مساكين أهل العشق حتى قبورهم
عليها تراب الذل بين المقابر
البيت ده بـ ينسبوه لـ واحد عربي قديم، بتاع لغة وأدب، عاش في العصر العباسي، اسمه الأصمعي. والبيت له حكاية لطيفة، غالبا ألفها الأصمعي، بس حكاها على إنها حقيقية.
الراجل بـ يقول إنه كان ماشي في الصحرا، فـ لقى صخرة مكتوب عليها بيت شعر:
أيا معشر العشاق، بالله، خبروا
إذا حلّ عشقٌ بالفتى، ماذا يصنع؟
الترجمة:
يا أهل العشق، بالله عليكم تقولوا لي، إذا الفتى (الإنسان) أصابه العشق، يعمل إيه؟
فـ راح الأصمعي كتب ع الصخرة، وبـ نفس الوزن والقافية إجابة السؤال:
يداري هواه، ثم يكتم سره
ويخشع في كل الأمور، ويخضع
واضحة، كتب كده ومشي، فـ تاني يوم معدي، على نفس الصخرة، فـ لقى العاشق المجهول ده كاتب بيت جديد:
وكيف يداري، والهوى قاتل الفتى؟
وفي كل يوم قلبه يتقطع
واضحة، فـ الأصمعي مش يسكت، قرر يدي الشاب النصيحة المتينة، فـ كتب له:
إذا لم يجد صبرا لكتمان سره
فليس له عندي سوى الموت ينفع
كده الحوار بقى عامل زي بوست على فيسبوك، وواحد دخل كتب كومنت، فـ صاحب البوست بـ يعلق، وهكذا، خصوصا إن العلاقة بين الأصمعي والشاب فعلا علاقة افتراضية، ومحدش فيهم يعرف التاني معرفة شخصية، وغالبا مفيش بينهم “موتوال فريندس”.
المهم، الأصمعي كتب كده، ورجع تاني يوم يشوف الكومنت الجديد اللي كاتبه الشاب، وتلاقيه كمان مجهز الكومنت بتاعه، ولقى فعلا الكومنت، بس الكومنت الأخير، لـ إنه لقى الشاب نفسه، مرمي تحت الصخرة ميت، بعد ما كتب:
سمعنا، أطعنا، ثم متنا، فبلغوا
سلامي على من كان للوصل يمنع
هنيئا لأرباب النعيم نعيمهم
وللعاشق المسكين ما يتجرع
الترجمة:
سمعنا النصيحة، وسمعنا الكلام، فـ متنا، فـ ياريت بقى تبلغوا سلامي لـ الحبيب اللي منع عني وصله. يا رب، أصحاب النعيم يتهنوا بـ نعيمهم، والعاشق المسكين بقى يتجرع اللي يتجرعه.
فـ كان تعليق الأصمعي النهائي على القصة الرومانتيكية دي، بـ البيت اللي قلناه فـ الأول:
مساكين أهل العشق، حتى قبورهم
عليها تراب الذل بين المقابر.
طب إحنا بـ نحكي في إيه؟
إحنا بـ نتكلم عن فيلم إبراهيم الأبيض، اللي صناعه ما عملوش تتر في بداية الفيلم كتبوا فيه أسماء صناعه وهكذا، هم اكتفوا بـ تصدير البيت ده، بتاع “مساكين أهل العشق”، وبدأت الأحداث.
الحقيقة إن التصدير ده أكتر من موفق، لـ إنه فعلا بـ يتخصر حدوتة الفيلم، “العشق والذل والموت”.
إحنا قدام تلات رجالة وست، الست هي حورية/ هند صبري، “حورية حورية يا إبراهيم”، “حورية حورية يا عشري”، الست دي بـ تمثل الحياة ذاتها، والرجالة التلاتة بـ يحبوها، بـ يشتهوها، كل واحد بـ يحبها بـ طريقة، وغرضه ينال منها جانب معين، والتلاتة بـ يتعرضوا منها لـ الذل، كل واحد بـ يتذل بـ طريقة، لـ إن اللي يذل ده ممكن ما يذلش دوكهه، وكلهم اتذلوا.
الرجالة دول هم إبراهيم الأبيض/ أحمد السقا، وعشري/ عمرو واكد، وعبد الملك زرزور/ محمود عبد العزيز.
وعلشان يحطك في قلب الذل ده، بـ يبدأ بـ مشهد فظيع، فيه جرعة قهر ما شفتهاش من ساعة قهرة أبو سويلم في فيلم الأرض.
طفل/ إبراهيم الأبيض، بـ يلاقي ناس داخلين عليهم البيت، في حماية فتوة اسمه مهدي بدور، وبـ قيادة صاحب الشغل بتاع أبوه، والمعلم الكبير، علشان يخلوا مرات المعلم تضرب الأب بـ الشبشب.
وعلشان يكتمل الذل، لما أم الطفل تقول له خش جوه، المعلم يؤمرها بـ إن الواد يفضل، علشان يشوف أبوه بـ يتهان.
فـ الأب يموت من الضرب، فـ المعلم يتعامل على إنه قضاء وقدر، ويفكر الأم بـ إنها “ست مؤمنة”، والتعويض العظيم اللي هـ يعمله إنه ياخد الواد “يشتغل عنده”.
أ…ا يعني، إيه يا ربي الذل ده.
بس دي لسه البداية
وكل شخصية لها “ما تتجرعه”، وده اللي هـ نشوفه المرة اللي جاية.