دنيا شمعة
يعيش مصابي متلازمة فرط الحركة معظم طفولتهم بين جمل من ذويهم وكل من حولهم كـ”إيه الإزعاج ده” و”دي شقية جدا” و”بطلي حركة واثبتي مكانك”، ويتطور الأمر مع السن لتتحول لـ”دي عصبية جدا” و”خلقها في مناخيرها”.. وغيرها من الجمل التي تخرج من ناطقها بدون معرفة كافية بحالة الطفل أو الشخص الذي يوجه له هذه الجمل منتقدا تصرفاته.
مسلسل “خلي بالك من زيزي” استعرض بطريقة مبسطة جدا وكوميدية، معاناة أصحاب متلازمة فرط الحركة.. فبين “زيزي” الشابة المتوترة والزوجة العصبية، و”تيتو” الطفلة كثيرة الحركة التي تتعرض للتنمر من زملائها في المدرسة، لاحظنا مدى التشابه الكبير بين الشخصيتين وأن “زيزي” هي مستقبل “تيتو” وذلك يرجع لمعانتهما من نفس الشيء.
مرض فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) هو اضطراب مرتبط بمجموعة من المشكلات المستمرة مثل صعوبة الانتباه وفرط الحركة والسلوك الاندفاعي، وقد ينتج عنه علاقات غير مستقرة وضعف الأداء في العمل أو الدراسة وتراجع الثقة بالنفس وغيرها من المشكلات التي قد تستمر مع الطفل حتى بعد بلوغه إذ لم يتم معالجتها.
بدأ المسلسل بمشهد لـ”زيزي”، التي تجسدها الفنانة أمينة خليل، داخل سوبر ماركت وتشتري كمية كبيرة من السكريات، وعلى مدار الـ11 حلقة التي تم عرضها من المسلسل حتى الآن، نجد في أغلب المشاهد زيزي تتناول الحلويات أو نائمة وبجوارها أكياس حلويات حتى في مكالماتها مع شقيقها تطلب منه حلويات أكثر، وهي تفصيلة صغيرة لكن لفتة جيدة من مؤلفي المسلسل لدور السكريات والسمنة في زيادة اضطراب فرط الحركة والسلوكيات العدوانية، وأيضًا مظهرها الغير مرتب وعدم اهتمامها بنظافتها الشخصية بصورة كبيرة التي ظهرت في بعض اللقطات السريعة كعدم رغبتها في استخدام منشفة، والتي ظهرت أيضا على شخصية “تيتو”، التي تجسدها الطفلة ريم عبد القادر، في بعض اللقطات كطلب والدتها الدائم منها الاغتسال ورفضها ذلك.
اضطراب فرط الحركة لا يظهر بين يوم وليلة بصورة مفاجئة على أي شخص، لكن هو كالرحلة الصعبة التي يجب على الأهالي ملاحظة دخول أبنائهم فيها، في الحلقة الرابعة في مشهد وجود “زيزي” و”نيللي” في مكتب “مراد” أخبرته “نيللي” أن شخصية “زيزي” العصبية ليست جديدة لكن مستمرة معها من طفولتها، وهو الشيء الذي يوضح أن “لغبطة الهرمونات” أو أنها ورثت غضبها من والدها أو كل المبررات التي برر بها البعض تصرفاتها غير صحيحة، لكن المبرر الوحيد أنها لم تعرض على أخصائي نفسي في طفولتها مما أدى لتفاقم حالتها ووصولها لنوبات الغضب التي تصيبها كالتي أدت بها إلى الاعتداء على زوجها عندما أخبرها أنه يريد الانفصال عنها، وتلك التي ظهرت على “تيتو” عندما سخر منها زملائها في الفصل، فهما نفس رد الفعل لكن اختلفا بسبب السن فلو أتيح ل”تيتو” نفس الأداة التي استخدمتها “زيزي” بدلًا من مسدس المياه كانت استخدمتها بالفعل.
فقد الثقة بالنفس والشك فيها هو أهم الأعراض المترتبة على مرض فرط الحركة وليس بسبب المرض نفسه بقدر كونه بسبب ردود أفعال الأشخاص حول تصرفات المريض، عندما سأل الطبيب “زيزي” عن ما إذا كانت مظلومة أم لا لم تستطع الإجابة لشكها في نفسها، حتى عندما اكتشفت خيانة “هشام” لها لم تواجه الأمر، وظلت تقارن نفسها بصور الفتاة التي يخونها معها، وأيضا “تيتو” عندما سخر منها زملائها للمرة الثانية لم تواجههم واكتفت بالشك في نفسها عن ما إذا كانت كما يلقبوها أم لا.
تأخر الأداء الدراسي وضعف التركيز أيضا من أبرز الأعراض التي وضحها المسلسل، فمثلا “زيزي” كان لديها صعوبة حتى في حفظ الحركات التي علمها لها مدرب البوكس، و”تيتو” رغم أنها في مرحلة دراسية أقل من عمرها إلا أنها تواجه مشكلة كبيرة في تحسين أدائها في الدراسة.
كما أنه للأهل دور كبير أيضا في كل ما تعاني منه “زيزي” و”تيتو”، فوالدا زيزي بينهما خلافات مستمرة ووالدتها منشغلة في عملها بصورة دائمة، ووالدا تيتو متفككان بين القاهرة والمنصورة وخلافتهم الدائمة بسبب عائلاتهم، وعلى عكس عدم اعتراف والدة “زيزي” بأن ابنتها تحتاج للعلاج النفسي حتى بعد تفاقم مشاكلها لحد الوصول للقضايا واقتناعها بأنه مجرد عيب في شخصيتها ويجب عليها التعامل معه بمفردها، كانت هناك والدة “تيتو” التي رفضت في البداية كأي أم تصديق أن ابنتها تحتاج للعلاج النفسي لكن في النهاية اعترفت بأن ابنتها تحتاج للمساعدة بالفعل وأن تأخرها الدراسي وحركتها الزائدة وعنفها تجاه زملائها له سبب وليس مرحلة طفولة عادية بمزيج من”الشقاوة”، وهنا توجد النقطة الفاصلة في حالات اضطراب فرط الحركة التي يريد المسلسل إيصالها ألا وهي أن ما قد نراه “عادي دي مرحلة وهتعدي زي باقي الأطفال” قد لا يكون عاديا أبدا وأن التشخيص المبكر قد يمنع تدمير حياتهم وعلاقاتهم مع من حولهم.