«أولاد رزق» فيلم واضح تماما الهدف الذى يرمى إليه، وهو تسلية الجمهور، ولا يحق لأحد أن يطلب من صانع العمل الفنى أن يقدم له ما يريده هو، ولكننا نشاهد الفيلم من خلال زاوية الرؤية التى يضعها المخرج، الذى هو أيضا المنتج طارق العريان.
لا يمكن أن تقيم عملا فنيا بمعزل عن قانونه الخاص الذى وضعه مخرجه، فهو لا يراهن سوى على أن يقدم لك وجبة أكشن ساخنة مغلفة بخفة ظل، لا تترك أى احتمال لملمح جذب تجارى يفلت منه، فهو يسارع بالتقاطه ووضعه حتى ولو عنوة فى الفيلم. العريان لا يكذب ولا يتجمل ولا ينهى فيلمه بموعظة حسنة توجه للمشاهدين رسالة، مثل إياكم والسرقة وتجنبوا العنف، وعليكم بالرضا بالمقسوم، بل هو ينهى فيلمه باستمرار الأشقاء الأربعة فى مواصلة السرقة والعنف، وحتى آخر نفس، ولكنه يحرص على أن يضع كل ذلك فى إطار بناء سينمائى أقرب إلى روح النكتة، ولهذا فإنه بقدر المستطاع يحافظ على أبطاله من مواجهة أى خسارة محتملة، ولو حسبتها بمعناها المباشر على المستوى الجسدى، ستجد أنها فقدان شقيقهم الأصغر الذى أدى دوره كريم قاسم عقلة من أصبعه الصغير، ولكن على المقابل، زجوا بالرجل الكبير سيد رجب إلى السجن، واحتفظوا بالملايين، وهكذا أحالوا مشهد الختام إلى انتصار مغلف بضحكة الانتصار.
نحن بصدد فيلم تجارى من الطراز الأول، وكما يقول الكتالوج، ربما أراد من خلاله المنتج الذى هو أيضا المنتج طارق العريان تعويض الهزيمة التى لحقت به تجاريا فى آخر أفلامه «أسرار القمر». كان الفيلم قد لقى حظا عسيرا فى التنفيذ، وتأخر بضع سنوات عن العرض، ومثل هذه الأفلام مهما بلغت درجة حرفيتها يتعامل معها المتفرج بقدر من البرودة، مثل تناوله الوجبات سابقة التجهيز التى يتم تسخينها على الفرن، ولكنها تفتقد طزاجة اللحظة، ملامح ووجوه الأبطال على الشاشة تفضح أيضا هذا الخلل.
منذ إطلالته الأولى كمخرج فى «الإمبراطور» قبل 25 عاما، بطولة أحمد زكى ومحمود حميدة، وطارق العريان مخرج له منهج خاص فى علاقته بالسينما، وهى أنه يحرص على أن يقدم لجمهوره شريطًا مسليًا جيد الصنع، من أفلامه «الباشا»، و«السلم والثعبان»، و«تيتو». مخرج هاضم ومدرك طبيعة المجال الذى يتحرك داخله، وما الذى يريده بالطبع دافع التذكرة، وبينهما التواصل واضح من خلال الجمهور، فهو يعرف جمهوره بدقة، ولا ننتظر عادة من مثل هذه الأفلام ما هو أكثر.
إنهم أولاد رزق، لديهم ورشة وورثوها عن الأب، لكنها لا تدر أموالا، فكان ينبغى طبقا لما يقدمه السيناريو لصلاح جهينى، أن يبدأ الأشقاء الأربعة فى ممارسة السطو المسلح، مع مراعاة إضفاء قدر من الكوميديا على تنفيذ الأكشن، بالابتعاد تماما عن الدموية، حتى يظل هناك قدر من التعاطف مع الشخصيات، لأن الذائقة الشعبية من الممكن أن تغفر للحرامى خفيف الظل، ما دام لم يقتل ولم يُسل الدماء. المخرج يضع أبطاله فى الصراع التقليدى مع رجال الشرطة، وفى مشهد فى بداية الفيلم قُدم بدرجة حرفية عالية للصعود إلى بيت عز، وتقابلهم الكلاب المتوحشة قبل تبادل إطلاق النار. السرد السينمائى يحمل طبيعة الحكاية التى يرويها أحمد الفيشاوى الشقيق الثالث، لضابط الشرطة محمد ممدوح، نعتقد فى البداية أنه يقدم نفسه باعتباره الصبى الذى يساعد الأشقاء الأربعة فى توضيب جلسات الحشيش وتهيئة المزاج، ثم نكتشف أنه يضحك على ضابط الشرطة محمد ممدوح، وهو فى الحقيقة شقيقهم الثالث، وهنا يتحرك المخرج فى إطار زمن لسرد باقى الحكاية، ومن حقه أن يقفز هنا وهناك، وأن يكثف لحظة، وأن يُسهب فى أخرى. المخرج هنا لا يغفل أى شىء من الممكن أن يؤدى إلى إيرادات الشباك، وهكذا أضاف رقصا وغناء شعبيا وجنسا، وقدرا مقننا من العنف والدموية، مع مراعاة أن من تشاهدهم مضرجون فى دمائهم، لا يمكنك أن تتعاطف معهم، وذلك حتى لا يفسد المخرج المزاج النفسى، الذى حرص على أن يضع داخله شريطه السينمائى، ولم تبخل حتى أصالة أن تمنح زوجها المنتج أغنية فى «التتر»، كل العناصر متوفرة حتى الاستعانة بأحمد عز فى ظل تخوف من رفض جماهيرى بسبب موقفه بعدم الاعتراف حتى الآن بابنى زينة، وإنكاره الأبوة، رغم صدور حكم قضائى، كلها من الممكن أن تلعب أدوارا عكسية فى خصم قدر من شعبية البطل، ولكن حتى هذه كان العريان حريصا على أن لا تعيقه، فلقد صاحب بداية العرض أكثر من حوار يقسم فيه عز على براءته، ثم إن الفيلم بطولة مشتركة، معه عمرو يوسف وأحمد الفيشاوى وأحمد داوود وكريم قاسم، كما أن النجم الذى يستولى على مساحة خاصة فى الدراما، والذى استطاع أن يلتقط بذكاء شفرة الشخصية ويستوعبها تماما ويصل بالدور إلى قمة الأداء هو أحمد الفيشاوى، وأيضا فى مساحات أقل كل من أحمد داوود ومحمد ممدوح، بينما عز وعمرو كأن شيئا لم يكن. الفيلم لا يمكن اعتباره استفتاء على شعبية عز. الإيرادات هنا للفيلم، حيث تمكن المخرج من ضبط إيقاعه كعمل فنى يحتاج إلى قدرة على توظيف الإحساس الموسيقى، الذى قدمه هشام نزيه وديكور محمد عطية.
صحيح لم يحقق المركز الأول بالأرقام، لأن لدينا فيلم أكشن آخر لبطل جماهيرى وهو محمد رمضان فى «شد أجزاء»، فهو النجم الجاذب للجمهور بالمعنى الصحيح للكلمة، بينما إيرادات «أولاد رزق» للفيلم وليست للنجم.
أفلام أحمد عز الأخيرة لا تحقق إيرادات، لم تعد تضعه فى مكانة النجم الجماهيرى، ولا علاقة له بحكايته مع زينة وطفليها، اللذين أقرت المحكمة أنهما طفلاه وهذه حكاية أخرى.
نقلًا عن موقع “التحرير”