ليست القضية أن نرى إعلامًا هابطًا ينتقل من مرحلة التهديد بـ«ضرب القفا» لكل مَن يؤمن بالثورة، إلى مرحلة «تعظيم سلام» لثورة يناير، و«سلام مربع» لكل ثوارها الشرفاء!
ليست هذه هى القضية، فلا أحد يحترم مثل هذا الحديث فى المرتين، ولا أحد يأخذ أصحابه على مأخذ الجد، وإنما الذى ينبغى أن يؤخذ على محمل الجد هو المصالح التى يعبر عنها مثل هذا الإعلام، والأموال الهائلة التى تنفق عليه، والأهداف الحقيقية لهذا التلاعب بمشاعر الناس، وزرع الإحباط فى شعب عظيم قام بثورتين فى ثلاث سنوات، ومع ذلك يجد نفسه ما زال يبحث عن الطريق الصحيح.. لأن الفساد يتحالف مع الإرهاب لتعطيل المسيرة واستنزاف جهود الدولة والعبث بمستقبل الوطن!
الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة، هذه هى الحقيقة التى ينبغى أن نتحرك فى إطارها، وأن نتعلم الدرس جيدًا بعد ثورتين دفعنا فيهما الكثير.. وما زال علينا أن ندفع حتى تتحقَّق أهداف الوطن فى العدل والحرية والاستقلال الحقيقى للإرادة الوطنية.
عندما نادينا بالمحاكمة السياسية القانونية والعادلة بعد ثورة يناير، لم يكن الهدف هو الثأر، بل العدل سبيلًا لنشر ثقافة التسامح بعد أن يرى الشعب أن مَن أساؤوا إليه قد حوسبوا على جرائمهم، وجردوا من أسلحتهم، وردوا ما نهبوه من المال العام، وفقدوا ما لديهم من نفوذ بنوه بالمال الحرام، وبالفساد الذى وصل إلى أعلى السلطة، وسيطر على الحكم واستوجب الثورة، التى تأخَّرت سنوات، كما قال الرئيس السيسى مؤخرًا!
لكن الإخوان، وهم فى طريقهم إلى السيطرة على الحكم واغتيال الثورة، رفضوا ذلك.. فقد كانوا شركاء فى نظام ما قبل يناير، وكانوا يستعدون لوراثته، ويتمسّكون بأساليبه نفسها، ويخشون من عدالته لو طالت رموز الفساد فى الحزب الوطنى، فسوف تطول شركاءهم وورثتهم من «الإخوان» وحلفائهم.
وكان على الشعب أن يثور مرة أخرى لإسقاط فاشية الإخوان فى ٣٠ يونيو.. وللأسف، فقد ظنّت بقايا فساد ما قبل يناير أنها تستطيع استعادة نفوذها واستغلال تشرذم قوى الثورة «خصوصًا بين شبابها المخلص للثورة والوطن»، لكى تعيد إنتاج نظام مبارك، مستفيدة من اختلاطها بكل ما نهبته فى ظل الفساد وفى حماية قوانين وضعتها بنفسها، لكى تحمى فسادها! ومستفيدة أيضًا من غياب المحاكمة السياسية، ومن انشغال الدولة بعد ثورة يونيو بالحرب الشاملة والقاسية ضد الإرهاب وضد الضغوط الاقتصادية والسياسية من القوى المعادية للثورة فى الداخل والخارج، لكى تطل علينا فلول الفساد القديم بوجهها القبيح، ولكى تستغل أموال الفساد فى إنشاء «إعلام ضرب القفا» و«تعظيم سلام»! ولكى تحاول من خلال الهجوم على ثورة يناير أن تبرر فسادها، وأن تستعد إلى العودة إلى الحياة السياسية والهيمنة على البرلمان المقبل الذى كنا نتمنَّى يومًا أن يكون برلمان الثورة، بينما تستعد هذه القوى الفاسدة لكى تجعله صوتًا لحزب «أحلى من الشرف مافيش»!
استفاقت الدولة بعد محاولة حزب الفساد وإخوان الإرهاب استغلال أحكام القضاء فى قضية مبارك وأبنائه وأركان حكمه.. أكد الرئيس السيسى أن لا عودة لماضٍ كان ينبغى أن يسقط بكل سنواته الطويلة، وبدأت تعديلات قانونية لوقف الهجوم على ثورتَى يناير ويونيو، لكن القضية تبقى أكبر من ذلك بكثير.
إعلام «ضرب القفا» و«تعظيم سلام» هو صوت الفساد القديم، الذى يريد الاحتفاظ بما نهبه من مال الشعب، وأن يترجمه إلى سلطة سياسية ونفوذ اقتصادى. وإرهاب «الإخوان» الذى نقاتله يعرف أن له ظهيرًا بيننا سوف يستمر وجوده حتى نقضى عليه بمحاكمة سياسية عادلة، تجرّده من المال المنهوب والنفوذ السياسى المتوارث، والإعلام الذى يعبّر عن هذا كله بمنطق الخارج على القانون، الذى لا يتوقَّف عن ترديد العبارة المأثورة «أحلى من الشرف مافيش»!
نقلاً عن “التحرير”