منذ تأسيس القنوات الخاصة في مصر مع انطلاق قناة المحور بداية الألفية وارتكز الإعلام الخاص على التمويل من الإعلانات، فكانت القنوات الخاصة التي تأسست خلال تلك الفترة وفي مقدمتها المحور، ودريم، تعتمد على الإعلانات وتغير برمجتها وفق ما يتطلبه سوق الإعلانات الذي سيطر بشكل كبير على توجهات القنوات الخاصة بما فيها قنوات المسابقة لارتباط استمرارية القنوات باستمرارية تحقيقها للربحية.
لكن بعد ثورة 25 يناير 2011 تغير الوضع بشكل كامل لعدة أسباب من بينها المتغيرات السياسية والتوسع في إطلاق شبكات القنوات الفضائية ليستمر الوضع حتى عام 2015 بشكل عشوائي سيطر ليس فقط على المحطات التليفزيونية ولكن على الإنتاج الدرامي أيضاً الذي ارتفعت كلفته أكثر من 10 أضعاف نتيجة زيادة الأجور بصورة غير منطقية، وهي أوضاع جرت معالجتها خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير خاصة بعد أسفرت حالة الفوضى الإعلامية والدرامية التي سادت بعد 2011 عن تراجع واضح لريادة الإعلام المصري.
– تقليص الخسائر وإعادة ضبط السوق: بدأت خطوات إعادة ضبط السوق من خلال معالجة أوجه الخلل في الإنفاق بالمحطات الفضائية التي وصلت خسائرها عام 2015 لنحو 4 مليارات جنيه وانخفضت للنصف بحلول عام 2018 واقتربت فيه المحطات اليوم من تحقيق معادلة التوازن بين النفقات والعائدات الإعلانية وهو أمر تأخر بسبب تراكم المديونيات التي يجري سدادها عن سنوات الفوضى الإعلامية.
ساهم تحديد الأجور ووضع سقف محدد لها لا يسمح بتجاوزه في تصحيح المسار بشكل كبير مع التأكيد على دراسة جدوى أي مشروع قبل تنفيذه بشكل جيد الأمر الذي ساهم في تغير حقيقي بالمحتوى المقدم للأفضل على جميع المستويات مع التأكيد على ضرورة تغيير النظرة نحو فكرة الميزانيات الضخمة لتكون لصالح الأعمال التي تستحق فقط ويكون الإنفاق عليها لصالح الصورة التي تجعل المشاهد يشعر بمصداقية ما يراه.
– استعادة بريق الدراما المصرية: شهد الإنتاج الدرامي خلال الفترة من 2011 وحتى 2015 زخماً كمياً ارتكز على العرض بشكل شبه حصري للأعمال الدرامية خلال شهر رمضان مع استثناءات قليلة وتحول باقي العام لموسم اعادة عرض للاعمال الرمضانية بوقت كانت تعاني غالبية الأعمال من مشكلات إما في الإنتاج أو في المضمون بسبب ضعف محتواها الفني، وهو ما دفع الفضائيات العربية للتراجع عن شراء حقوق عرض الأعمال المصرية لصالح الدراما التركية والدراما الأجنبية.
لكن مع إعادة النظر في المحتوى على حساب الكم، ومع وجود شركات إنتاج تسعى لتقديم أعمال جيدة المستوى، والشراكات الانتاجية التي قامت بها شركة سينرجي مع أهم شركات الإنتاج الدرامي لضبط سوق الإنتاج الدرامي على مستويات عدة بداية من ضبط نفقات الإنتاج بحيث يوجه الجزء الأكبر منها لجودة الصورة مروراً بإنتاج أعمال هادفة ذات ميزانيات كبيرة وصولاً لتقديم دراما تعتمد على الأحداث وليس البطل الذي يتواجد من البداية للنهاية، وهو ما تحقق عبر شراكات قامت بها مع كبريات شركات الإنتاج في مصر.
ساهمت هذه الخطوة في استعادة الدراما المصرية لمكانتها في الوطن العربي وهو ما يمكن رصده في حرص القنوات الخليجية على شراء الأعمال الدرامية المصرية مجدداً وعرضها في توقيتات مميزة لجذب أكبر عدد من المعلنين.
– عودة الانضباط للشاشة: بعد إقرار الدستور والقوانين المنظمة للهيئات الإعلامية وبروز دور المتابعة لمدى الالتزام بمواثيق الشرف الإعلامية من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مع اتخاذ إجراءات عقابية بحق التجاوزات، أو بث اتهامات مرسلة، بات واضحاً الانضباط تراجع الانتهاكات الإعلامية بما أسهم في زيادة الثقة بالمحتوى المقدم على الشاشات.
ولعبت هذه النقطة دور كبير في تقديم محتوى جاد قادر على الوصول إلى الجمهور من دون إسفاف مع استعادة برامج التوك شو لمسارها الصحيح لا سيما من ناحية المحتوى ولغة الحوار والمناظرات بين الضيوف عند معالجة أي من القضايا فضلاً عن إنهاء ظاهرة استرسال الضيوف لساعات واستبعاد غير المختصين والخبراء المعنيين بالملفات التي تجري مناقشتها الأمر الذي ساهم في تقديم المعلومات بالأدلة والبراهين.
– مخاطبة جميع الفئات الاجتماعية: نجحت القنوات الخاصة في الحفاظ على هوية شبكات قنواتها بما يتناسب مع جمهورها المستهدف في مخاطبة مختلف الشرائح، فضلاً عن القنوات المتخصصة التي أطلقتها تلبية لاحتياجات المشاهدين، فجاءت قناة الحياة سينما لتكون القناة المتخصصة بعرض الأفلام السينمائية في المجموعة وقناة مصر قرآن كريم لتكون المحطة المصرية الوحيدة التي تعرض القرآن على مدار الساعة بجانب قناة اكسترا نيوز التي توفر تغطية إخبارية للأحداث داخل وخارج مصر على مدار الساعة وصولاً لقنوات أون تايم سبورت التي تنقل الفعاليات الرياضية لعشاقها ولا تقتصر على كرة القدم فحسب ولكن تعرض منافسات بطولات عديدة في مختلف الرياضات، وهي قنوات تتبع المجموعة المتحدة اللاعب الأهم والمؤثر الأكبر في السوق.
– إعادة الزخم لبرامج المنوعات: أعادت الفضائيات صناعة البرامج الترفيهية لمصر بعدما اتجه صناعها إلى لبنان لسنوات بعد 2011، فبعدما كانت غالبية برامج المنوعات والبرامج الترفيهية والتوك شو تصور في مصر، انتقل صناعها إلى لبنان رغم أن غالبية ضيوفها من المصريين.
من خلال التنوع والتوزيع العادل للبرامج الترفيهية وبرامج المنوعات التي تقدم على شاشات سي بي سي، الحياة، دي إم سي، يظهر بشكل واضح الحفاظ على تقديم برامج حوارية مختلفة ومتنوعة مع الضيوف وبشكل لا يخدش الحياء سواء بطريقة طرح الأسئلة أو في تناول الموضوعات المثيرة للجدل، فضلاً عن التوسع في تقديم برامج المسابقات الترفيهية التي أصبحت المحطات العربية تقوم بشراء حقوق عرضها في الخليج والمغرب وبلاد الشام للعرض على شاشتها.
يظهر تميز الإعلام المصري في القدرة على تقديم أفكار لبرامج متنوعة ومختلفة وجديدة حتى مع تكرار ظهور بعض الضيوف في برامج مختلفة إلا أن إطلالة كل ضيف تختلف من برنامج لاخر لاسيما مع غياب أي من عناصر التشابه بين البرامج.
– دخول عصر المنصات الإلكترونية: على الرغم من الصعوبات التي واجهت خروج تطبيق “واتش ات” للنور إلا أن هذه الصعوبات التي جرى التعامل معها سريعاً كانت خطوة حقيقية نحو دخول الإعلام المصري مجال المنافسة بالمنصات الرقمية ليكون “واتش ات” أول منصة مصرية وتستطع خلال شهور قليلة منافسة منصات آخرى موجودة منذ سنوات.
وعملت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية على الاستثمار في “واتش ات” بشكل كبير، لتكون منصة لكل المصريين في الداخل والخارج فضلاً عن كونها توفر مئات الأعمال المصرية النادرة التي لا تتوافر في أي وسيلة عرض آخرى من بينها مسرحيات وأفلام هامة وبرامج مؤثرة عرضت في مصر.