قال الفنان الراحل أحمد رمزي في إحدى حواراته إنه كان يكره أن يقوم بالمشاركة في تصوير أية أغنية خلال أفلامه، لم يكن يحب الوقوف لهز الرأس أو ترديد كلام الأغنية طيلة مدتها دون القيام بأي شئ مفيد .
ربما استمع المخرج المتميز محمد شاكر خضير لهذه الكلمات قبل أن يقوم بإخراج الأغاني التي ظهرت في مسلسله “طريقي” ، فاهتم بجعل كل المشاهد المصاحبة لكل أغنية بمثابة حالة متكاملة غنية بالتفاصيل لا يمكن انتزاعها من قلب الأحداث و كأنها جزء من حوار المسلسل.
كذلك لم توضع الأغاني في مسلسل طريقي على سبيل الحشو أو فقط استغلالا لوجود المطربة شيرين عبد الوهاب داخل المسلسل بل تم الاهتمام باختيار كل أغنية لتتناسب مع حالة الحلقة كما سنوضح بعد قليل، ليقدم المسلسل خمس أغنيات جديدة داخل أحداثه بخلاف الأغنيات القديمة التي أعادت شيرين غناءها مع ملاحظة وجود أغنية سادسة موجودة في التتر و لكنها لم تعرض في المسلسل و هي أغنية حد عارف.
كلمات : أمير طعيمة
ألحان : إيهاب عبد الواحد
توزيع : أمين بو حافة
جاءت الأغنية مباشرة بعد تصالح دليلة “شيرين” و يحيى المنيسي “باسل خياط” و يبدأ هنا شهر العسل، أتت الكلمات لتعكس حالة الحب المشوبة بالشك بعد أن شاهدت طرفا من الوجه الآخر للمنيسي “أنا صح ؟ولا أنا موهومه و هاصحى بجرح ؟” انطلقت الأغنية في الخلفية و بدأت مشاهد الحب بين الطرفين تظهر لتعيد إلينا أجواء الأفلام الرومانسية الكلاسيكية، حتى اختيار أماكن التصوير ، جاءت كلها خارجية في أماكن طبيعية في لبنان مع ملامح ميزت أفلام الستينيات و السبعينيات مثل السيارات المكشوفة و الكاميرا اليدوية التي ظهرت في يد شيرين ، لم يبخل مدير التصوير تيمور تيمور أو المخرج بجهد لإظهار الطبيعة كبطل ثالث في الكادرات.
أما اللحن فجاء حالما رقيقيا ، كما أجاد الموزع أمين بو حافة في انتقاء شكلا غربيا للموسيقى و اختار الآلات المناسبة للحالة فكان الأكوروديون و كان البيانو لاكتمال الحالة الرومانسية الساحرة للمَشاهد و الأغنية.
كلمات : أمير طعيمه
ألحان : خالد عز
توزيع :أمين بو حافة
ربما يمكن أن يطلق عليها الأغنية التي أبكت الملايين و لعلها تصبح من الأغاني المعتادة في حالات الحزن لفقد الأعزاء.
الأغنية تأتي هنا أيضا في الخلفية ، و هي رثاء من دليلة لشقيقها الشاب محمود “محمد عادل” الذي مات قتيلا .
تأخذك المشاهد هنا لقطة بلقطة إلى حالة الحزن المطلوبة، تبدأ بعزاء السيدات داخل الفيلا و ترصد الانفعالات على الوجوه المختلفة،ثم تنتقل إلى صوان العزاء ليظهر سيد “محمد ممدوح” منهارا بشكل لم يظهر به من قبل طيلة المسلسل ثم الصدمة التالية مع هدى هانم”سوسن بدر” التي تظهر مكسورة للمرة الأولى في غرفتها وحيدة بين يديها ألبوم صور لمحمود.
ينتهي المشهد بليلي “ندا موسى” واقفة وسط حقل مزروع شاردة و في خلفية المشهد الغروب مع جملة “عمري ما أنسى مهما طال بيا الزمان” لتصبح الجملة مغناة على لسان دليلة و لكن ينطق بها لسان حال ليلى أيضا. و هكذا قدمت هذه المشاهد حالة من الحزن فريدة لم نعتدها على الشاشة ،ابتعدت عن مشاهد الندب المعتادة.
و جسدت كلمات الأغنية كل ما يمكن أن يشعر به من فقد عزيزا “يعني خلاص أنا مش هاشوفك تاني .
مش هالمسك مش هاحكي ليك عن حاجه تعباني” و أتى لحن خالد عز ليصيب قلب الحالة مباشرة ، أما أمين بو حافة فحسنًا فعل باختيار البيانو فقط للبداية ثم أضاف إليه الجيتار و لم يستخدم آلات الإيقاع و بهذا ساعد على تصاعد اللحن تدريجيا كما هو مطلوب كما أعطى مساحة أكبر لصوت شيرين لتصل الكلمات.
كلمات : نادر عبد الله
ألحان : وليد سعد
توزيع : خالد نبيل
أغنية دليلة الأولى كمطربة -التي سجلتها بدون علم زوجها- نستمع إليها الآن عبر الراديو أو الراديوهات للدقة تجلس دلية طيلة الأغنية على الأرض بجانب الراديو بين الضحك و دموع الفرحة و يقوم المذيع مروان “أحمد فهمي” بتقديم الأغنية.
من خلال المونتاج و التنقل بين الراديوهات المختلفة يعرض لنا المخرج ردود الأفعال المختلفة على الأغنية، فتظهر هدى هانم للمرة الأولى و هي تتمايل برأسها مع نغمات الأغنية و هي التي كانت رافضة لفكرة غناء دليلة من الأساس كما يظهر سيد و عليه آثار الضرب مع جملة “يا مجروح ” في توافق رائع بين الصوت و الصورة.
رد الفعل الذي ترقبه المشاهد كان ليحيى المنيسي، الذي بدأ برفع صوت الراديو في تصرف غير متوقع و لكنه ساهم في رسم الصورة النهائية ،ثم تبادل النظرات بوجه جامد مع دليلة. الأغنية نفسها جاءت بعيدة عن الأحداث و هو المنطقي حيث أنها أغنية لدليلة و ليست خلفية للأحداث.
أضعف ما فيها كان التوزيع الذي كان جيدًا موسيقيًا و لكن عابه أنه لم يكن قريبا بأي شكل من توزيع أغاني السبعينيات بل كان أقرب لتوزيع التسعينيات و كذلك كان صوت الكورال المصاحب. كما كان هناك قطع غير موفق بسيط قبل دخول الكوبليه الثاني.
اللافت للنظر بالأكثر هنا هو مكساج الصوت فالصوت جاء كأنه خارجًا من الراديو فعلا ، و مع رفع المنيسي للصوت ارتفع صوت الأغنية.
انتهت الأغنية بإمساك المنيسي ليد دليله لتقف ثم منحها صفعه ألقتها أرضا، هكذا عرفنا رأيه في الأغنية.
كلمات : سيد مرسي
ألحان : بليغ حمدي
تغني دليله بدون فرقه موسيقية بعد أن قامت شهد بتوجيههم للرحيل و في صالة شبه خالية فقط ليسمعها المنتج الحاضر في الصالة و هو فرصتها الوحيدة للانتقال من مغنية في ملهى إلى مغنية مستقلة ذات جمهور.
و لكن من اختار هذه الأغنية تحديدا؟ الأغنية تبدو و كأنما كتبت للمسلسل خصيصًا. “مشينا و أدينا من غير أهالينا” أبو دليله توفي و أمها فقدت ذاكرته، “و الله و جيتي علينا يا دينا” نظرة سيد و ضحكته الساخرة و هو الذي جاءت عليه الدنيا من صاحب أراضي إلى سكير لا يملك حق ما يشربه.
عدم وجود موسيقى أعطى شيرين مساحة للتألق استغلتها بكل ما أوتيت من إمكانيات و ربما كان يجب عليها أن تأتي إلى عالمنا مبكرًا حتى نستمع للمزيد من موسيقى بليغ حمدي بصوتها .في الخلفية يوجد صوت خافت جدا لأكواب زجاجية ثم يظهر بداية من مقطع “قلنا نرسي على مينا” صوت كمان على استحياء. يعود مروان الغائب في الظهور في منتصف الأغنية و تختم الأغنية بدموع دليله و دموع سيد .
كلمات : أمير طعيمه
ألحان : خالد عز
توزيع :أمين بو حافة
الأغنية الجديدة الأقصر من حيث مدة عرضها ضمن الأحداث جاءت هي أولى أغاني دليلة التي تصدر رسميًا من خلال شريط كاسيت بالمشاركة مع مغنين آخرين .
اللافت بالأكثر هو جمال الأغنية و إحساس شيرين الدافئ في الأداء ، و العودة إلى أمين بو حافة في التوزيع كان موفقًا لكونه استطاع دائمًا أن يربط موسيقى الأغنيات مع الجو العام للمسلسل .
أما على مستوى الصورة فلم تحمل الأغنية هنا أيًا من الأحداث كسابقاتها ، ربما اللافت هو الاهتمام التفاصيل من خلال إظهار النقلة من الراديوهات القديمة المختلفة في الأغنية السابقة إلى مشغلات الكاسيت المختلفة في هذه الأغنية.
تُقطع الأغنية في منتصفها عن طريق شهد “ميس حمدان” و هي تنتقم من دليله بإخراج شريط الأغنية من الكاسيت و تمزيقه.
كلمات :نادر عبد الله
ألحان : وليد سعد
توزيع : خالد نبيل
تأتي الحلقة الأخيرة و نهاية المسلسل مع أغنية تستحق الانتظار و إخراج يستحق الإشادة .
الأغنية الأولى التي تغنيها دليله –التي صارت نجمة الآن- على المسرح.
يسبق دخولها على الخشبة و فتح الستار لقطات من ذكرياتها المختلفة و صراعاتها المختلفة و كأن المخرج أراد أن يذكرنا بما حدث منذ البداية حتى وصلنا إلى هذه اللحظة.
يُفتح الستار و نرى كل الشخصيات المهمة في المسلسل حاضرة للحفل .
الأغنية جميلة في كل عناصرها اللحن و بالذات جملة المذهبفي غاية الروعةو الكلمات يمكن أخذها منفردة لتكون قصيدة بديعة، و غناء شيرين يدفعك للاستماع للأغنية عدة مرات متتالية دون ملل.
العيب الوحيد جاء في وجود صوت للكورال بصوت شيرين أيضًا و هو ما يتعارض مع أداء الأغنية على خشبة المسرح.
جماليات الصورة تليق بنهاية هذا العمل ، ربما هي المرة الوحيدة التي نشاهد فيها أغنية على المسرح داخل عمل درامي و نجد ردود أفعال مختلفة من الحضور بخلاف هز الرأس التقليدي الساذج المعتاد في مثل هذه المشاهد.
” لو في أوقات عدوا بخساره علينا . لو فيه ناس حوالينا بسببها اتأذينا” تأتي الكاميرا على سيد لنجد دموعه تنهمر و كأن الكلام موجه له . ” طول ما اسمك كل يوم بانطق حروفه” يظهر على الشاشة مروان الذي يُظهر ابتسامه خجولة.
“طول ما لسه فيه ناس بنتدفا بحنانها. و الحاجات الحلوه واخدين بالنا منها” و هنا يدخل محمود مرتديًا البدلة ليشارك في حضور الحفل ، فمن قال إن الحاجات الحلوه تموت بموت أصحابها ؟ تنتهي الأغنية بدموع دليله تنهمر و دموع المشاهدين أيضًا.
هل الأغاني كتبت على المَشاهد أم استطاع المخرج توظيف كل الأغاني لصالح المسلسل ؟ لا أدري تحديدًا و لكن المؤكد هنا هو أن كل أغنية في المسلسل تم العمل عليها باهتمام كانت نتائجه و اضحة و أصابت كل أغنية هدفها محركة مشاعر المشاهدين/المستمعين، و المؤكد أيضًا أننا استمعنا إلى أغنيات تفوق جودتها جودة عدة ألبومات أخرى لشيرين وستظل هذه الأغنيات في الذاكرة بمشاهدها لسنوات و سنوات.