فاطمة خير موسم القول الفصل في الدراما
ساعات قليلة وينطلق بقوة واحد من أقوى المواسم الدرامية الرمضانية، ينطلق مدفع الإفطار ويتوزع المشاهدين بين الشاشات، في الأغلب أن كثيرين قد حددوا اختياراتهم مقدماً بناءً على نجومهم المفضلين، لكننا جميعاً نعرف أن عدة أيام ستعيد توزيع نسب المشاهدة.
يأتي رمضان في موسم دراسي وأيام عمل بلا أجازات؛ فقد ودعنا قدوم رمضان في الصيف لسنوات طويلة، وعلينا أن نعتاد مرةً أخرى قدومه وسط انشغالات يومية من الصعب فيها تخصيص الوقت الأكبر لمشاهدة التليفزيون، وهو تحدي صعب أمام صُناع الدراما الذين يواجهون بالفعل تحديات قوية، ففي المرة الأخيرة التي جاء فيها رمضان في مواسم الربيع والشتاء والخريف، لم تكن المنافسة الدرامية حقيقية، كانت القنوات المتاحة لا تزال محدودة، والإنتاج الدرامي أقل بكثير، أما الأن ورمضان يأتي في خضم موسم دراسي ضاغط بسبب تبعات الكورونا، ويتقدم نحو الشتاء في السنوات المقبلة، ستصبح المنافسة أشد، فساعات المشاهدة ستكون محدودة مقارنةً بالسنوات الطويلة السابقة، وبالطبع فنحن نعرف أنه في مضمار المنافسة سيكون البقاء للأفضل.
الموسم الدرامي انطلق بالفعل منذ ليلة أمس، لكنه لم يكن بالطبع بكامل قوته، فمدفع الإفطار في اليوم الأول سيعلن إشارة البدء، لم يمنع ذلك من انطباعات أولية عن الأعمال التي أُذيعت ليلة أمس، فقد قدمت القنوات المتنوعة عرضاً متناغماً ومتنافساً في الوقت نفسه لمجموعة من الأعمال التي تخاطب أذواقاً مختلفة، ما جعل المشاهدين يحجزون مقاعدهم مبكراً، في تقليد لم يكن شاملاً بالقوة نفسها فيما سبق، وفي هذهِ المنافسة المصغرة، برز بشدة مسلسل “لعبة نيوتن”، بوضوح شديد استطاع المسلسل جذب الانتباه من الحلقة الأولى، وعلى مدار مدة عرضه لم تتخلله لحظة ملل، المسلسل الذي تلعب بطولته نجمة كبيرة هي منى زكي وضع المشاهد أمام لغز حقيقي جعله غير قادر على توقع الأحداث، ما يجعلنا نخرج من دائرة نمطية وصمت أعمالاً كثيرة اختار أصحابها “الاستسهال” في صناعة العمل مع إضافة الكثير من البريق.
عادت منى زكي بقوة مستعرضةً مهاراتها كممثلة شديدة الموهبة والتي تظهر حين يتم توظيف كل إمكانياتها، فوضعت بصمتها من اللحظة الأولى وفرضت حضورها كبطلة للعمل وممثلة من الطراز الأول، أما الفنان محمد ممدوح فقد عاد بحضوره القوي متخلصاً من مشكلات التنفس التي أثرت على نطقه في أعماله الأخيرة، لتظهر الحلقة الأولى من المسلسل كمباراة في الأداء حجزت لبطليه مقعداً في الصف الأولى من الأعمال الأولى بالمتابعة، خاصةً مع الإيقاع السريع والمشوق، وحُسن توظيف avant titre الذي أضاف تشويقاً حقيقياً خلق دافعاً قوياً لمتابعة الحلقة وسط منافسة عروض أُخرى، حيث يظهر تامر محسن مخرج ومؤلف العمل وقد امتلك الحبكة القادرة على جذب مشاهد عربي دون إيقاع مُوَتِر، ودون مبالغة درامية، لنعود إلى أرضية عمل درامي مصري غير قادم من عالم المبالغة، ومُنهياً الحلقة الأولى بقدر كبير من الإثارة والتشويق، للأحداث التي تصاعدت بشكل متلاحق ومنطقي، دون التخلي عن غموض يبدو أنه سيحيط بالحلقات الأولى، غموض يحترم عقلية المشاهدة وقادر على إثارة الأسئلة وطرح التوقعات، مع إيقاع سيناريو سريع وذكي.
منافسة من نوع آخر يشهدها الفنان ياسر جلال، الذي يلعب بطولة مسلسل “ظل راجل”، والذي عُرِضت حلقته الأولى ليلة الأمس أيضاً، هذه المنافسة سببها تميز جلال نفسه العام الماضي في مسلسل “الفتوة” الذي كان أحد أفضل مسلسلات العام الماضي، والذي وضعه في منطقة متميزة للغاية كبطل أول للعمل، مع حضور طاغي حيث تم توظيف أفضل إمكانياته في عمل متميز، ويأتي “ظل راجل” هذا العام ليظهر البطل من حلقته الأولى أيضاً بمثابة المنقذ أو الفتوة من زاوية أخرى في زمن آخر، لذا سيكون التحدي أمام ياسر جلال هو المحافظة على المستوى نفسه من الحضور والتميز الذي تسمح به موهبته، مع القدرة على لفت الأنظار بالقدر نفسه كما فعل في “الفتوة”، وهو سؤال لم تجاوب عنه الحلقة الأولى، والتي جاءت كمقدمة ناعمة لأحداث لم تُنبئ عنها.
كل متخصص يعرف أن الموسم الدرامي الحالي شديد الأهمية، فقد وضعت جائحة الكورونا النقاط على الحروف فيما يخص عالم منافسة الميديا بكل أنواعها، وأوضحت أن الاستمرار للأفضل والأقوى والأنجح، فعالم منصات العرض الرقمية الذي قفز إلى الأمام سنوات ضوئية بسبب الجائحة، لامجال فيه سوى لكسب رضا الجمهور بشكل مباشر وسريع: لا وسيط بين الجمهور والعمل سوى تطبيق على هاتفه المحمول أو اللابتوب أو حتى smart tv، جودة العمل وحدها ستكون الفيصل في حكم الجمهور/الاستمرار في دفع الاشتراك، وحتى بالنسبة للتليفزيون ستتغير قواعد اللعبة، وسوق الإعلان، العالم قد تغير بالفعل، وهذا الموسم الدرامي في العام 2021، سيعلن ميلاداً جديداً لنجوم العالم الدرامي الجديد سواء على مستوى التمثيل، الكتابة، الإخراج، وسيعلن أيضاً من سيخرج للأبد من مضمار المنافسة.
الموسم الدرامي الذي يبدو بشدة أنه قد وُلِدَ قوياً، يحمل معه بشارة بمتعة المشاهدة، لنستمتع سوياً ونشجع “اللعبة الحلوة”.