انتظرنا عرض فيلم «محمد» مطلع هذا العام فى افتتاح مهرجان «طهران»، حيث كان هذا هو الموعد الذى تم الإعلان عنه إعلاميا.
يتناول الفيلم طفولة سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، وانتهى من إنجازه فى إيران المخرج الكبير مجيد مجيدى. مر المهرجان ولم يُعرض الفيلم، إلا أنه سينطلق طبقًا لما أشار إليه الناقد خالد محمود على صفحات «الشروق» فى مهرجان «مونتريال»، الذى يبدأ دورته رقم 39 فى نهاية شهر أغسطس. يبدو أن أخبار إيران ستظل تشغل العالم فى الأسابيع القادمة سياسيا وثقافيا، وذلك بعد أن تم فك الحظر الدولى المفروض عليها قبل أسبوعين بسبب نشاطها النووى، العديد من الدول العربية منذ ذلك الحين تتوجس خيفة من هذا القرار بعد أن عادت إليها مئات المليارات المجمدة. إيران تقف دائما على الشاطئ الآخر من القضايا العربية المصيرية، ورغم مشروعية كل هذه المخاوف فإن الخطر الثقافى الذى أحدّثكم عنه يأتى هذه المرة وهو مكتمل الأركان بفيلم سيصبح فى متناول الجميع بعد أسابيع قليلة، نحن نترقب الجزء الأول الذى يتناول طفولة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم،و ينتهى وهو فى الثانية عشرة من عمره، وهناك جزء ثان بصدد التصوير حتى نزول الوحى وهو فى الأربعين، والثالث يستكمل رحلته حتى رحيله عن عمر يناهز الثالثة والستين.
كان الخبر قد تسرب قبل أكثر من ثلاثة أعوام عن شروع وزارة الثقافة الإيرانية فى إنتاج هذا الفيلم، وهو ما أثار حفيظة الأزهر الشريف خصوصا أن تجسيد النبى محمد، عليه الصلاة والسلام، تحرِّمه تمامًا هيئة كبار العلماء سواء فى مرحلة الطفولة أو الشباب وليس فقط بعد نزول الوحى.
فى إيران قالوا إن لديهم مرجعيات سُنية وشيعية أباحت تجسيد الرسول فى مرحلة الطفولة وبالطبع لا أجد فارقًا بين تجسيد حياته فى الطفولة وتحريمها بعد نزول الوحى فالرسول هو الرسول، لا أحد حتى الآن شاهد صورا فوتوغرافية تؤكد أنه قد تم بالفعل تجسيد سيدنا محمد طفلا، بل هناك أكثر من تصريح منسوب إلى المخرج الإيرانى ينفى فيه ذلك، رغم أننى كنت فى إيران قبل عامين فى أثناء تنفيذ الفيلم وكان ما يتردد وقتها أن هناك بالفعل طفلا يؤدى دور خاتم المرسلين.
هل هو صراع شيعى سُنى قادم، حيث إن الأعمال الدرامية الشيعية جسَّدت من قبل النبى يوسف الصديق والسيدة مريم العذراء رضى الله عنهما، وهذا أيضا محرم طبقًا لما يراه الأزهر الشريف بمرجعيته السُّنية؟
التجربة العملية أثبتت أن هناك أكثر من وجهة نظر تقف ما بين الإباحة والتحريم، وشاهدنا هذا جليًّا فى مسلسل سيدنا «عمر» وقبله «الحسن والحسين ومعاوية»، ومرجعيات سُنية لها قامات رفيعة اسمها يتصدر هذه المسلسلات ليبيح عرضها، وبالتالى لا يمكن التشكيك فى نياتها، وعلى الجانب الآخر الأزهر لديه قناعاته المطلقة فى تحريم تجسيد الأنبياء والخلفاء والصحابة وآل البيت والمبشرين بالجنة، والأمر يبدو قطعيا وبلا أى مرونة تفتح الباب أو حتى تواربه فى إمكانية إعادة النظر.
تجسيد سيدنا محمد كما هو معروف حرَّمه الأزهر الشريف عام 1926 أى قبل أن تنطق السينما فى العالم بعام واحد، وهذا يعنى أن الفيلم كان من الممكن أن يكون معدًّا ليصاحبه الصوت لأول مرة على الشاشة العالمية، وكان يوسف وهبى قد أعلن فى البداية ترحيبه بأداء الدور بعد أن عرضه عليه المخرج التركى وداد عرفى الذى كان قد تعاقد مع شركة ألمانية لإنتاجه، وتراجع يوسف وهبى بعد أن أعلن الأزهر الشريف ثورة من الغضب.
تستطيع أن ترى الصورة تعبر فى وجه ما عن صراع مذهبى «شيعى- سُنى» يطل على المشهد، رغم أن لدينا مسلسل «عمر» الذى أنتجته قناة «إم بى سى» السعودية قبل عامين وبه لأول مرة تجسيد للخلفاء وعدد من الصحابة وآل البيت والمبشرين بالجنة.
الدراما الدينية تحررت فى هذا المسلسل بقدر ما من القيود الصارمة التى كبَّلتها وفى نفس الوقت كانت هناك أيضا محاذير، لأن الشيوخ السُّنة الذين سمحوا بتجسيد سيدنا عمر والخلفاء من العلماء هم أنفسهم الذين مارسوا ضغوطًا على مخرج المسلسل حاتم على ليسند الدور إلى ممثل جديد وتشترط أن يتوقف عن ممارسة المهنة عدة سنوات قادمة وبعدها تخفف الأمر وصار فقط أن يبتعد عدة سنوات عن تمثيل دور غير لائق.
ويبقى أن الأمر فى النهاية لا يزال خاضعا للاجتهاد، والدليل أنهم وافقوا على أن يلعب شخصيات باقى الخلفاء الراشدين سيدنا أبو بكر وسيدنا عثمان وسيدنا علىّ، ممثلون محترفون فكيف وافقوا على أبو بكر واعترضوا على عمر؟
هل يتسامح العالم الإسلامى خصوصا الأغلبية السُّنية فى تجسيد طفولة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، على الشاشة أم أن هناك عاصفة من الغضب سوف تُشعل العالم الإسلامى؟ أتصور أننا بصدد عاصفة قادمة.
نقلًا عن “جريدة التحرير”