مؤلف "قصر النيل": مشغول بالأعمال اللي تعيش.. والكتابة للتريند أمر مخجل
إيمان مندور
“الكتابة مثل الشعوذة، لا يكفي إخراج أرنب من القبعة، بل يجب عمل ذلك بأناقة وطريقة ممتعة”.. هكذا قال السابقون وهكذا فعل السيناريست محمد سليمان عبد المالك في مسلسل “قصر النيل”، الذي يخوض به السباق الرمضاني الحالي، حيث يقدم من خلاله قصة وصورة درامية تكاد تكون متكاملة من الحبكة والأناقة، لكنه كالعادة ينافس بهدوء على الساحة الدرامية بلا صخب كاذب أو ادعاء نجاح ساحق، فقط ينشغل بالعمل نفسه، يبذل فيه أقصى ما يستطيع، ويترك الحكم للجمهور، راضيا بحكمه مهما كان سلبا أو إيجابا، هكذا يقول… ويبدو أنه يفعل.
عن استعداده للمسلسل من البداية، ورأيه في الأبطال وفي حال الدراما المصرية عموما، وأزمات النجوم وخلافات التريندات واللجان الإلكترونية ونجاح الدراما الوطنية، كان لمحمد سليمان عبد المالك هذه التصريحات عبر إعلام دوت كوم.
نرشح لك: أحمد فايز مصمم ديكور “الاختيار 2”: الأماكن الظاهرة في الحلقات مبنية بالكامل
الكتابة لدينا الشربيني!
قصة “قصر النيل” كانت لدي منذ فترة طويلة، فقد أردت عمل محاكاة للقصص والروايات البوليسية الشهيرة لأجاثا كريستي وآرثر كونان دويل، والأجواء المشابهة لتلك الحكايات عموما ولكن بشكل مصري صرف دون اقتباسها من أعمال أجنبية. إلى أن تم التواصل بيني وبين الفنانة دينا الشربيني حول عمل جديد عقب انتهاء الموسم الرمضاني الماضي، فقد سبق وأن تعاوننا في مسلسل “مليكة” عام 2018، المهم أنه وجدت أن لديها نفس الهوى في تقديم عمل يدور في الأزمنة القديمة، أي أن القصة كانت لدي ثم نالت استحسان دينا الشربيني لاحقا فتم استكمالها بالشكل الذي عُرض في المسلسل.
صحيح أن دينا تحافظ على إيقاع الغموض والتشويق منذ عدة سنوات متتالية، لكن في هذا المسلسل قررنا تقديم الغموض والإثارة في زمن مغاير حتى تكون الصورة والتناول والطرح والسرد نفسه مختلفا، وأعتقد أننا استطعنا فعل ذلك بشكل مقبول. لذلك أرى أن دينا الشربيني بحاجة لتغيير جلدها في عملها المقبل.. “لأن زي ما بيتقال باللغة الدراجة جابت سقف الجريمة والغموض والتشويق في قصر النيل”.
دلالات أسماء الحلقات
وجود عنوان لكل حلقة في “قصر النيل”، مثل “السيدة كاف” و”حين يأتي الموت” و”الأصابع الذهبية” وغيره، ليس جديدا في أعمالي الدرامية، فقد بدأت هذا الأمر منذ عام 2013 في مسلسل “اسم مؤقت”، وكررته في عام 2017 في مسلسل “الحصان الأسود”، وكذلك في “رسايل” عام 2018. أما في هذا العمل تحديدا فوجود العناوين كان بهدف التأكيد على وحدة الحلقة، لأننا في الدراما المصرية نعمل دوما على وحدة المسلسل ووحدة المشهد، لكن قلما يتم التركيز على وحدة الحلقة كبداية ووسط ونهاية. لذلك أهتم في أعمالي بوجود نهاية مشوقة لكل حلقة، فضلا عن تصاعد الأحداث خلال الحلقة بشكل متوازي وتوزيع منضبط، دون أن يكون التركيز الأكبر على حدث واحد فقط خلال الحلقة.
وبخلاف ذلك، فإنني في “قصر النيل” تحديدا أردت وجود أسماء للحلقات لكي يكون العمل أشبه برواية بوليسية تحدث في تلك الحقبة الزمنية.. “شايف إن كل حلقة أشبه بعنوان لفصل من فصول الرواية.. لايق على العمل ولايق على الأجواء باعتبارها كلاسيكية”.
أداء الأبطال
في تقديري الشخصي أرى أن كل الأبطال في “قصر النيل” أدّوا دورهم على أكمل وجه، كل منهم في منطقته ودوره “لايق جدا” شكلا ومضمونا وأداءً، لدرجة أنه من الصعب تخيل أي ممثل آخر بدلا من الأبطال الموجودين. وبالطبع ساهمت في اختيار الممثلين، ففي البداية أقدم ترشيحات مع المخرج والمنتج، وبعدها نختار الأفضل من الأسماء التي اقترحناها، وبعد ذلك نبحث عن المتاح من الشخصيات التي اخترناها وهل يمكنه المشاركة أم مرتبط بأعمال أخرى وهكذا، إلى أن يتم الاستقرار على الأبطال النهائيين للعمل.
فخامة الديكور والملابس
بالفعل الديكور والملابس من العلامات المميزة للمسلسل، وهناك إشادات كبيرة بها، والفضل في ذلك ينسب لـ الاستايلست دينا نديم التي تفوقت على نفسها كالعادة وتكاد تكون من أبطال العمل. وكذلك الإشادة بالديكور تُنسب للمهندس كارم محمود الذي قدم أفضل ديكور ملائم لطبيعة العمل وتلك الحقبة الزمنية. وبالتأكيد الفضل في هذا كله قبل الجميع يعود للمنتج محمد مشيش الذي لم يبخل أبدا على الإنتاج عموما.
رمضان أم الأوف سيزون؟
حين أكتب عملا جديدا لا أنشغل على الإطلاق بموعد عرضه، ولا أكون متأكدا 100% هل سيعرض في رمضان أو لا، فمهمتي الكتابة أما مواعيد العرض وما بعد ذلك كله يحدده المنتج. ولا أنكر أن هناك زحام شديد هذا الموسم، لكنه في صالح الصناعة بكل الأحوال، رغم أنه ليس في صالح المتفرج، فهناك تخمة درامية بسبب كثرة عدد الأعمال المعروضة، فضلا عن جودة معظمها من الناحية الفنية.
أيضا الموسم الرمضاني الحالي مليء بالأعمال الجيدة والجيدة للغاية في كل الأنواع الدرامية، باستثناء الكوميدي، فهناك نقص بشكل واضح وكبير فيه الآن، وفي العموم هناك أزمة في الكوميديا سواء في السينما أو التليفزيون لا بد أن ينتبه إليها القائمون على الصناعة الفنية. المهم أن كل الأعمال المعروضة الآن تتنافس بشكل قوي، وأنا على يقين أن بعضها سيهتم به الجمهور بدرجة أكبر بعد انتهاء الموسم الرمضاني، وسيشاهده قطاع أكبر من الجمهور.
هذا لا ينفي وجود أعمال لديها نسب مشاهدة مرتفعة ضمن الموسم، سواء اتفقنا أو اختلفنا حول مدى جودتها الفنية.. “في أعمال رغم نجاحها دلوقت إلا إنه بعد انتهاء رمضان الناس مش هتفتكرها تاني، ودي طبيعة الأعمال الرمضانية بنلاقي ضمنها أعمال للاستهلاك السريع.. وفي أعمال بتعيش، وأنا شخصيا مشغول بالأعمال اللي بتعيش واللي ممكن تتفرج عليها في أي وقت مستقبلا”.
التريندات الوهمية
انتشار فكرة الكتابة للتريند أمر مؤسف ومخجل بالتأكيد، ويضر الصناعة الفنية ولا يفيدها، فضلا عن ادعاء الكثيرين بأنهم يتصدرون اهتمامات الجمهور بأعمالهم منذ الحلقات الأولى، والأزمة في ذلك لأنه لا توجد وسائل لقياس نسب المشاهدة بشكل حقيقي، وبالتالي يتم استبدال ذلك بالحديث على السوشيال ميديا من الجمهور، باختصار “التريند خداع” لأنه ليس أسلوبا علميا لقياس نسب المشاهدة، فضلا عن أنه يمكن التلاعب في الأرقام عن طريق شرائها وهناك شركات متخصصة لذلك.. “بقت مسألة واضحة جدا من رمضان للتاني وبانت أوي في السيزون ده، مفيش مشكلة إن أعمال وحشة تكسر الدنيا دا بيحصل عادي، لكن تدفع فلوس عشان تبان إنك متصدر ومحقق أكتر من الأخرين وتصدق ده وتصدره للناس كنوع من الدعاية! أنا شايف ان ده شيء مؤسف ومخجل ولازم نتوقف عنه تماما ونسيب الجمهور يقيم بحيادية وينجح اللي هو عايزه حتى لو سيء”.
نرشح لك: بيزنس صفحات الفيس بوك.. دعاية مستترة والمواطن آخر من يعلم
المواجهة بالصمت
في الوقت الحالي، أنا ملتزم الصمت تماما ولا أعلّق على أي قضايا وأزمات فنية، ولا أقول رأيي في أعمال الزملاء، لأنني مشارك في الدراما الرمضانية وبالتالي ليس تصرفا أخلاقيا أن أعلّق على أعمال الأخرين، بالإضافة إلى أن بعض الزملاء يغضبون من آرائي ويعتقدون أنني أهاجمهم بشكل شخصي، وهذا ما تكرر معي كثيرا خاصة في العامين الماضيين، رغم أنني كنت أتحدث ببساطة كمتفرج.. “مكنتش واخد موضوع السوشيال ميديا بجدية خالص ففوجئت إن بعض الزملاء وصناع الفن بياخدوا الموضوع باعتباره تقليل من شأنهم وشأن أعمالهم فقررت إني أتوقف تماما عن إبداء رأيي في أعمالهم وده حقهم، في الآخر نسيب الجمهور يحكم”.
وبالطبع الأزمات الفنية سواء بين الأبطال أو لبعض المسلسلات التي حدثت قبل بداية الموسم الرمضاني وحتى الآن، بعضها لا بد أن يكون الجمهور طرف فيه ويدلي برأيه، لأنها قائمة أساسا على رأي الجمهور، أما خلافات الفنانين وبعضهم البعض فأنا أرفض تماما طرحها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو أن يكون الجمهور طرفا فيها، فهذه الخلافات تحدث في أي مهنة، وليس كل ما يحدث في الكواليس صالحا للتداول بين الجمهور.. “المفروض الفنانين والصناع يكونوا أكبر وأرقى من كده.. أي مجال عمل الخلاف فيه وارد لكن كيفية احتواء هذا الخلاف بشكل راقي ومتحضر في الكواليس هي دي اللي بتميز شخص عن التاني.. دا أهم بكتير من إننا نطلع نقول حاجات تؤخذ علينا كصنّاع فن لأن أصلا الناس بتشتم فينا كوسط فني لوحدهم فمش ناقصين نأكد لهم الفكرة دي”.
السوشيال ميديا وقبول النقد
كثيرا ما تعرضت للهجوم بسبب أرائي السياسية والمسائل الخلافية التي أعلّق عليها، وأحيانا يتناولها البعض بشكل شخصي رغم أنني لا أقصد شخصا بعينه ولا أقول رأيي لهدف معين ضد شخص، لذلك قررت الاحتفاظ بكثير من الأراء لنفسي وعدم طرحها في العلن، مقابل الاكتفاء بأن تتحدث أعمالي عني وعن تفكيري في الحياة عموما.. “مش المفروض ناخد السوشيال ميديا بهذه الجدية، لأن في وسائل لقياس الآراء أهم من مجرد رأي فلان وعلان على السوشيال ميديا”.
أما النقد في حد ذاته فلا يضايقني على الإطلاق، بل بالعكس أنتظر النقد السلبي أكثر من الإيجابي، كي أعرف مواطن القوة والضعف لدي وأعمل على تحسينها.. “بحب دايما ابقى عارف مشكلتي فين عشان أحلها، فكرة المدح والاستحسان طول الوقت مش صح ومبحبش أصدره للناس، آه طبعا بيسعدني لما حد يثني على العمل، لكن في النهاية أنا منتظر الرأي السلبي والإيجابي ومبيزعلنيش خالص، حتي لو كان من زملاء في المهنة”.
الأزمة الفنية الأهم
أكبر أزمة للفن حاليا هي التزامنا بالموسم الدرامي الرمضاني، صحيح أن هناك أعمال كثيرة أوف سيزون، لكن لا يزال الموسم الرمضاني وفكرة الـ 30 حلقة في حد ذاتها مسيطرة على السوق.. “وبيتدفع لهم أكبر كم من الميزانيات، ويترصد لهم أكبر كم من الإعلانات.. آه دي عادة اتعودنا عليها لكن لازم نشوف ازاي يبقى في محتوى يواكب هذا العدد الضخم من الحلقات لأنه بيتم تنفيذه في وقت قصير جدا مقارنة بعدد الساعات المطلوبة للعرض”. وهذا أيضا لا ينفي تحسن جودة الأفكار والقصص المطروحة، فضلا عن أداء الممثلين وكل كوادر الأعمال الفنية الآن. باختصار تظل الأزمة في الصناعة وفي آليات الصناعة نفسها وليس في أفرادها.. “اللي ناقص في السوق إنه يتنظم ويبقى على أسس علمية، وأنا على يقين إنه مع الوقت الحاجات دي هتظبط في الفترة الجاية”.
نجاح الدراما الوطنية
أصبحت الدراما الوطنية متواجدة بوضوح على الخريطة الفنية المصرية سواء في السينما أو التليفزيون، وحققت نجاحا وتأثيرا كبيرا في السنوات الماضية، وهذا أمر إيجابي بالتأكيد ونحتاج لاستمراره أطول وقت ممكن، فالدراما حاليا ليست لمجرد التسلية بل تساهم في رواية التاريخ وتوثيق الأحداث الهامة، وتصل بسهولة لملايين المواطنين.
وأنا إلى حد ما أعتبر مسلسل “ممالك النار” الذي قدمته في عام 2019، عمل تاريخي وطني، لكن على مستوى الإقليم وليس مصر فحسب، لأنه كان يعبر عن توجه المنطقة بأكملها في حقبة تاريخية معينة، ألا وهي فترة غزو الجيوش العثمانية بقيادة سليم الأول للشام ومصر، لكن بالتأكيد أتمنى تقديم دراما وطنية مصرية في الفترة المقبلة، صحيح إنه لا يوجد أمر بعينه حتى الآن في هذا الشأن، لكن هناك بوادر مشروع درامي وطني أتمنى أن يرى النور قريبا.. “في كل الأحوال يشرفني أن أكون من الناس اللي بتدافع عن الحق وبتروي التاريخ من وجهة النظر الوطنية الحقيقية، اللي بتساهم في معركة الوعي وبتوعي أجيال بالحقائق اللي الصحافة والإعلام والكتب مش قادرة إنها توصلها لهذا القطاع العريض من الناس”.
ما بعد قصر النيل
أستعد لمشروع درامي ضخم بعد “قصر النيل” سيتم الإعلان عنه قريبا، كل ما يمكنني قوله بشأنه الآن أنه مشروع مختلف ومهم للغاية، وسيكون مفاجأة سواء فيما يخص الأبطال أو المخرج وطريقة التنفيذ ككل.. نحن حاليا في مرحلة الاتفاق والتحضير له، وعندما يتم الأمر سأعلن عن التفاصيل في الوقت المناسب.
