محمود خليل يكتب عن النسخة العربية لموقع هافنجتون بوست: "سنكون الساحة لأفكاركم.. الإخوانية بالطبع"
وكالعادة الإعلام هو الوسيلة المضمونة لترويج الأفكار وبث المفاهيم وتحليل الحقائق ونقل الأخبار.. وهذا طبعا من وجهة نظر الوسيلة الإعلامية نفسها وسياستها التحريرية وتوجه مالكها السياسي..
وأحدث الأبواق الإعلامية هو النسخة العربية من موقع المدونات والأخبار الأمريكي “هافنجتون بوست”.. والذي انطلق يوم الاثنين الماضي تحت شعار ” سنكون الساحة لأفكاركم والفضاء الحر لآرائكم”
وقبل أي شيء علينا تحليل هذا الشعار كاملا.. أي أفكار وأي آراء ستكون موجهة ومنتقاة للوصول للقارئ العربي والمصري تحديدا من هذا البوق الأمريكي
البداية من مدير هذه النسخة العربية وهو وضاح خنفر المدير السابق لقناة الجزيرة القطرية ومجرد طرح اسمه تستطيع أن تتحسس ممرات عبور الأفكار التي ستبث في شرايين القارئ المصري.. ولو وضعنا اسم وضاح خنفر مع الفكرة الرئيسية التي يقوم عليها موقع هافنجتون بوست وهي التغريدات القصيرة.. فهو موقع يميل أكثر لفكرة التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر منه إلى موقع إخباري حقيقي.. وهو بذلك ينأى بنفسه عن أي مسئولية قانونية ويجعل سهامه موجهة تحديدا نحو هدفه الحقيقي مع قليل من التحليلات السياسية التي تتعامل بنفس أسلوب التغريدات السريع والموجهة طبعا لقلب القارئ المصري.
وضاح خنفر ركز في افتتاحية النسخة العربية على كلمة الإعلام الجديد – ويقصد به إعلام مواقع التواصل الاجتماعي- ووصفه بأنه “مرن، سريع، تفاعلي، وأقل تكلفة من المؤسسات الإعلامية التقليدية، وبسبب ذلك صار وبسرعة فائقة يجتذب قطاعات واسعة من المشاهدين لا سيما الشباب”.. وخلي بالكم جيدا من قطاع الشباب الذي يضعه وضاح في قمة أولوياته
وضاح كان واضحا جدا حين وصف ظروف انطلاق الموقع بأنها بالغة التعقيد ويمر فيها المجتمع العربي بلحظة انتقال تاريخية تصاحبها دفقات عارمة من الانفعال والتوتر والصدام.. وهو ليس العالم العربي الذي يصبو إليه أبناؤه لا سيما الشباب منهم.. (لاحظ مرة أخرى تكرار لفظ الشباب في خطاب وضاح)
دعونا إذن نطبق هذا المنظور على واقعنا المصري.. فموقع “هافنجتون بوست”
الحائز على جائزة “بوليتيرز” في الصحافة عام 2012 يكاد يكون هو الرافد الرئيسي لمعظم التحليلات والأخبار التي تعتمد عليها المواقع والصحف المعارضة لنظام الحكم في مصر وتصفه ما حدث في 30 يونيو و3 يوليو بأنه انقلاب عسكري.. فيما تتعامل الصحف والمواقع المؤيدة لنظام الحكم في مصر مع هافنجتون بطريقة التجاهل التام أو انتقائية الأخبار التي تتماشى مع سياستها التحريرية..
المعارضون على رأسهم شبكة رصد الإخوانية قلبا وقالبا.. ففي 15 يونيو 2015 نقل “رصد” تحليلا للموقع يهاجم فيه أوضاع حقوق الانسان في مصر بعد عام من حكم “قائد الانقلاب” على حسب وصف رصد طبعا وعنون الموقع تقريره ” مصر تحولت إلى أرض الخوف” ناقلا ما سماه اعتقالات وأحكام عسكرية وغياب للسياسة واستخدام أساليب قمعية.. وبالطبع جاء التحليل على هوى رصد الاخواني فنقله كاملا محتفيا بما جاء فيه من معلومات..
وأعود بك إلى لفظ الشباب المتكرر في خطاب وضاح خنفر حين تقرأ تقريرا في موقع هافنجتون يوم 5 يوليو يصف فيه ما حدث من لاعب الكرة المصري أحمد الميرغني من “انتقادات للقمع الصارم الذي يمارسه النظام ضد المعارضة، وفشله في هزيمة التمرد الذي ينتشر في شبه جزيرة سيناء بأنه دليل على تصاعد السخط في مصر”.. والتحليل كتبه الخبير الدولي جيمس دورسي واعتبر فيه تعليقات الميرغني بأنه “دليل على تدني شعبية السيسي التي كادت أن تصل للعبادة قبل أقل من عامين بعد إطاحته بالرئيس محمد مرسي في انقلاب عسكري وبعد مرور عام على وجود الجنرال السابق في سدة الحكم”.. وبالطبع تلقفت رصد الإخوانية وشقيقاتها التحليل وأفردت له مساحات من النشر المطول المصحوب بتحليلات وعناوين براقة تخدم الهدف الرئيسي لها والقادم على طبق من فضة من بلاد العم سام.
ولو نحينا رصد جانبا نجد موقع مصر العربية الذي يرأس تحريره الصحفي عادل صبري يكاد يكون مواظبا على النقل الحرفي والاحتفائي بكتابات وتغريدات موقع هافنجتون.. فيما تتعامل صحيفة الشروق المصرية مع كتابات هافنجتون بمزيد من النقل المتناسب مع سياستها التحريرية المعارضة نسبيا للنظام الحاكم وميولها – كما يتردد- للفكر الإسلامي الإخواني منه على وجه الخصوص..
أما الصحف المؤيدة لنظام الحكم في مصر فما قلت تتعامل مع موقع هافنجتون بطريقتها الخاصة جدا.. منها على سبيل المثال ما نقله موقع البوابة نيوز لصاحبه عبد الرحيم علي في 19 مارس الماضي تقريرا عن المؤسسات الداعمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في واشنطن وعلى رأسها وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات “سي آي آيه” مع علاقة أكثر دفئا مع الكونجرس الأمريكي ذو الأغلبية الجمهورية.. وواضح جدا سبب نقل موقع البوابة مثل هذا الخبر تحديدا.. فيما انتقت صحيفة الأهرام القومية خبرا من موقع “هافنجتون بوست” يعيد فيه مصر إلى قائمة المقاصد السياسية التي ينصح قراءه بزيارتها في هذا العام.. والانتقائية واضحة جدا في اختيار المسئول التحريري في صحيفة الأهرام القومية.
إذن نحن أمام رافد أمريكي جديد تنهل من نسخته الانجليزية المواقع الاخوانية.. فيما ستكون نسخته العربية بوقا ينهش في الجسد المصري.. ويضع نصب أعينه القارئ العربي والمصري والشباب منهم على وجه التحديد ويتعامل مع المحددات المصرية بأنها تحت حكم انقلابي عسكري ويستند في قسم الرأي فيه إلى كتاب من نوعية محمد محسوب القيادي في تحالف دعم الشرعية الهارب خارج البلاد والدكتور محسن محمد صالح مدير مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات والإعلامي السعودي علي الظفيري وهاني المنيعي الرئيس التنفيذي لشركة التدريب التخصصي للإستشارات الإدارية.. فضلا عن انتقاء عدد من التغريدات لنشطاء وناشطات مصريات معروفين بميلهم لمعارضة النظام السياسي المصري..
نحن أمام نسخة جديدة من طوفان أكاذيب الجزيرة القطرية بأيدي أمريكية وعيون مصرية ترغب بشدة في هدم جبال الثقة بين الشعب ونظامه السياسي.. والنظام هنا لا أقصد به الرئيس عبد الفتاح السيسي.. بل المقصود به الدولة المصرية التي تمر منذ سنوات لحرب إعلامية شرسة في الداخل والخارج لتقويض قواعدها وتفكيك أواصرها.. وكما قلت في البداية يبقى الإعلام هو الوسيلة المضمونة لترويج الأفكار وبث المفاهيم وتحليل الحقائق ونقل الأخبار.. والهدف الأسمى لهم عقل وفكر الشباب المصري.. ونحن لمنتظرون!!!