؤتمر رئيس وفد قبرص، وهو طبيب، لزيارته ومتابعة حالته، كما زاره كل الأدباء المصريين الذين حضروا المؤتمر، وفي غانا – أثناء المؤتمر الأفروأسيوي الرابع – يقول السعدني بأنه لا يعرف “من أين يستقي السباعي معلوماته” فهما لم يلتقيان أبدا وجها لوجه هناك، والسبب ببساطة أن السباعي كان يقيم في فندق يبعد آلاف الأميال عن مقر انعقاد المؤتمر.
يكشف السعدني عن السبب الحقيقي الذي دعا يوسف السباعي إلى مهاجمته و”شتيمته” أنه – أي السعدني – وجه نقدا حادا إلى طريقة تشكيل وفد مصر المضيف إلى مؤتمر بيروت، فهو لم يضم وجها أدبيا مصريا معروفا، كطه حسين أو توفيق الحكيم أو حسين فوزي او لويس عوض، وكلها وجوه معروفة ومشهورة، بل كان الوفد يضم: الأدبية “حنيفة فتحي” (وهي طراز من الأدباء لم يخلق الله مثله من قبل وجميع مؤلفاتها الأدبية ترجمت إلى اللغات البلجيكية والهولندية والكندية والهاوية – نسبة إلى لغة هاواي) وأيضا الأستاذ “ثروت أباظة” ( الذي يعرض له التليفزيون مسلسلة بعنوان: الست اللي أكلت دراع جوزها، والتي تمت ترجمتها إلى اللغة السواحيلية) وكذلك الأديب “عباس خضر” (الأديب الذي أراهن بألف جنيه إذا وجدنا سبعة أشخاص في أي مكان سبق أن قرأوا شيئا من أدبه) وكان معهم أيضا الأستاذ “صبري موسى” (وهو – كما يصفه السعدني وقتها – يغلب عليه طابع الصحفي بأكثر من طابع الأديب)، وكلهم من المقربين إلى يوسف السباعي.
يختم الولد الشقي رده ويقول أنه كان يحب يوسف السباعي ولا يزال يحبه، فهو “رجل طيب وأديب طيب ويصلح لبعض المناصب التي يتولاها ولكنه لا يصلح لبعضها الآخر، وهذا ليس له معنى إلا أن مصر عقمت من الرجال” و”أرجو ألا يغضب مني يوسف السباعي لان سبب ردي عليه هو التوقيت الخطأ الذي نشر فيه مقاله لأنني قرأته بينما كنت “أعبث” في السودان”.