تطرح رأياً، تنقل حدثاً، تقرأ خبراً، أو تنقد فكراً، في كل الحالات أنت معرض أن تجد من يخالفك، وهذا طبيعي فلم يتفق البشر منذ بدء الخليقة على رأي واحد حتى في الإله المعبود. كذلك هي حالك في العالم الافتراضي على مواقع الانترنت للتواصل الاجتماعي والتي أصبحت تنافس برامج التوك شو والصحف السيارة في تأثيرها على توجيه الرأي العام، بل أضحت تلك المواقع هي ما يغذي البرامج اليومية للقنوات الفضائية بالموضوعات التي يتم تناولها أو عرضها وإثارة الزوابع حولها
في الآونة الأخيرة تلاحظ أنه أصبح هناك سُعار في إستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، من باب التسلية أو من باب الاحساس بالذات أو الوجاهة الاجتماعية في أحيان كثيرة، وامتلئت الصفحات والتغريدات بكل ما يمكنك وما لا يمكنك تخيله من غث وأغث ولا سمين هناك. يرجع ذلك لسهولة النشر ولا يحتاج الأمر لكثير من الموهبة لوضع أي كم من المعلومات المغلوطة فيما يسمى بالفتي (من الإفتاء) فنحن شعب من المفتين في كافة الأمور، ففي أمور الرياضة نتحول إلى 90 مليون محلل رياضي لمباريات المنتخب الوطني، و90 مليون خبير استراتيجي في أمور التكتيكات العسكرية والاستراتيجيات الاستخباراتية و90 مليون خبير ري يتناولون مشكلة سد النهضة الأثيوبي، و90 مليون خبير هندسي في كيفية حفر قناة السويس الجديدة، و90 مليون خبير اقتصادي يناقشون الجدوى الاقتصادية لمشروع القناة الجديدة، ناهيك عن الإفتاء في أمور الفقه والدين واستخدام الأيات في غير مواضعها لتدليل على الفتوى المصدرة. نحن نفتي ونصدر الآراء والأحكام التي نراها مناسبة لمفاهيم وقناعات كل منا، وننسى أن لكل أمر خبرائه ولكل علم علمائه ولكل أمر فقهائه.
ومن آثار ذلك (الفتي) ما يصنعه من جدل وخلاف، فهذا يتشنج ويتشبث برأيه وهذا يصطنع الهدوء والثقة في إبدائه لآرائه ليضفي صبغة الحكمة لكلماته فيصدقه البعض خاصة وإن كان يتمتع بعدد كبير من المتابعين وله تأثيره عليهم (فهم مريديه الذين يصدقونه فيما يقول أو حتى يهذي).
يوجد العديد من التوجهات والكيانات التي تستخدم تلك الطريقة لزرع أفكار معينة لدى الرأي العام وهو ما عرف باسم اللجان الإلكترونية والتي تعتمد على عدد من الحسابات التي تعمل وفق خطة عمل وهدف يتم تحديده من قبل المشرف العام على تلك اللجان ويكلف به الصفوف التي تليهم للعمل عليها وتثبيت تلك الأفكار عند المتلقين بكافة الأشكال والطرق، فبالكتابة أو الصور أوبنقل فيديوهات مبتورة لتخدم الغرض المراد أو بإزدراء الأفكار والأشخاص المضادين وتكوين جبهات هجوم عليهم فيما يسمى (بالحفلة) وبعض تلك المجموعات يتسمى بأسماء مختلفة لا توحي بتوجهم الحقيقي أو الأصلي وبعضهم يتصور في نفسه قوة خرافية ليسمي مجموعته بالجيش الإلكتروني الخاص بكذا. لكل تلك المجموعات تابعين سذج تتم لهم عملية تشبه غسيل المخ ويتم استخدامهم للترويج لنفس الأفكار والأهداف بشكل شبه آلي يتم بلا تفكير بحيث يقوم هؤلاء الناس الطيبون بإعادة نشر تلك الخزعبلات وترويجها لأصدقائهم وللحظ التعس مع تكرار نشر تلك الأفكار التي قد تكون كاذبة، تصبح هي الحقيقة.
وأنت يا من تقرأ هذه السطور، أستحلفك بالله لا تقم بنشر هذا المقال (أو غيره من الأخبار) أوتروجه إلى أصدقائك ومعارفك إلا إن كنت مقتنعاً بالفعل وإن لم تفعل فأعلم أن عقلك قد منعك، ولا تخرج قبل أن تقول سبحان الله.