هالة أبو شامة
ربما تكون قد صادفت في يوم من الأيام كلمة “بودكاست” أثناء تصفحك لمواقع التواصل الاجتماعي، أو تحدثك إلى أحد الأشخاص المهتمين بهذا النوع من المحتوى، لكنك لم تعر حينها للأمر اهتمام.
أو أنك بالفعل أحد هؤلاء المهتمون بمتابعة ذلك النوع من البرامج أو حتى صانعها.
لكن هل سألت يوما عن سبب إطلاق اسم “بودكاست” على هذه البرامج، أو عن تاريخ نشأتها وتطورها وانتشارها؟.. في السطور التالية سنجيب عن كل هذه التساؤلات.
“البودكاست” عبارة عن نوع من البرامج الإذاعية المسجلة، التي تصدر بشكل دوري عبر الإنترنت بواسطة تقنية RSS، التي تعمل على تنبيه التطبيقات مثل “آيتيونز” و“ستتشر“ لتحميل الحلقات تلقائيًا وإتاحتها للمستخدمين الذين يقومون بالاستماع إليها سواء أثناء اتصالهم بالإنترنت أو دون الحاجة للاتصال به بعد أن يتم تنزيل الحلقات بصيغة MP3 على أجهزتهم.
وتعد تقنية الـ RSS، هي الفرق الوحيد بين “البودكاست” والملفات الصوتية التي يتم تبادلها على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ لا يصل لأحد تنبيه بنشرها.
أما “آيتيونز” و“ستتشر” هما برنامجان يعملان على التقاط حلقات البودكاست، لكن الأول خاص بأجهزة آبل، والثاني لأجهزة أندرويد.
الانطلاقة الحقيقية للبودكاست كانت بحلول عام 2004، وجاءت تسميته بفضل الصحفي بن هامرسلي، بعد أن نشر في نفس العام مقالا في صحيفة “الجارديان” البريطانية، حول ازدهار راديو الإنترنت، والذي أبدى من خلاله عن حيرته في وصف ذلك النوع من الراديو خاصة القابل للتنزيل على أجهزة أبل التي كانت قد طرحت في ذلك الوقت مشغل الصوت الشهير الآيبود، إلا أنه نجح في صياغة ذلك الاسم المتعارف عليه حاليًا بعد أن دمج كلمة “بود” و”كاست” التي تعني البث، لتصبح “بودكاست”.
ورغم أن تلك التسمية تم اعتمادها منذ عام 2004 وحتى الآن، إلا أن البعض كان قد اعترض عليها.
فقد نشر الصحفي أندرو ماكجيفرن، مقالا في موقع podcasthero، أوضح فيه أن هناك الكثيرين ممن حاولوا تغيير اسم “بودكاست” لشيء آخر، باعتبار أن الكلمة تدل على أن الاستماع إلى تلك البرامج يقتصر على أجهزة الآيبود، إلا أن هذا خطأ بالطبع إذ أن هذه الخاصية متاحة لأي جهاز قادر على تشغيل ملفات الصوت MP3، لافتًا إلى أن كل عامين، كان أحدهم يطرح بين الحين والآخر فكرة إعادة التسمية، لكن كل المحاولات باءت بالفشل في النهاية.
وأشار إلى أنه خلال عام 2005، تم إعلان كلمة “البث الصوتي” كلمة العام، من قِبل قاموس “نيو أوكسفورد الأمريكي”، مما أعطى لمصطلح “البودكاست” بعض المصداقية، باعتبارها الكلمة الرسمية لوسائل الإعلام التقليدية التي أصبحت تعمل عبر الإنترنت.
كل ذلك لا يعني أن العمل على فكرة البودكاست بدأت عام 2004.. إذ أن محاولات النشر بدأت قبل سنوات قليلة من ذلك التاريخ، وفقًا لما كُتب في مقال حول “تاريخ البث” بموقع “ blubrry“.
فقد أوضح ناشر المقال أن العديد من المواقع أخطأت في تحديد التاريخ الحقيقي وراء تطور البث، الذي حدث على يد كل من آدم كاري، وديف وينر، مطور البرامج.
وأكد أن البث الصوتي بدأ قبل اختراع المصطلح الذي أقره قاموس أكسفورد عام 2005، حيث تحدث الثنائي عام 2000 عن فكرة كان محورها الاشتراك لتنزيل الفيديو، إلا أن ديف شعر بأن الإنترنت لم يتطور بصورة كافية لدعم الفكرة ناهيك عن أن تنزيل الفيديو في حد ذاته يستغرق وقتًا طويلا.
في ذلك الوقت كان “ديف” يعمل بالفعل على تطوير تقنية “XML، RSS، intro”، وتم تصميم تنسيق RSS تحديدًا نظرًا لكونه يتضمن خاصية مشاركة العناوين بشكل تلقائي من موقع محدد للآخرين، وبعد فترة من العمل على ذلك التنسيق، صدر رسميًا عام 2003.
حتى صيف 2004، كان التقدم بطيئًا نوعًا ما، حتى قرر آدم تطوير أول تطبيق podcatcher، بشكل بدائي بواسطة Apple Scripts، ورغم اعتقاده بأن الفكرة لن تنجح، لكنه تمكن من التقاط وتنزيل المنشور الصوتي الذي طرحه ديف عبر مدونته على الويب، ومن ثم استخدام واجهة التطبيقات التي تم إصدارها لـ آيتيونز وإدراجه ضمن قائمة التشغيل الخاصة به، والتي يمكن فيما بعد مزامنتها مع جهاز آيبود، وهنا كانت انطلاقة “البودكاست”.
بحلول عام 2005، ظهرت عدة مواقع خاصة بفهرسة ملفات “البودكاست” من بينهم موقع PodcastAlley.com، وفي يناير من نفس العام، تم تدشين أول شبكة بودكاست على techpodcasts.com، التي أصبحت ملكًا لشركة RawVoice.
ركزت بعض الشبكات على تناول موضوعًا بعينه، فيما تضمنت بعض الشبكات الأخرى محتوى متنوعا، وفي شهر “مايو” أدخل تود كوشرين، الرئيس التنفيذي لشركة RawVoice، أول معلن إلى مجال البث الصوتي، من خلال صفقته الإعلانية مع GoDaddy.com، والتي أوضحت للجميع أنه يمكن الحصول على أموال طائلة من خلال صناعة ملفات الفيديو والصوت وتوزيعها بطريقة البودكاست.
تطور الأمر بوتيرة سريعة، ففي شهر يوليو قررت شركة آبل دعم بودكاست في تطبيق “آيتيونز” مما فتح المجال أمام المستمعين ومنشئي المحتوى، وفي أغسطس، أقيم أول حفل لتوزيع الجوائز على أفضل بودكاست بناءً على تصويت الجمهور، في أونتاريو بكاليفورنيا، من هنا.. بدأت الشركات في تمويل العديد من برامج البودكاست.
وفقًا لما كتبه سبحان ماك هوج، على موقع اليونسكو، فإن البودكاست بدأ في الازدهار عام 2021، بعد أن أدرجت شركة آبل تطبيق بودكاست في هاتفها، مما سهل الطريق أمام المستمعين للوصول إلى برامجهم المفضلة.
وفي 2013، احتفلت آبل بوصول عدد المشتركين ببرامج البودكاست عبر آيتيونز، إلى مليار مشترك.
وحاليًا يشهد البودكاست نموًا هائلا في كل دول العالم من بينهم الدول العربية، حيث قال محمد كشميري، مؤسس منصة “البودكاست” العربي، في حواره مع موقع “الشرق الأوسط” إنه في كل عام يحطم البودكاست العربي رقمًا جديدًا، ففي عام 2017 ظهر 74 برنامجاً، وفي 2018 ظهر 118 برنامجاً، بينما ظهر في 2019 ما يقرب من 234 برنامجاً جديداً، لافتًا إلى أن هناك 901 بودكاست عربي على المنصة، بإجمالي 22495 حلقة بودكاست يتنوع محتواها.
أوضحت مجلة scientificamerican، أن فكرة اليوم العالمي للبودكاست، تعود للأمريكي ستيف لي، الذي فكر بالأمر عام 2013، قبل أن يطلقه بالفعل يوم 30 سبتمبر عام 2014، حبث قال حينها: “هناك يوم وطني للبطاطس المقلية ويوم للفطائر، فلماذا لا يكون لنا يوم للبودكاست؟”، وبالفعل تم تنظيم يوم شارك فيه 6 من مشاهير التدوين الصوتي في الولايات المتحدة.
وفي عام 2015، تم إعادة تسمية المناسبة بـ “اليوم الدولي للبودكاست”، وخلال الفترة من 2015 إلى 2019 انضم إلى “لي” ورفاقه الكثير من مشاهير البودكاست من حوالي 70 دولة حول العالم.