رباب طلعت
تصدر الزعيم عادل إمام قائمة الترند في عدة دول عربية، بعد العرض الأول لـ”بودي جارد” آخر أعماله المسرحية على منصة “شاهد.vip” مساء الجمعة، ولكن بشكل سلبي، فالمسرحية لم تنل إعجاب الكثيرين، بل كانت مخيبة لآمال من انتظروها لسنوات عدة، ولم يحالفهم الحظ لحضور عروضها الحية على المسرح، والتي استمرت لأكثر من 10 أعوام.
ظهور المسرحية بمستوى أقل من المنتظر، كان سببًا في خيبة الأمل التي أصابت المشاهدين حيث لم يستطع الزعيم إضحاكهم كالمعتاد، ولم تتحقق تلك الحالة التي أحدثها عرض “مدرسة المشاغبين” و”الواد سيد الشغال” و”شاهد ماشفش حاجة” وغيرها من مسرحياته التي كانت علامة فارقة في المسرحيات الكوميدية، ولذلك عدة أسباب يمكن رصدها فيما يلي:
أحد أهم أسباب عدم استطاعة المسرحية إضحاك الجمهور هو أنها أصبحت “قديمة”، ولم تعد تتناسب مع الشكل الجديد للكوميديا المقدمة للشباب، والتي بدأت من عروض “مسرح مصر”، وما تلاه من تجارب مشابهة مثل “أمين وشركاه” وغيرهما، فعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة الموجهة لذلك اللون من الكوميديا الشبابية الحديثة، إلا أن لا أحد ينكر تأثير “مسرح مصر” على شكل الكوميديا في مصر، فقد أصبح المسرح المليء بالصخب والحركة والإفيهات الشبابية المعاصرة هو “الموضة” التي يفضلها الشباب، وذلك لا يظهر فقط في استمرار عروضه كل تلك السنوات، إنما أيضًا بالانتشار الواسع لإفيهات العروض على “تيك توك” ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، واستخدامها ككوميكس أو خلفية صوتية لفيديوهات معبرة عن موقف ما، كذلك انتشار نجومه وتحولهم إلى أبطال مسلسلات وأفلام تقدم الكوميديا التي استحدثوها، وتتناسب مع لغة الأجيال الحالية، وقد أدرك الزعيم عادل إمام ذلك التطور، وقد استعان به في أعماله التليفزيونية خلال السنوات الماضية، وجدد من مفرداته وافيهاته بما يتناسب معها.
لعل أهم أسباب ضعف مستوى المسرحية هو التكرار الواضح لبعض المشاهد التي قدمها الزعيم من قبل سواء على المسرح أو في السينما، ما أظهرها بشكل أقرب للقص واللزق من أعماله السابقة، فمثلًا سخريته من حضور حفل رغدة يعيد للأذهان المشهد المشابه في “الواد سيد الشغال”، وكذلك “حنفي الأبهة”، التكرار أيضًا كان في مشهد السرير مع رغدة، وهو مشابه لـ”الواد سيد الشغال”، مع مشيرة إسماعيل ومصطفى متولي، ومشهد العزاء والسخرية من ارتداء المعزيات ملابس قصيرة تكرر في “بوبوس” والمفارقة هنا أن “بوبوس” من إنتاج 2009 والمسرحية عرضها الأول كان في 1999، أي أنه على الأرجح أنه مأخوذ في الفيلم بناء على نجاحه على المسرح وليس العكس، إلا أن تأخر عرض المسرحية أظهر العكس.
التكرار لم يقتصر على المشاهد بل الأداء، فقد استنسخ الفنان الكبير عادل إمام نفسه في “الواد سيد الشغال” و”حنفي الأبهة” مستخدمًا تعبيرات وجهة لإضحاك الممثلين معه على المسرح وليس المشاهدين فقط، ما أعطى أنطباعًا بأن شخصية “أدهم” لا تختلف عن “حنفي” وعن “سيد”.
تأخر عرض المسرحية أحد الأسباب أيضًا حيث إن آخر عرض لها كان عام 2010، وتم عرضها لأول مرة عام 2021، وذلك كان كافيًا لقتل الكثير من الإفيهات التي نجحت في إضحاك جمهور المسرح، ولكنها لم تفلح مع جمهور المنصة، لعدم فهمه أو فقدانه لمعناه أو إسقاطه، على سبيل المثال استخدام كلمة “علوج” التي يعود أصلها إلى وزير الإعلام العراقي في عصر صدام محمد سعيد الصحاف، عام 2003، والتي أطلقها على القوات الأميركية التي غزت العراق وقتها، وكان استخدامها في ذلك الوقت مضحكًا وظلت عالقة في الأذهان طويلًا خاصة لظهور “الصحاف” كثيرًا في وسائل الإعلام قبل سقوط صدام، ولكن من يتذكرها الآن؟ أو يعرفها من الأساس؟
الإسقاطات السياسية أيضًا فقدت معناها بسبب تأخر عرض المسرحية على التلفزيون، فمثلًا عندما كان يروي للفنان الراحل عزت أبو عوف عن سبب دخوله إلى السجن قال وهو التحرش قال “فاكرني كلينتون” في تلميح منه على الواقعة التي عرفت إعلاميًا وقتها بـ”فضيحة لوينسكي” حيث اتهمته متدربة في البيت الأبيض بالتحرش بها عام 1998 قبل عرض المسرحية على خشبة المسرح بعام، وكانت تلك القضية محط أنظار العالم كله، ما يجعل الإفيه وقتها مناسبًا ومضحكًا، ولكن الآن! وأيضًا ذكره لفظ “التوكتوك” كسخرية من الظاهرة الجديدة وقتها وانتشاره في مصر، تفاعل معه الجمهور في المسرح ولكن جمهور المنصة لم يفهمه.
لا يختلف أحد على نجومية أبطال المسرحية مثل الفنان عزت أبو عوف، والفنان سعيد عبدالغني، والفنانة رغدة، والفنان فايق عزب وآخرين، فجميعهم لديهم رصيد كبير من المحبة لدى الجمهور، ولا يشكك أحد في براعتهم الفنية، ولكن ذلك لم يظهر في “بودي جارد”، فظهرت حالة عدم تجانس بين الفنانين في العرض، وكأن كل منهم يؤدي دوره عن غير رغبة، أو بملل تسلل إلى المشاهدين، ولعل السبب في ذلك هو تأخر تصوير المسرحية تلفزيونيًا، حيث تم تصويرها عام 2010، أي بعد 11 عامًا من العرض المستمر على المسرح، وهو ما أفقدها بريقها ورونقها، ليس لأن الفنانين ملوا من تقديمها وحسب، بل للتغيرات الكثيرة التي طرأت على فريق العمل بسبب وفاة بعضهم واعتزال البعض، فبطلة العرض الأساسية بحسب الإعلامي شريف نور الدين كانت الفنانة رغدة، إلى أن حلت محلها الفنانة شيرين سيف النصر لسنوات طويلة بعد اعتزال رغدة لأسباب شخصية، وبعد اعتذار “سيف النصر” عن الاستمرار لزواجها حلت محلها الفنانة جيهان نصر، إلا أن الفنان عادل إمام أصر على تقديم رغدة العرض الذي سوف يتم تصويره تلفزيونيًا، وقدمته بالفعل، كما قدم الفنان محمد أبو داود الدور بعد وفاة بطله الأصلي الفنان مصطفى متولي الذي مات أثناء عرض المسرحية، وكذلك الأمر مع عدد من الفنانين، ما تسبب في تفكك نسيج العرض، وضياع “الكيميا” بين الفنانين.
مررو 11 عامًا على الزعيم على خشبة المسرح، لم يكن هينًا أيضًا، حيث ظهر في العرض التلفزيوني أكبر سنًا بكثير مما يجب أن يكون عليه بطل القصة “أدهم” الحارس الشخصي، مما جعل القصة غير منطقية وليست ملائمة عليه.
الأزمة الأساسية أيضًا التي تسببت في تراجع مستوى المسرحية، هو أن جمهور المنصات الرقمية ليس هو نفسه جمهور المسرح، فالذائقة الفنية اختلفت وقواعد المشاهدة أيضًا، فكون العرض الأول للمسرحية كان في 2021 وضعها في مأزق كبير وهو الحكم عليها بمقاييس العصر الحالي وجمهوره وليس جمهور 1999، فالأخير كان يضحك بشدة على الإيحاءات الجنسية أو المشاهد التي يظهر فيها الزعيم مراهقًا يغازل السيدات، ولكن جمهور السوشيال ميديا اعتبرها تحرشًا وتعديًا على الآداب العامة حتى إن البعض طالب بوضع تصنيف +18 عليها لأنها لا تصلح للمشاهدة العائلية، وكذلك سخرية الفنان عادل إمام من الفنانة كوثر رمزي، لم يلق قبولًا لدى البعض لاعتباره مشهد “تنمر” وتلك الكلمة بالطبع لم تستخدم في المجتمع إلا خلال السنوات القليلة الماضية، وأصبح الجمهور ينتقدها في أعمال فنية كثيرة قديمة مثل مسلسل “ونيس” للفنان محمد صبحي، على الرغم من تقبل الجمهور العادي وقتها لها دون أية تحفظات، وهو الأمر الذي أثر كثيرًا على مستوى المسرحية بالنسبة لجمهور المنصات.