أسماء مندور
أثار الحوار الذي أجرته الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري مع الأمير البريطاني هاري وزوجته ميجان ميركل جدلًا واسعًا وتغييرًا في الأوساط الإعلامية والصحف الكبرى، حيث أعلنت شبكة CNN أنها ستطلق قريبًا Royal News، وهي نشرة إخبارية أسبوعية تقدم المسار الداخلي للعائلة المالكة، وما الذي يفعلونه في الأماكن العامة وما يحدث خلف جدران القصر.
وكان للحوار أيضًا تبعات غير متوقعة وفتح للعديد من الملفات والقضايا الشائكة في المملكة، كما كان له صدى واسعا في أرجاء القصر الملكي وعرش أل ويندسور، وتأثير كبير حتى على العائلة الملكية نفسها لدرجة أن صحيفة The Mirror البريطانية وصفت أحداث هذا الأسبوع بأنها “أسوأ أزمة ملكية منذ 85 عامًا”.
التفرقة العرقية في المملكة المتحدة
تعددت تبعات هذا الحوار بشكل كبير، ليكون أولها هو إثارة الجدل بشأن قضايا التفرقة العرقية، خاصةً بعد توجيه الأمير هاري اتهامات مباشرة بشأن العنصرية ضد زوجته ميجان ميركل، والتحيز في صناعة الإعلام وإلقاء الضوء على افتقار المؤسسات الإعلامية بجميع أشكالها للتنوع والحيادية.
وفي المقابلة الشهيرة مع أوبرا وينفري، قال هاري إن العنصرية لعبت دورًا في طريقة حديث الصحافة البريطانية عن زوجته ميجان، وأن تغطية الصحف الشعبية كانت سببًا رئيسيًا في قرار الزوجين بمغادرة البلاد. حيث أكدت ميجان إن الصحف الشعبية كانت “تحرض” على العنصرية، وأضافت: “لم يكن الأمر مجرد ثرثرة طريفة، بل كان دليلًا واضحًا على العنصرية المتأصلة في الناس”.
ويؤكد هذا بعض العناوين الرئيسية التي نشرتها إحدى الصحف الرئيسية مثل DIALY STAR، التي نشرت عنوانًا رئيسيًا يسأل عما إذا كان هاري “سيتزوج من ملوك العصابات؟” الأمر الذي دفع هاري وميجان في أبريل الماضي لأخذ قرار بأنهما لن يتعاملا مع الصحف الشعبية، وبالفعل رفعا دعاوى قضائية على بعض الصحف.
وأكد موقع CNN أن الأمر أثار ضجة كبيرة حتى إن بعض الشخصيات الهامة والمسؤولة في البلاد أدلوا بتصريحاتهم بشأن الموضوع. حيث قالت رولا خلف، رئيسة تحرير صحيفة “فاينانشيال تايمز” في بيان لها: “هناك عمل يتعين القيام به في جميع القطاعات في المملكة المتحدة لمقاومة العنصرية وتحديها”، وأضافت: “لوسائل الإعلام دور حاسم تلعبه، ويجب على المحررين التأكد من أن غرف الأخبار والتغطية لدينا تعكس المجتمعات التي نعيش فيها”.
من جانبها، أضافت رئيسة تحرير صحيفة الجارديان كاثرين فينير: “تدرس كل مؤسسة في المملكة المتحدة حاليًا موقفها بشأن القضايا الحيوية المتعلقة بالعرق والطائفية، وكما قلت من قبل، يجب على وسائل الإعلام أن تفعل الشيء نفسه، حيث يجب أن تكون أكثر تمثيلا للواقع وأكثر وعيا بذاتها”.
وقال راسموس نيلسن، مدير معهد رويترز إن الاعتراف بوجود العنصرية “شرط ضروري ولكنه غير كاف للقيام بشيء لمعالجتها”. وأضاف أن “المهم الأفعال وليس الكلام”، “لأنه سيتم الحكم على وسائل الإعلام الإخبارية في المملكة المتحدة بناءً على ما تفعله أكثر مما تقول إنها ستفعله”.
وصرح جوزيف هاركر، نائب محرر الرأي في صحيفة الغارديان، إن إنكار وجود عنصرية في الصحافة البريطانية “خطأ بطبيعته”. وأضاف أيضًا أن إنكار وجود العنصرية كليًا يفشل في معالجة حقيقة أن أجزاء من الصحافة البريطانية، ولا سيما الصحف الشعبية، تنشر العنصرية بشكل شبه يومي بطرق خفية مما أدى إلى تعزيز الانقسامات العرقية، ويؤكد “إنها تظهر نفسها كل يوم، وليس فقط في تغطية أخبار ميجان”.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، كتب العديد من الصحفيين رسالة إلى المنظمة الإعلامية يحثونها على معالجة التعصب والعنصرية، بدلاً من التظاهر بعدم وجودها، قائلين: “الرفض الشامل لقبول أي تعصب في الصحافة البريطانية أمر مضحك، ويضر بالصحفيين”.
تقديم الاستقالات
ونتيجة لكل هذا الجدل الذي أثير حول التفرقة العرقية والعنصرية للإعلام البريطاني، قدم العديد من الصحفيين والشخصيات الهامة في المؤسسة الإعلامية استقالتهم اعتراضًا على ما يحدث،ووفقًا لما نشره موقع CNN فما بدا توبيخًا علنيًا للجرائد الشعبية من قبل الدوق والدوقة في مقابلتهما مع أوبرا وينفري، تحول إلى حساب إعلامي له عواقب بعيدة المدى.
فبحلول نهاية الأسبوع، قدم إيان موراي المدير التنفيذي لجمعية المحررين استقالته بعد أن أثار إنكاره للعنصرية في الصناعة غضبًا عارمًا، حيث قال موراي في بيان له إنه “من غير الصحيح” أن تكون أقسام الصحافة البريطانية متعصبة أو عنصرية.
كما استقالت أيضًا مذيعة الأخبار على قناة ITV شارلين وايت يوم الأربعاء من استضافة حفل جوائز الصحافة، في رسالة نشرتها HuffPost UK لأول مرة، أخبرت فيها وايت جمعية المحررين أن عليهم “البحث في مكان آخر” عن مضيف.
كما عارض محررا صحيفتي الجارديان وفايننشال تايمز البيان الأصلي الصادر عن جمعية المحررين.
تهديدات بسقوط النظام الملكي
وعلى صعيد آخر، نشر موقع الجارديان البريطاني مقالًا بعنوان “هل اقترب النظام الملكي من نهايته بسبب ميجان وهاري؟”، حيث يأمل الجمهوريون أن تطيح الأزمة الأخيرة بالمؤسسة الملكية، لكن مجريات الأمور لا تزال في صالح العائلة المالكة.
وتساءلت الصحيفة: هل ستفعل ميجان وهاري بالنظام الملكي ما هددت به ديانا لكنها لم تحققه، مما أدى إلى هز المؤسسة الملكية بشدة حتى تنهار في النهاية؟ فأولئك الذين يعتقدون أن البريطانيين يجب أن يكونوا قادرين على اختيار رئيس دولتهم، انتظروا بصبر الأزمة التي يمكن أن تؤدي أخيرًا إلى انهيار آل وندسور، لكنهم شهدوا هذا الأسبوع أحداثًا لم يعرفوها منذ التسعينيات، فاستطلاعات الرأي متسقة بشكل كبير مع الأحداث، وتظهر التأييد لخط الجمهورية الثابت عند حوالي 20٪ من البريطانيين، لكن هل يمكن أن تؤدي مقابلة أوبرا وكل ما كشفت عنه إلى حدوث تحول جذري؟ هل يمكن أن تكون هي السبب في النهاية؟
ووصف جوناثان فريدلاند – كاتب في صحيفة الغارديان- ما حدث بأنه قصة حب وزواج تكشف عن مؤسسة باردة ومغلقة تحول دون سعادة أبنائها، فالجمهور ينقسم على مر الأجيال، ويهز الشباب بقبضاتهم في القصر بينما يشعر الملوك بزعزعة الخوف، قلقون من أن ينقلب الجمهور أخيرًا على المؤسسة الملكية ويطالب بإلغائها.
أضاف فريدلاند قائلًا: إن الاتهام بالعنصرية قاتل بشكل خاص، لأن سبل الانتصاف التقليدية غير متاحة للعائلة المالكة، فلا يمكنهم الوعد “بإعطاء الأولوية للتنوع” أو ضمان أن يعكس أفرادهم بريطانيا بشكل أفضل في عام 2021، لأن هذه ليست الطريقة التي تعمل بها الملكية الوراثية، لأن الدور محجوز لأعضاء عائلة بروتستانتية بيضاء واحدة، ولا يمكنك “تحديث” طريقك للخروج من تلك الحقيقة القديمة، تلك الحقيقة التي تتعارض مع كل ما نقوله لأنفسنا عن مجتمعنا، فنحن نحب أن نتحدث عن الشمولية، لكن ننسى أن دور رئيس الدولة تحدده الحصرية الجينية.
وفي نفس الصدد، صرح مالكولم تورنبول، رئيس الوزراء الأسترالي السابق الذي قاد حملة الاستفتاء عام 1999 الفاشلة لإلغاء النظام الملكي في أستراليا، أن هذا الكم الهائل من الاحترام والمودة الذي كان موجود لدى الملك هو الذي عرقل طريق التغيير، وأن هذا لا يزال موجودًا في المملكة المتحدة، حيث تعمل إليزابيث كحلقة رمزية أخيرة للحدث التأسيسي لبريطانيا الحديثة، ويلبي حاجة عميقة إلى الثبات والاستمرارية، وربط الحاضر بماضٍ بالكاد يمكن التعرف عليه.
مقابلة هاري وميجان: ما وراء الاضطرابات وما الذي يجعل الأمير أميرا
قال موقع cbc news أن الملكة قالت في بيان قصير صادر عن قصر باكنجهام الثلاثاء إنها وأسرتها حزينة لمعرفة ما حدث مع هاري وميجان، وأن القضايا المثارة، خاصة المتعلقة بالتفرقة العرقية، ستعالجها الأسرة على انفراد.
أخيرًا، لا يزال هناك الكثير دون حل في أعقاب مقابلة أوبرا مع هاري وميجان، خاصة بعد تلك المقابلة التي أثارت مخاوف بشكل خاص حول العرق والطائفية، ووجد البعض فيها ما يذكّر بما شهدته الأميرة ديانا، حيث كشفت عن نقص الدعم الذي شعرت به بعد زواجها المشؤوم من الأمير تشارلز. لكن فترة ديانا، في القرن العشرين، لم تكن المرة الأولى التي تشهد اضطرابات في العائلة المالكة.
وفي تلك التجارب السابقة التي تعود إلى عقود وقرون، هل يمكن أن تكون هناك تلميحات عن مصير آل وندسور بعد هذه الأزمة الأخيرة؟