بين السما والأرض.. مات "الأبطال" وعاشت الدراما

إسلام وهبان

عُرضت منذ ساعات الحلقة الأخيرة من مسلسل “بين السما والأرض” للمخرج محمد العدل وسيناريو وحوار إسلام حافظ، وبطولة مشتركة لكوكبة من النجوم من بينهم هاني سلامة ودرة وأحمد بدير وسوسن بدر ومحمود الليثي ومحمد ثروت، والمأخوذ عن قصة لأديب نوبل نجيب محفوظ.

منذ اللحظات الأولى للإعلان عن قدوم صناع العمل على إنتاج المسلسل، وهناك حالة من الجدل والترقب حول إمكانية تقديم نص درامي مميز يليق باسم وقيمة صاحب القصة الأصلية نجيب محفوظ، ولا يكون تشويها لعمل سينمائي محفور في ذاكرة المشاهد وأحد روائع الخمسينيات في السينما المصرية.

نرشح لك: مأساوية.. نهاية مسلسل بين السما والأرض

لكن هذا الجدل ما لبث أن تحول إلى حالة من الانبهار والإشادة بالمسلسل والانغماس في الحكاية ليتورط المشاهد ويصبح جزءا من المسلسل، يبكي لبكاء أبطاله وينفعل مع كل قصة من قصصهم ويتأرجح قلبه بين تأزم وانفراجة لموقفهم داخل الأسانسير.

– الرهان

رغم المقارنات التي عقدت من اللحظة الأولى بين مسلسل “بين السما والأرض” وفيلم صلاح أبو سيف الذي يحمل الاسم نفسه، إلا أن رهان الفنان والسيناريست إسلام حافظ، كان تقديم عمل مختلف تماما عن الفيلم الشهير، ورغم أن الفكرة واحدة تتمثل في تعطل أسانسير بإحدى عمائر القاهرة وبداخله عدد من الأشخاص لتجمعهم هذه الأزمة لساعات داخل المصعد وسط محاولات لإصلاحه، لكن نجح “حافظ” في تقديم نص درامي متماسك وجذاب يختلف كثيرا عن الفيلم، ليس فقط في عدد الأبطال أو الحبكة الدرامية بل في الحوار وتلاقي القصص وتناول العديد من القضايا المعاصرة، فضلا عن النهاية الصادمة.

– مش هتقدر تغمض عينيك

تميز المسلسل بحلقاته الـ15 بالحفاظ على إيقاع متسارع للأحداث وسط أجواء من الإثارة والتشويق والانتقال من حكاية لأخرى بمنتهى السلاسة والمتعة دون أن يتسلل إلى المشاهد الملل، وكذلك الحفاظ على التوازن وعدم الإكثار من التفاصيل حتى لا تصاب بالتشويش، وعلى الرغم من معرفتك بالفكرة وحتى النهاية التي تم تصدير بعض مشاهدها فى الحلقة الأولى، إلا أنك تجد نفسك منغمس في الأحداث بكل حواسك وفكرك، وذلك بعد أن نجح المخرج محمد العدل تصدير حالة من التوتر الدائم لدى المشاهد وتقديم وجبة إنسانية اجتماعية تشويقية هائلة.

– انطلاقة جديدة

على الرغم من مشاركة عدد كبير من النجوم فى المسلسل من أصحاب التجارب والتاريخ المتميز وتقديم العديد منهم لأدوارهم بإتقان وتمكن كبير، إلا أن المسلسل يعد اكتشافا ومحطة مهمة في تجربة كل من الفنان محمود الليثي والفنان محمد ثروت، حيث ظهر الليثي بدور مغاير لما اعتاده الجمهور، ليبتعد عن الكوميديا، ويقدم واحدا من أهم أدواره منذ ظهوره مع فريق SNl بالعربي، من خلال شخصية “عوض” أحد أعضاء فرقة المهرجانات الذي تحول إلى شيخ، بعد أن تركته زوجته، وإثباته أن لديه الكثير وأنه صاحب موهبة تمثيلية فائقة، وفنان متمكن من أدواته وقادر على التحكم في الشخصية بشكل كبير، وقد ظهر ذلك في قراءته المتقنة للقران الكريم وتعبيراته الهادئة ولغة جسده التي تنم عن متدين جديد يحاول أن يخبئ تاريخا طويلا خلفه.

كذلك الفنان محمد ثروت الذي رغم عدم تخليه عن كوميديته إلا أن دور “جلال” في مسلسل “بين السما والأرض” كان بمثابة إعادة اكتشاف له، لما قدمه من حالة إنسانية متميزة، وقدرته على إضفاء روح أكثر حيوية ورشاقة للعمل، ومهارته في تقديم عدة رسائل غير مباشرة من خلال تعبيراته وإظهار مدى المعاناة التي عانت منها الشخصية.

– من المسرح إلى الشاشة

تعددت أحداث المسلسل ما بين القابعين داخل الأسانسير منتظرين إصلاحه، وبين ما يدور بالخارج من مكائد ومحاولات لإخراج العالقين بالداخل، وفلاش باك لقصة كل منهم ومعاناته الخاصة، لكن كانت أكثر المشاهد تأثيرا وجودة هي التي جمعت بين الأبطال داخل الأسانسير، وكأنك تتابع عرضا على خشبة المسرح، تنفصل من خلاله عن العالم وتغرق في حكايات وآلام العالقين بالأسانسير، وخاصة الحلقة الرابعة عشر، والتي قدمها خلالها الأبطال مونولوج مسرحي طويل رائع أشبه بالمحاكمة، يقاضي كل واحد فيهم نفسه والآخرين أيضا، ويظهر كل واحد منهم الجانب الآخر من شخصية، ويأكد على ثنائية الخير والشر، ويأكد كذلك على معنى الإنسان.

– التوافق مع متغيرات السوق

يرى كثير من النقاد أن السوق المصري ودراما رمضان بحاجة إلى تطوير وتنوع في المحتوى المقدم ليكون أكثر توافقا مع احتياجات وتطلعات المشاهد، والابتعاد عن المط والتطويل في الأحداث والتي تصدر الملل للمشاهد، وتقديم أعمال تتكون من 7 أو 15 حلقة، وهو ما وفره مسلسل “بين السما والأرض” بتقديم دراما بعيدة عن الحشو ومليئة بالتشويق، ولا تزيد مدة الحلقة عن 30 دقيقة.

– واقع أكثر رعبا

رغم أن فكرة الحصار داخل أسانسير هي فكرة خيالية قاسية إلا أن الواقع وما أصبحنا نعيشه أكثر قسوة ورعبا، وقد ظهر ذلك جليا من خلال القضايا التي تناولها المسلسل، سواء مفهوم الاختيار والحرية، أو معنى الإنسان وتصدير صورة ملائكية أو شيطانية للآخر، وكذلك قضية التشدد الديني الذي يقود إلى العنف، فضلا عن معانٍ مثل التسامح والرضا والحب، والتطرق لقضايا مجتمعية وفكرية عديدة.

يمكن القول أن من يبحث عن المقارنة بين الفيلم والمسلسل سيجد أن المسلسل رصد ما وصل إليه حال المجتمع المصري في 2021، والتغيرات التي حدثت فيه بعد 60 عاما من عرض الفيلم، ومدى ما وصل إليه الواقع من قسوة ومصير مخيف دللت عليه النهاية الصادمة والمأساوية للأبطال، ليتساءل كل منا “هل فات الميعاد؟”.