أقر أنا الموقعة أدناه أننى أعشق بلدى أكثر مما أعشق مهنتى، وأن انتمائى لمصر أقوى من انتمائى لمهنة الصحافة، وأعترف بأن أمن وسلامة مصر أغلى عندى من حريتى وأعز من حياتى، وأشهد أن دماء وأرواح جنودنا أعظم من كل ما تسطره أقلامنا نحن معشر الكتاب والصحفيين، وأن حرية الوطن ومصالحه أهم وأكبر من مكاسب أبناء أى مهنة أو فئة أو جماعة، ولأننى مصرية قبل أن أكون صحفية، كنت أنتظر من يحيى قلاش، نقيب الصحفيين، فى هذه اللحظة التاريخية الصعبة التى نخوض فيها حرب وجود وحياة، أن يحاسب من خانوا شرف المهنة وفبركوا الأخبار والأرقام، ونقلوا المعلومات الكاذبة والبيانات المغلوطة من فضائيات الأعداء والوكالات والمواقع المغرضة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التحقق مما اجتهدوا فى نقله من معلومات وهم يجلسون فى مكاتبهم المكيفة، أو التأكد من صحة ما روجوا له من بيانات وهم بعيدون عما يدور على جبهة المعركة، وتوقعت فى ظل المعارك الشرسة التى تستنزف خيرة شباب ورجال الوطن أن يوقع مجلس نقابة الصحفيين عقوبات صارمة على من ضرب عرض الحائط بمواثيق الشرف الصحفية، ومن خالف كل المعايير والاتفاقيات الدولية التى تعلى الأمن القومى على حرية الرأى والتعبير، وتضع استقرار الأوطان وسلامة الشعوب فوق حقوق تداول المعلومات فى الحروب والسلم.
يا سادة إن الحرب النفسية وسلاح المعلومات هزما جيوشاً، وأسقطا دولاً وحذفا بلاداً من على خريطة العالم، فلا تحدثونا عن حقوق الصحف والمواقع والقنوات فى تبادل الأرقام الكاذبة والمعلومات المغلوطة والبيانات الملفقة، ولا تدافعوا عن حرية الكتّاب فى زعزعة الثقة وتحطيم الروح المعنوية، لا تساندوا من يتاجر بالكلمة ويتربح من وراء الخبر، أصلحوا من أنفسكم ولا تلووا ذراع الحقيقة، وتصوروا الأمر على أنه معركة للنيل من حرية الصحافة وترويع للإعلام وإسكات لأصوات المعارضة، لا تراهنوا على أصحاب نظرية عدو عدوى صديقى!! ويا من تنتفضون من أجل الحرية اسألوا أنفسكم أولاً متى تحركتم للحفاظ على شرف الكلمة التى تُدهس كل يوم تحت عجلات قطار الكذب والتدليس والفبركة، وكرامة مهنة القلم التى تنتهك كل ساعة تحت أقنعة الحرية والديمقراطية؟! أنصتوا إلى صوت ضمائركم وأنتم تدركون كم أسأتم لمهنة القلم حين ارتضيتم أن تخوضوا معركة دفاعاً عمن يخونون شرف المهنة من أجل سبق مزعوم، استمعوا إلى صوت الجماهير لكى تعرفوا حجم الغضب الشعبى من جراء مواقفكم المساندة لمن يرتكبون الخطايا المهنية بحثاً عن انفراد صحفى مكذوب! فلا يمكن أن يقبل إنسان على وجه الأرض أن يسجن كاتب بسبب أفكاره وقناعاته، أو يمنع صحفى من ممارسة حقه فى التعبير عن آرائه، لكن الفارق كبير بين الدفاع عن حرية الرأى، وبين الدفاع عن الخطايا الصحفية والفبركة الإعلامية والخيانة المهنية!!
اصغوا إلى دعوات وتسابيح أهالى الجنود المتلهفين على عودتهم سالمين غانمين، وليس داخل صندوق خشبى ملفوف بعلم مصر! فكروا فى إخواننا وأبنائنا الذين استشهدوا على الجبهة لكى نعيش نحن ونسهر حتى الصباح فى الشوارع والكافيهات، نشاهد المسلسلات والأفلام ونستمتع بالأغانى، نأكل الكعك ونفرح ونبتهج بالعيد ونطلق الضحكات، انظروا إلى الرجال القابعين خلف أسلحتهم وسط الصحراء وبين الجبال ليحموا الوطن، والشباب الذين يقاسون لهيب الشمس وحرارة الصيف داخل الدبابات والمواقع العسكرية، لكى نسعد نحن بأمسيات الصيف، ونستمتع برمال الشواطئ ونسيم البحر، ونتصارع على مكان إقامة مباراة كرة قدم، ونتنابذ بالألفاظ ونتبادل الشتائم والسباب فوق الشاشات، ونقيم الدنيا ولا نقعدها اعتراضاً على قانون مكافحة الإرهاب، أو تشكيكاً فى قانون العزل، ونخون بعضنا البعض، ونفتش فى النوايا والضمائر ونؤجج الفتن ونشعل الخصومات!!
إن موقف النقابة من تعديل المادة 33 من قانون مكافحة الإرهاب، ورفض استبدال عقوبة السجن بغرامة مالية رادعة لأصحاب الصحف والمواقع والفضائيات يجعل الهوة تتسع بين الصحفيين وبين فئات المجتمع، كما أن إصرار مجلس النقابة على كسر هيبة الدولة وفرض إرادته على الحكومة يضاعف من حنق وغضب الشعب من الإعلام، كذلك فإن التهديد العلنى بخروج الإعلام من معادلة الوقوف بجانب الدولة فى مواجهة الإرهاب يفقدنا ثقة واحترام الرأى العام، ويؤدى إلى انقسام أكيد داخل الجماعة الصحفية!
ويبقى السؤال: أين المراسلون العسكريون الذين كانوا فيما مضى يجلسون فى خندق واحد مع الجنود على الجبهة فى كل المعارك، ليسطروا بطولات من يقدمون حياتهم قرباناً للوطن، أين هم الصحفيون الذين يفرض عليهم واجبهم المهنى أن يذهبوا للجبهة، وينقلوا صورة حية لنسور الجيش وهم يتصدون للمدافع بصدورهم لحماية 90 مليون مصرى، ويجسدوا بأقلامهم المعركة الشرسة التى يخوضها الجيش لمواجهة إرهاب مدعوم من دول وأجهزة مخابرات عالمية وأنظمة تريد لنا الخراب والدمار؟!
نقلاً عن “الوطن”