رباب طلعت
بالتزامن مع اهتمام الصحافة العالمية بحقوق الأطفال المعرضين للاستغلال من قبل أهاليهم عبر السوشيال ميديا لجني الأرباح من خلال الفيديوهات وظهور مصطلح الـ””Kidfluencers” أو “الأطفال المؤثرين” على الساحة العالمية، لاقت الطفلة المصرية “بسنت” ذات الأعوام السبعة فقط، الكثير من الانتقادات عبر ظهورها في أحد البرامج التلفزيونية، بسبب أسلوبها الذي اعتبره البعض “فجًا” ولا يليق بطفلة في عمرها، مما أثار ضدها وأهلها الكثير من الانتقادات التي وصلت إلى حد الإهانات ووصف الطفلة بصفات تكبر سنها بأعوام، كما ظهرت هي في أداء وإن كان تمثيليًا يكبرها بأعوام، ويتنزع منها طفولتها البراءة الصفة اللصيقة بمن في مثل عمرها.
أثناء تصفح اليوتيوب، تيك توك، الفيس بوك، إنستجرام، تويتر، سناب شات، وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي التي لا حصر، لا تستطيع مقاومة مشاهدة فيديو بطله طفل، سواء كان بمفرده أو مع أحد أفراد أسرته، وإن كان الكثير من تلك الفيديوهات مقبولًا لما يعكس من براءة الأطفال وعفويتهم في التصوير، إلا أن هناك أنواعًا أخرى صادمة للمتلقي، إما بسبب الأسلوب غير اللائق الذي يتحدث به أولئك الأطفال أو المحتوى الجارح الذي يقدمونه بما يخالف فطرتهم وبرائتهم.
بسنت الطفلة ذات السبعة أعوام، والتي ظهرت مع ريهام سعيد، وشكلت صدمة لدى متابعي مواقع التواصل الاجتماعي البعيدين عن تطبيقات “تيك توك”، و”اليوتيوب”، إلا أنها اشتهرت خلال الأشهر القليلة الماضية بفيديوهات دائمًا ما تحمل اسم “بسنت تقصف جبهة فلان”، ولها الكثير من المحبين، على الرغم من أسلوبها “الفج” الذي لم يلق إعجابًا خارج عوالم “التيك توك”، ومع ذلك فإنه من الظلم عدم الاعتراف بخفة دمها، وموهبتها في التمثيل والتقليد، وأدائها البارع لمقاطع الفيديو التي تقدمها، والتي إن تم توجيهها بشكل سليم ما كانت لتتعرض لكل هذا الكم من الانتقاد عبر السوشيال ميديا.
مثل بسنت الكثير من الأطفال الذين يستغلهم أحد أقاربهم سواء أب أو أم أو أخ أو خال، ليكسب عدد كبير من الإعجابات والتعليقات على منصات عرض الفيديوهات سواء تيك توك أو اليوتيوب، الأمر الذي يتحول فيما بعد إلى تجارة يتربحون من ورائها عن طريق الترويج لأماكن أو لمنتجات تجارية، دون دراية بالعواقب الوخيمة التي يحصدها أبنائهم، من جراء الفيديوهات التي يصنفونها كوميدية، إلا أنها في الحقيقة مأسوية، وتكشف عن الكثير من الخلل في تربية أولئك الأطفال، ويمتد التأثير للأطفال الذين يشاهدونهم، ويبدأ أهاليهم بملاحظة تغييرات واضحة في تصرفات وأسلوب كلام أبنائهم، الذين يتشربون ما يتصفحونه عبر السوشيال ميديا، ومنهم قناة الطفلة “شفا” عبر “اليوتيوب” والذي حذر منها الكثير من الأهالي بعدما لاحظوا تغيرات سلبية على أبنائهم، واكتشفوا أنهم يقلدونها! وعلى الرغم من ذلك فإن شفا يتابعها حوالي 30 مليون شخصًا بالطبع أغلبهم من الأطفال!
@ahmetbuker
تلك التغييرات ليست فقط على أسلوب كلام الأبناء، إنما أيضًا على أساسيات التربية، كعلاقة الأبناء بآبائهم، ويمكن ملاحظة ذلك النوع في فيديوهات صفحة “العائلة الفرفوشة” على “تيك توك” لصاحبتها دينا سامي، والتي يتابعها حوالي مليونًا ونصف المليون، والتي تشاركها ابنتها “فريدة” في أكثرها، تلك الطفلة التي لا تتجاوز الخمسة أعوام، كثيرًا ما تظهر وهي تتحدث مع والدها أو بوالدتها بأسلوب غير لائق، ففي خلاف مزعوم مع والدتها يحاول والدها التدخل للدفاع عنها فترد عليه قائلة: “ملكش دعوة روح شوف حالك”! وفي فيديو آخر، تتحدث كسيدة راشدة عن خيانة الطفل “زياد” لها وارتباطه بأخرى ما دفعها للارتباط بطفل آخر لا تحبه! وكم تكره الرجال لأنهم خائنون! وغيرهم الكثيرون من أطفال تيك توك الذين يرقصون بالأسلحة على أغاني المهرجانات، ويتحدثون بأسلوب متدني!
@dodoosamy22اقسم بالله كان تلت ساعه كلها ضحك لسه حالا معمول عن طريق الصدفه هنزلو حالا علي اليوتيوب كملو هناك♬ الصوت الأصلي – العائله الفرفوشه
بالطبع ليس جميع الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي يقدمون مثل ذلك المحتوى، فهناك الكثير ممن يشاركون أمهاتهم بمحتوى مفيد ومميز وراقٍ، يمكن قبوله، حتى وإن كان لأغراض تجارية، إلا أنها مقبولة لعدم تأثيرها السلبي الصريح عليهم أو على الأطفال الذين يشاهدونهم، ومنهم من يقدم محتوى تعليمي مثل “إنجلش سعودي” للطفل السعودي “سعود” الذي يحاول من خلال قناته تعليم الأطفال الأطفال الإنجليزية بشكل سلس وبسيط.
ولا يشترط بالطبع أن يكون المحتوى جيدًا أو مفيدًا ما دام يتعلق بالأطفال، فمن الممكن اعتبار ما تقدمه الفاشونيستا اللبنانية نور عريضة مع ابنتها “إيلا” محتوى لائق عبر تيك توك وإنستجرام حيث يتابعها على الأخير ما يقارب التسعة ملايين، فعلى الرغم من إعطائها مساحة كبيرة لابنتها للحديث والتعبير عن نفسها ورغباتها إلا أنه بطريقة بها الكثير من الرقي، يشجع الأطفال على الحديث والحوار بحرية مع أهاليهم ولكن مع الاحتفاظ بالآداب العامة، وتعد “آيلا” من أكثر الطفلات في الوطن العربي متابعة هي وأمها.
View this post on Instagram
“لماذا يقحم الأهالي أبنائهم في مثل تلك التساؤلات”.. ذلك هو السؤال الأكثر أهمية هنا، وإجابته تفسر الكثير من السلوك غير السوي لبعض الأهالي في التعامل مع أبنائهم وتعمدهم لفت الانتباه لمحتواهم حتى وإن كان عن طريق الصدمة والانتقاد، وهي “التجارة أو الشهرة”.
بحسب تقرير لموقع (humanium.org) فإنه خلال السنوات القليلة الماضية ساهم الـ”Kidfluencers” -الأطفال الذين لديهم عدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي- بتحفيز صناعة الإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعين بقيمة 8 مليارات دولار، حيث حقق الأطفال “الناجحون” ما يصل إلى 26 مليون دولار سنويًا من خلال الإعلان ومشاركة المحتوى المدعوم، وبالطبع فإن تلك الدراسة لا تشير إلى حجم المكاسب العربية التي تصب في صالح أهالي الأطفال المؤثرين، فلا يوجد إحصائيات دقيقة تتبع سلوك صناعة المؤثرين بشكل عام في الوطن العربي، مثل أمريكا وباقي الدول الأجنبية، إلا أنه يمكن ملاحظة ما يعود عليهم من مكاسب بحساب عدد مشاهدات فيديوهاتهم عبر اليوتيوب أو تيك توك، أو من خلال الهدايا التي يتلقونها، والمنتجات التجارية التي يعلنون عنها عبر إنستجرام.
@dodoosamy22يلا الكل يرد على فريدة قولوا رأيكم في الكومنت ##العيله_الفرفوشه ##اكسبلور ##Love_inspires ما تنسوش البيدج على Instagram♬ الصوت الأصلي – العائله الفرفوشه
وبجانب الربح المادي والعروض المغرية التي يتلاقها أولئك الأطفال وأهاليهم مثلهم مثل المؤثرين الشباب، هناك البعض يبحث فقط عن الشهرة لا أكثر، وذلك يظهر في المحتوى المقلد الذي يتبعه البعض، فكثيرًا من ظواهر الفيديوهات ذات المحتوى الصادم أو غير اللائق ما هي إلا تقليد لفيديوهات أخرى حققت شهرة كبيرة لأصحابها، وهو ما يبحث عنه الكثيرون ومن ثم يبدأ بعدها إغراء الربح.
مع شهرة أولئك الأطفال، التفت الإعلام إليهم، وصار كل منهم يبحث عن استضافتهم لتحقيق حلقة “ترند” من ورائهم، في استغلال من نوع آخر لشهرتهم، فـ”بسنت” صاحبة الأزمة الرئيسية، خلال الأسبوع الماضي فقط، ظهرت عبر ثلاث قنوات “صدى البلد”، “الحدث اليوم” وأخيرًا، “النهار”، إلا أن اللقاء الأخير هو من نجح في اعتلاء موجة الترند بالفعل، دون اكتراث لرد فعل الجمهور على الطفلة، الأمر الذي عرضها لانتقادات واسعة، لاختلاف جمهور “الفيسبوك”، و”تويتر” عن جمهور “تيك توك” الذي يتابعها ويشجعها على تقديم ذلك المحتوى، حيث إنه ليس غريبًا عليهم، خاصة لصغر سن أكثر مستخدميه، على عكس المنصات الأخرى!
ذلك الخطأ الذي وقعت فيه العديد من البرامج التلفزيونية، عرضها أيضًا للانتقاد والتساؤل عن أهمية استضافة طفلة تعكس صورة سلبية للأطفال في مصر، حتى وإن كانت موهوبة بشكل كبير، إلا أن موهبتها تم تشكيلها بصورة خاطئة، فتحولت إلى ابتزال غير مضحك، على العكس، أثار تعاطف الكثيرين مع استيائهم نحو الطفلة، وتلك الانتقادات لم تطل الإعلام فقط لاستضافة “بسنت” إنما كان لاستضافة بعض الأطفال دون الموهبة أو الإبداع الذي يؤهلهم للظهور على شاشة التلفزيون مثلما حدث في واقعة الطفلة المعجزة التي استضافتها الإعلامية إيمان الحصري في 2017، وادعت والدتها أنها تجري عمليات حسابية معقدة على سنها، إلا أن الفقرة تحولت لسخرية السوشيال ميديا، وتعرض البرنامج لانتقادات واسعة، دفعت “الحصري” للرد عليها.
تكررت الانتقادات للإعلام في مثل تلك المواقف التي يعرض فيها أحد البرامج طفلًا للسخرية من خلال استضافته، وذلك دفاعًا عن الطفل نفسه، وحماية له، وكذلك اعتراضًا على تسليط الإعلام الضوء على النماذج السلبية للأطفال، بما يتعارض مع دوره المعتاد برعاية المواهب الحقيقية.
مثلما يتعرض أولئك الأطفال لخطر كبير من جراء الاستغلال التجاري لهم، حيث إنهم يفتقرون إلى الحق القانوني في الأرباح التي يدرونها، أو ظروف العمل الآمنة والحماية من خلال قوانين العمل فإنهم يتعرضون أيضًا لضرر نفسي واجتماعي أشد بتعريضهم لمثل تلك الانتقادات الواسعة جراء استضافتهم وتقديمهم للجمهور، بما لا يتناسب مع ذائقتهم، وأيضًا ضرر نفسي وتربوي كبير من خلال دعمهم في تقديم مثل ذلك المحتوى بدلًا من توجيهم بما يدعم مواهبهم! مما دفع الكثير من الحقوقيين على مستوى العالم بالتنديد والمطالبة بسن قوانين تحمي الحق المادي والنفسي لأولئك الأطفال، بما لا يتعارض مع حرية تربية الآباء لأبنائهم.
في خطوة مشابهة، منذ عامين على الأكثر، تحرك المجلس القومي للأمومة والطفولة لتوعية جدة الطفلة “ساندي” صاحبة قناة “ساندي شو” التي تعرضت للتنمر والإيذاء النفسي من جدتها، من خلال فيديوهات كانت تصفها فيها بـ”التخينة”، وتمنعها من الأكل لتخسر من وزنها، ما أعطى مساحة لمتابعيها بالتنمر عليها أيضًا، فتقدم عدد من المحامين ببلاغات لخط نجدة الطفل لإنقاذ الطفلة، وقد تدخلوا بالنصح والإرشاد للجدة التي علقت وقتها بأنها تنشر تلك الفيديوهات بدافع الكوميديا وليس الإهانة، لكن “ساندي” تأثرت بشكل كبير، وقررت عدم تصوير فيديوهات مرة أخرى، وتوقفت القناة على اليوتيوب بالفعل من 2018.
تحرك المجلس الأعلى للطفولة والأمومة، بالإرشاد فقط وقتها جاء بناء على عدم وجود قوانين رادعة لحماية أولئك الأطفال، وهو الأمر المستمر إلى الآن، مما يزيد من الظاهرة بشكل كبير، ليس في مصر فقط بل العالم بأسره، إلا أن الأمر قيد الدراسة عالميًا، ومن المنتظر سن قواعد حاسمة للسيطرة على الأمر.