رباب طلعت
غضب عارم أثارته الفنانة عارفة عبدالرسول في الأوساط الصحفية، بسبب أحد منشوراتها على حسابها الخاص على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، ضد صحفية لم تذكر اسمها أعربت عن استيائها منها لأنها ألحت في الاتصال عليها ما دفع “عبدالرسول” لإغلاق الهاتف في وجهها مصحوبًا بعبارة “يا تقل دمك يا شيخة”، الأمر الذي استنكره الصحفيون بشدة، ودافعوا عن زميلتهم دون معرفة من هي، إلا أن علقت الزميلة الصحفية أماني خالد، هي الأخرى على الواقعة وردت على الاتهامات الموجهة إليها من الفنانة.
على الرغم من الغضب الجماعي للصحفيين من “بوست” الفنانة، إلا أن الجمهور انقسم رأيه ما بين مؤيد لموقف عارفة، حيث هاجم بعضهم “عبدالرسول”، واعتبروا منشورها تشهيرًا ونوعًا من الغرور الذي أصابها، بينما دعمها البعض الآخر واتهموا الصحفية بأنها “زنانة” وأن بعض الصحفيين “كده” لا يؤمنون بالحياة الشخصية، ولا يختارون الأوقات المناسبة للاتصال بالمصدر، ويتعاملون معه وكأنه إنسان آلي ليس من حقه الراحة، معتبرين أن وقت الاتصال غير موفق، وهو ما ردت عليه “خالد” بتوضيحها بأنه كان في تمام الخامسة مساءً وليس في وقت متأخر على الإطلاق، كما إنها اتصلت مرتين فقط، أي أنها التزمت بآداب الاتصال، ولم تكن لحوحة كما ادعت الفنانة، ما زاد حدة الغضب تجاه الأخيرة، وطالب الصحفيون بعضهم بمقاطعتها وعدم نشر أخبارها أو أية أعمال فنية تشارك فيها، ليس فقط دفاعًا عن زميلتهم بل عن المهنة نفسها ومكانتها.
أزمة عارفة عبدالرسول مع الصحافة ليست الأولى، فكثيرًا ما باتت تلك المواقف تتكرر، سواء بسبب تطاول الفنان على السوشيال ميديا، على أحد الصحفيين مثلما حدث في أزمة الفنان أحمد فلوكس بعدما أثار غضب الصحفيين بوصفه زميل لهم بأنه “فاشل” لأنه كتب عنوان لم يعجبه عن طلاقه بهنا شيحة، وقبلها أيضًا تطاول على الصحفي الذي انفرد بخبر استعدادهما للزواج، ونتيجة للهجوم عليه من الصحافيين ودعوات مقاطعته، أكد أنه لم يكن يقصد إهانة الصحافة ولا كل الصحفيين إنما المدعيين، لافتًا إلى أنه درس الإعلام ويعلم الفرق بين الخبر الجيد والسيء مؤكدًا أنه يقدر المهنة ومكانتها.
وبعيدًا عن السوشيال ميديا، تعرضت درة التونسية أيضًا لمطالب بمقاطعتها بسبب “إهانتها للصحفيين” خلال إحدى الحفلات لاختيار الأفضل، حيث إنها لم تكتفِ برفضها التصوير معهم و الإدلاء بالتصريحات بل هاجمتهم قائلة: “الدنيا برد معندكوش دم”! وسرعان ما اعتذرت عن تلك الأزمة في برنامج “THE INSIDER بالعربي”، المذاع على قناة “دبي” وقالت إن الفنان أحيانًا يتعرض لضغوط ومشاكل تجعله يتصرف بشكل لائق، مؤكدة على احترامها للصحافة والصحفيين.
الصدامات بين الصحفيين والفنانين لا تقتصر على الفنانين الأقل خبرة، بل أيضًا أكثرهم نجومية، مثلما حدث من الفنان أحمد السقا الذي انفعل على صحفي سأله عن حقيقة توقعه عمل جديد مع “سينرجي” في الوقت الذي كان قد تعاقد فيه مع المنتج صادق الصباح لتصوير مسلسلين ما اعتبره الفنان “سؤال ثعباني” وطالب الصحفي بعدم انتهاج تلك الطريقة مجددًا، ما أثار استياء مواقع التواصل الاجتماعي الذين لم يجدوا مبررًا لذلك الانفعال وقتها، ولم يعلق “السقا” في ذلك الوقت على الأزمة ولكنه تعلم منها جيدًا، حيث سارع في الاعتذار لصحفيين تعدى عليهم مدير أعماله، أثناء تشييع جثمان حماه مصفف الشعر الشهير محمد الصغير، وحاول “السقا” تلطيف الأجواء فطالب الصحفيين بإفساح المجال له وأسرته لتوديع فقيدهم، فتحول تناول الموضوع من “هجوم السقا على صحفي” في الواقعة الأولى إلى “اعتذار السقا للصحفيين” في الثانية.
الأمثلة السابقة، اقتصرت على مطالبات الصحفيين بمقاطعة أخبار الفنانين لرد اعتبار زملائهم، مع شجب وإدانة من نقابة الصحفيين أو المجلس الأعلى للإعلام فقط، ولكن تم تصعيد الأمر في حالات أخرى مثلما حدث مع الفنانتين إلهام شاهين ويسرا في عزاء والدة الأخيرة، حيث انفعلا على صحفية أثناء تغطيتها العزاء وطرداها من السرادق، وعلى الرغم من تبرير البعض وقتها بأن ما حدث بسبب حزن يسرا على والدتها إلا أن المجلس الأعلى للإعلام تقدم بشكوى رسمية للنائب العام طالب فيها بتطبيق المادة 100 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام المصري الذي ينص على أنه “يُعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعدى على صحفي أو إعلامي أثناء أو بسبب عمله”، وعلى الرغم من ذلك لم يتخذ الصحفيين وقتها خطوة مقاطعة أخبارهما.
الفنان يوسف وهبي أيضًا كان من الذين تعرضوا لتصعيد أكثر قوة وتأثيرًا لتعامله بشكل غير لائق مع صحفي في دار الهلال، حيث قرر أميل زيدان، صاحب دار الهلال وابن مؤسسها جرجي زيدان، معاقبة وهبي بمقاطعة أخباره، وذلك لأن الأخير انفعل على محرر بالجريدة كان يجري معه حوارًا وطرده من المسرح، لأن الصحفي دافع عن “دار الهلال” التي أغضبت “وهبي” لأنها كرمت زكي طليمات وكان بينهما خلافات، فأصدر أميل زيدان قرارًا لكافة مجلات “دار الهلال” بمقاطعة أخباره، ما دفع الفنان لزيارته في مكتبه وعرف بأمر العقوبة المفروضة عليه، فقال له “لم يكن ذلك قصدي كنت أريد أن أشتم فتردوا لي الشتيمة وتنشروها على صفحاتكم” فأجابه “زيدان” بأنهم ليسوا أهلا للشتائم وأنه يجب أن يعتذر من الصحفي الذي أهانه وليس منه هو، وكان يوسف وهبي يفعل ذلك لما عرف عنه بأنه كان حريصًا أن يظل اسمه متصدرًا عناوين الصحف حتى ولو كان بالانتقاد والسلب، فحرص على تسوية الأمر لكي يرى اسمه مرة أخرى على إصدارات دار الهلال.
بالتفكير في موقف الفنان الكبير الراحل يوسف وهبي ندرك مدى تأثير الصحافة على نجومية الممثل، ففنان بحجم يوسف وهبي بمقاييس البعض في العصر الحالي لا يحتاج أبدًا لأن تكتب الصحافة عن أخباره، ولكنه كان يعلم أهمية ذلك جيدًا وكان حريصًا على الاعتذار الذي يرفع عنه العقوبة، والتأثير الآخر هنا هو قوة السلطة الرابعة وحفاظ القائمين عليها على كرامة العاملين بها، وإعطائهم قيمة تعلي من شأنهم ومن مهنتهم.
وعلى غرار يوسف وهبي حرص الكثير من الفنانين على جمع أرشيف صحفي عنهم، بل كان يخصص بعضهم من يجمعون ذلك الأرشيف، ويكتبون عنهم أو يكتبون ضد منافسيهم، ومن أشهر تلك الأمثلة المطربة منيرة المهدية التي كانت معجزة في زمانها، إلا أن ظهرت كوكب الشرق أم كلثوم وخطفت الأضواء نحوها، ما دفع منيرة للتخفي وحضور إحدى حفلات أم كلثوم في بداياتها الفنية، فاشتعلت الغيرة في قلبها ما دفعها لاستغلال حب صحفي شاب لها في مجلة المسرح، ونظمت معه أول حملة صحفية ضد أم كلثوم، حيث انتقد صوتها وتسائل عن سبب حب الناس لها، ولكن كوكب الشرق لم تكترث له وتابعت نجاحها فنشر مقال ادعى فيه أنها في سن صغيرة تقدمت بشكوى ضد شاب اتهمته فيها باغتصابها، في مسقط رأسها بالسنبلاوين، ما جعل والدها يندم على تركه لقريتهم، وقرر العودة لها لولا وساطة أمين بك المهدي الذي أخبره أن هروبه يعني تأكيد تلك الواقعة، وأن أم كلثوم الشابة لا بد من أن تستمر في مشوارها الفني وتحصد نجاحها، وقد كان بالفعل، ودعمت الصحافة النظيفة أم كلثوم وموهبتها ضد الصحافة الصفراء الأخرى، وكما بقي صوت كوكب الشرق يحيي موهبتها بعد وفاتها، بقي أرشيفها الصحفي النظيف يروي الكثير عن مسيرتها الفنية.
استمر اهتمام الفنانين بنشر أخبارهم في الصحافة، في الأجيال التالية أيضًا، فكان الفنانون الشباب يحرصون دائمًا على فكرة تجميع الأرشيف، فمثلًا كان أحمد عز يتصل بالصحفيين بنفسه ليرسل لهم صورًا جديدة لتحديث أرشيفه، وفي خطوة أكثر تطورًا قرر بعض الفنانين اللجوء لتعيين مدير أعمال يرد على الصحفيين أو يتواصل معهم لإمدادهم بما يريدونه من تصريحات، ثم جاءت ظاهرة الوكالات الفنية التي ترعى شؤون العلاقات العامة للفنانين، من قبل عدد من الصحفيين الذين يحررون الخبر ويرسلونه كبيان لأكبر عدد من الصحفيين، ومع التطور السريع للصحافة وظهور المواقع الإلكترونية، صار أحد أهم الأدلة على نجاح تلك التقنية في إرسال الأخبار هو نشره في أكبر عدد من المواقع، خاصة إذا ما كان ردًا على شائعة أو هجوم ما، أو ترويجًا لعمل جديد.
إدراك الفنان بأهمية وقوة تأثير الصحافة على مسيرته الفنية، بدأ يتلاشى تدريجيًا مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وظن بعضهم بأنها كافية للتواصل مع الجماهير، فعكفت الأغلبية العظمى منهم على فتح حساباتهم، واعتبارها الوسيلة الوحيدة للتواصل مع الجمهور ونشر أخبارهم بشكل مباشر دون اللجوء للصحافة، بل عين بعضهم متخصصين في السوشيال ميديا لإدارة حساباتهم، وهو الأمر الذي نجح مع البعض ولكنه وضع البعض في مشاكل كثيرة بتصادمهم المباشر مع الجمهور ومع الصحافة ظنا منهم أن وجود البديل -مواقع التواصل- يلغي تأثير الصحافة، وهو وهم وفخ نصبوه لأنفسهم، فكثير من الفنانين فقدوا الكثير من تقدير الجمهور لهم بسبب تصريحات غير مسؤولة وانفعالية وصور غير محسوب مردودها، وأقرب مثال لذلك محمد رمضان الذي نصب نفسه “نمبر 1” فوقت اندلاع أزمة اتهامه بالتطبيع، وبعد انتهائها حاول إدارة الموضوع من خلال حسابه على “إنستجرام” إلا أن كل “بوست” نشره كان سببًا في زيادة حدة الهجوم عليه، وتصاعدت حدته بعد تناول الصحافة لتلك المنشورات والبحث وراء حقيقة الصورة التي أنكر معرفته بصاحبها، ونشروا صورًا أخرى تؤكد معرفته بجنسية أصحابها، ما دفع نقابة الفنانين لوقفه والتحقيق معه، ونقابة الصحفيين بمنع النشر عنه، وظل في محاولاته للعودة للأضواء من خلال حسابه ولكنه لم ينجح لأن الصحافة رفعت قلمها عنه، وبعد رفع تلك العقوبات عنه أدرك مدى تأثير الصحافة على نجوميته فحرص على إرسال أخباره للصحفيين لنشرها ما يضمن له العودة على صفحاتها.
والعبرة لا تؤخذ فقط من تلك القصة، بل قصة الفنانة عارفة عبدالرسول نفسها، صاحبة الأزمة الأحدث مع الصحفيين، فعلى الرغم من تواجدها على السوشيال ميديا منذ سنوات، وتميزها في الأعمال الفنية التي قدمتها على مدار العامين أو الثلاثة الماضيين، إلا أنه لم يعرف طريقها جمهور السوشيال ميديا إلا من خلال الصحفيين الذين قدموها لهم وسلطوا الضوء عليها وأشادوا بما قدمته من أعمال، تستحق الإشادة عليها قطعًا ولا أحد يستطيع إنكار تميزها على الشاشة، فقد كتبت عنها الصحافة ما تستحق كفنانة، ولكن أيضًا من حقها أن تنتقدها كإنسانة، وتصوب لها ما تخطئ فيه، كما أشادت بما أصابت فيه من قبل.
لا ننفي بما سبق ذكره أبدًا وجود أخطاء من الصحفيين، فهناك الكثير من الأخطاء التي نقع فيها جميعًا، سواء لقلة خبرة، أو لسوء تقدير، أو للوقوع نحن أيضًا تحت تأثير “الترند”، و”الترافيك” والمنافسة على السبق الصحفي، ما يدفعنا أحيانًا للإلحاح على المصدر، أو الاتصال به في وقت غير مناسب خوفًا من ضياع سبق ما، أو حتى الوقوع فريسة لمصدر مضلل ونشر أخبار كاذبة، وتلك هي الأخطاء البيضاء التي لم تكن مع سبق الإصرار والترصد، فهناك أخطاء متعمدة مدفوعة الأجر، وأولئك يضيعون قيمة العمل الصحفي وتأثيره، مثلهم كالذي يتخلى عن مصداقيته في سبيل التقرب من الفنانين ليستحوذ على انفراداتهم، ولكن ما يجب التأكيد عليه هو أن العلاقة بين الطرفين تكاملية تمامًا، ولا يصلح عمل أحدهم دون أن الآخر.