تظل الكتابة التاريخية شكلاً من أشكال الكتابة المحببة لكل الأجيال من الكتاب والباحثين والمبدعين والروائيين منذ عشرات السنين وحتى يومنا هذا، لاحظنا مؤخرًا أن الشباب يبحثون دائمًا عن كتابة تاريخية ميسرة سهلة بسيطة سواء كتبت بأقلام صحفية أو متخصصة بعيدًا عن الكهنوت الأكاديمي الثقيل، ولكن يظل الشغف بالمعرفة التاريخية – بعيدًا عن ثقل الكتب التخصصية – أمر لافت للإنتباه، هنا نشير إلى عشرة أعمال ميسرة مهمة، أربعة أعمال لجيل الأساتذة وأربعة لجيل الشباب وعملين روائيين تاريخيين أحدهما قديم والآخر حديث.
هذا العمل المهم للكاتب الصحفي الكبير الأستاذ جمال بدوي – رحمه الله – وهو يقدم نظرات خاصة في تاريخ دولة المماليك بثراءه الفني والأدبي، كذلك الأحداث المهمة في الزمنين البحري والجركسي، من خلال ما يعرف بالسرد الصحفي والكتابة ذات البعد التاريخي النقدي، وقد قدم بدوي في هذا الكتاب مشاهد درامية تاريخية أظن أنها تصلح لأن تكون ضمن أعمالنا الدرامية التاريخية.
وهو عمل استثنائي للدكتور حسين فوزي – رحمه الله – أستاذ الموسيقى والفنون والكاتب المؤرخ الكبير ويرصد في هذا الكتاب تاريخ مصر متلاطم الأمواج مقدمًا رؤيته التاريخية الخاصة في أبرز التحولات والمواقف التي أسهمت في تكوين شخصية مصر، وفي هذا الكتاب وصف دقيق لمشاهد الاحتلال العثماني لمصر ودخول سليم الأول إلى القاهرة، والكتاب صدر ضمن سلسلة لمؤلفه تعرف بالسندباديات.
وهو كتاب رائع للكاتب الصحفي الكبير صلاح عيسى – رحمه الله – يقدم فيه مجموعة من الحكايات والقصص التاريخية من تاريخ مصر الفني والسياسي والاجتماعي بصورة نقدية غير نمطية، استطاع أن ينقل القارئ من خلال هذا السرد إلى الزمن الذي جرت فيه وقائعها، بكل ملامحه، وشخوصه، ومبانيه، وحوادثه، وصحفه، وفنونه.
كتاب مهم للدكتور محمد شفيق غربال، وهو كتاب تخصصي ملهم، فبالرغم من صغر حجم الكتاب وبساطة الأسلوب إلا أن المؤرخ الكبير غربال قدم تشريحًا دقيقًا للمجتمع المصري عبر رؤيته التاريخيه مستخدمًا الزمان والمكان والإنسان في دمج ونسج بديع لعناصره التاريخية في شخوصه مما جعل هذا الكتاب أحد أهم الكتب التي صدرت في هذا المنحى على الإطلاق.
وهو كتاب خاص جدًا للدكتورة رضوى زكي الباحثة بمكتبة الإسكندرية، وهي هنا تتناول ما يخص مصر “العربية” من خلال المعطيات التاريخية الزمنية وسجلاته الصامته المتمثلة في تراثه الثقافي المادي لتقدم للقارئ وجبة تاريخية غير نمطية بأسلوب ميسر ولغة رشيقة ومادة محققة مدققة عبر متخصصة متميزة وخارج حدود الكهنوت الأكاديمي.
كتاب من جزئين للباحث أيمن عثمان، وهو من الباحثين الجادين الذين لديهم القدرة والصبر والجلد على استخراج القصص والحواديت التاريخية من بين سطور الموسوعات الكبرى وتقديم حكاياته في قالب سردي، كما أن الكاتب يمتلك أرشيف مميز جعله قادرًا على تقديم حكاياته من خلال معادلات بصرية ممتعة.
وهو كتاب متفرد للكاتب حامد محمد حامد، وهو يمتلك أسلوب خاص في السرد التاريخي الميسر، الكتاب يقدم مجموعة من حكايات التاريخ الإسلامي الخاصة بمدينة القاهرة وتراثها وآثارها ولكنها حكايات ليست نمطية، فالكاتب لا يحب مدرسة “الكليشيهات التاريخية” وجاء السرد في شكل “خططي” ميسر بلغة عصرية.
لمؤلفه محمد أمير، وهو كاتب شاب له عدد من التجارب الجيدة في الكتابة التاريخية وله في هذا أسلوب أنيق، والكتاب يقدم بشكل مبسط التاريخ الدامي لدولة المماليك وما عرف عن العصور الوسطى إجمالاً، ونرى في هذا الكتاب الأدلية التاريخية المبينة حول أسلوب الحكم والسلطنة في زمنه وهو “الحكم لمن غلب”.
وهي رواية تاريخية للروائي الكبير جمال الغيطاني – رحمه الله – وتقدم تحليلاً لشكل المجتمع المصري في زمن المماليك من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وعلاقات السلطة السياسية والقصر بالحكم وأشكاله والمؤامرات التي كانت من علامات هذا الزمن، وقد قدم الغيطاني شخصياته الحقيقية أو المختلقة في إطار زمني رائع ونسج تاريخي وحبكات درامية أظنها هي الأهم في ما قدم من أعمال.
وهي رواية تاريخية للروائية ريم بسيوني، وهي كاتبة روائية شابة استطاعت أن تخترق الحواجز التاريخية الزمنية وتدخل إلى منطقة الرواية التاريخية التي لا يقدر على الاقتراب منها سوى أولي العزام والهمم من المبدعين، الرواية تدور في زمن الدولة المملوكية في مصر وتقدم عدد من الحكايات التي يغلب عليها الطابع الرومانسي دون إغفال قيمة المكان، فالرواية تقدم المكان بمثابة البطل جنبًا إلى جنب مع أبطال العمل.