يمر الإعلام المصرى بأوقات عصيبة حقاً، ولا يبدو أن هناك إرادة واضحة لانتشاله من عثرته ووضعه على السكة الصحيحة.
كان من المفترض أن يبدأ الإعلام المصرى فى عملية انتقال ديمقراطى مدروسة وناجعة فى أعقاب «25 يناير» و«30 يونيو»، تلبية لاستحقاقات «ثورية» و«دستورية» واضحة، لكن للأسف الشديد دخلت صناعة الإعلام فى سلسلة من الأنفاق والأزمات التى يمكن توصيف نتائجها على النحو التالى:
– اختفاء التعدد والتباين فى منظومة الإعلام على صعيدى الملكية والسياسة التحريرية لمصلحة الصوت الواحد الذى تعتقد السلطات أنه «وطنى ومسئول»، فى مقابل الأصوات الأخرى التى تتهمها بـ«الخيانة» أو «العمالة» أو «عدم المسئولية».
– زيادة الدور الدعائى لوسائل الإعلام العامة والخاصة على حساب الدور المهنى، بما يمكنها من «مواجهة الخطر الإرهابى»، وتكريس سياسة «الاصطفاف»، التى تجد ذرائع موضوعية فى ظل الاستهداف الخارجى والداخلى، وتزايد العمليات الإرهابية، وثقة القطاعات الغالبة فى الرأى العام فى القيادة، ورغبتها فى مساندتها لاستعادة الدولة وتثبيتها، كما تُظهر أغلب استطلاعات الرأى المعتبرة.
– بدء خروج المال السياسى، الذى كان قد تدفق من خارج البلاد على الصناعة، من أجل تحقيق أهداف إقليمية التقت مع إرادة القطاعات الغالبة من الجمهور المصرى ومعظم المؤسسات الوطنية، بعدما شعر أصحاب تلك الأموال بأنهم حققوا أهدافهم أو القدر الأكبر منها.
– تقلص عائدات الإعلان، وتركز معظم الوكالات الإعلانية فى عدد لا يزيد على أصابع اليد الواحدة من الشركات التى استهدفت تعزيز أنماط أداء حادة بعينها، إما من أجل تحقيق الرواج، أو لصالح تعزيز فكرة «الاصطفاف» التى تمكّن أصحاب المصالح الإعلانية من تحقيق أهداف سياسية.
– بسبب تفاقم الضغوط السياسية والمعيشية على قطاعات واسعة من الجمهور، خلال سنوات أربع مرهقة تلت ثورة يناير، وفى ظل تردى الأداء الإعلامى وتدنيه، انصرفت قطاعات مؤثرة عن متابعة المحتوى السياسى المقدم عبر وسائط الإعلام التقليدية لمصلحة وسائط الإعلام الاجتماعى أو المحتوى الترفيهى.
– استمرار الإخفاق فى إيجاد تعبير إعلامى مصرى يستهدف الإقليم والعالم. وبالتالى، فقد بقيت مصر خلال تلك السنوات الصعبة بلا صوت يعبر عن مواقفها فى مواجهة هجمات إعلامية ومعالجات مضللة وسوء فهم بالغ.
– استمرار الإخفاق فى إعادة بناء المجال الإعلامى المصرى، استناداً إلى الاستحقاقات الدستورية، الواردة فى المواد 68، و70، و71، و72، و211، و212، و213، بما يتضمنه هذا من إزالة العقوبات السالبة للحرية، وإصدار قانون الحق فى الحصول على المعلومات، وإنشاء نقابة الإعلاميين، وإنشاء الهيئات المنظمة للمجال الإعلامى.
– استمرار الإخفاق فى إعادة هيكلة وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وتفاقم خسائرها وديونها، وتدنى أدائها المهنى والإدارى، وافتقادها لثقة الجمهور واعتماده.
ولتجاوز هذه الأزمات، وللخروج من النفق الذى باتت صناعة الإعلام المصرية أسيرة له، بشكل يتجاوب مع مطالب «ثورتى يناير ويونيو»، ويلبى الاستحقاقات الدستورية، يجب العمل على ما يلى:
أولاً: بناء التوافق السياسى والإعلامى والمجتمعى على مشروعات القوانين التى تعدها اللجنة الوطنية لاقتراح التشريعات الإعلامية، بالشكل الذى يحقق مقاصد الدستور، بما يتضمنه هذا من إنشاء نقابة الإعلاميين التى ستقوم بدورها بإصدار ميثاق الشرف الإعلامى وتفعيله، وإزالة العقوبات السالبة للحرية، وإصدار قانون الحق فى تداول المعلومات، وإنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ليعمل كهيئة ضابطة تقوم بإخضاع الأداء الإعلامى للتقييم، وتحفظ حرية الصحافة والإعلام، وتنظم مجال عملهما، بشكل يحقق الحرية والمسئولية فى الأداء.
ثانياً: إنشاء الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، بشكل يضمن لهما القيام بدورهما المطلوب فى إعادة هيكلة وسائل الإعلام المملوكة للدولة، بما يحولها إلى نمط خدمة عامة، تلتزم من خلاله أداء مهنياً ومالياً وإدارياً رشيداً، وتخدم مصالح المجموع العام، ولا تعمل كأدوات دعاية للسلطة التنفيذية كما دأبت منذ إنشائها.
ثالثاً: تخلى السلطة السياسية عن فكرة الاستخدام الدعائى لوسائل الإعلام الخاصة والعامة، فى مقابل تعزيز نزعتها المهنية، والكف عن الانتهاكات والممارسات الخشنة بحقها، مع ضمان حق النقد والرقابة على أداء السلطات عبر الممارسة الإعلامية المهنية الرشيدة.
نقلًا عن موقع “الوطن”