رباب طلعت
الصراع ما بين الخير والشر، صراع أزلي في الأعمال الدرامية، فدائمًا ما يتعاطف الجمهور مع الطيبين ضد الأشرار خلال أحداث المسلسل الذي يتابعونه، ولكن في دراما رمضان 2021، ظهر بعض الأشرار بتناول مختلف ومنظور جديد، نتج عنه تعاطف بعض الجمهور مع بعض منهم، والتماس أعذار لأفعالهم التي كانوا يرونها خلال الحلقات الأولى إجرامًا، وظل الكره والتجريم يطارد البعض منهم.
أكثر السمات التي اشترك فيها أكثر أشرار دراما رمضان 2021 شهرة، هي العقد التي نبتت فيهم منذ الطفولة، بسبب مواقف لأهاليهم معهم، أو بسبب سوء تربية الأهل الذين لم يكونوا أبدًا قدوة صالحة، الأمر الذي يُجرمهم هم أكثر من أبنائهم، وفيما يلي يرصد “إعلام دوت كوم” أبرز تلك الحالات:
من أكثر الشخصيات استفزازًا خلال الحلقات الأولى من مسلسل “حرب أهلية” بطولة الفنانة يسرا والفنان باسل خياط والفنانة أروى جودة، كانت “تمارا” التي تجسدها الفنانة الشابة جميلة عوض، حيث كانت هي منبع الشر الذي يفسد حياة كل من حولها، حتى صديقاتها اللاتي وثقن فيها، وذلك بدافع الكره والغيرة التي تكنه لكل منهن، حتى إلى “نور” التي جسدتها الفنانة الشابة ميان السيد، لغيرتها الشديدة منها وكرهها لها لظنها أنها كانت تستحق كل الحب الذي تناله من والدتها، فهي ابنة “مريم” الحقيقية وليست “نور”.
تصرفات “تمارا” كانت تعكس نوع من الشر المطلق بداخل “تمارا” إلا أنه مع توالي الأحداث، ومرورها بكثير من الصعاب أولها محاولة التعدي عليها بالضرب انتقامًا منها لما فعلته في إحدى صديقاتها وتفريقها عن خطيبها، إلى وفاة والدها الذي كانت متعلقة به بشكل مرضي، وتكره والدتها بسبب ما زرعه بداخلها بأنها تخلت عنها في طفولتها واختارت عملها وحياتها، وذلك كان تبليًا على والدتها، وبدأت تتقبلها ويقل كرهها لها تدريجيًا بعدما كشف لها أبوها الحقيقة قبل وفاته.
بدأت الصورة تتضح بأن “تمارا” ما هي إلا ضحية لانفصال والديها، وشعورها بأن لا أحد يحبها، فإذا كانت أمها لم تختارها في طفولتها فمن الذي سيحبها ويختارها، وظل ذلك الشعور بداخلها حتى كبرت وبدأت الغيرة والحقد على كل من حولها، وبدأت رغبتها في تدمير أي قصة حب، لمجرد شعورها بأنها لا تجد الحب، ولكن في النهاية بدأ الجمهور يتعاطف معها حتى أنه شعر بالحزن الشديد لما أصابها في الحلقة الأخيرة من حادث تشويه وجهها من قِبل صديقتها “نهى” التي فضحتها يوم زفافها وتسببت في طلاقها، بنشر فيديو لها مع شخص آخر في غرفة نومه.
كان من السهل تحول الكره لـ”تمارا” لحب، لأن تطور الأحداث كان في صالحها، بالإضافة إلى أنها نفسها تبدلت إلى الأفضل، وظهر منها الجانب الإنساني الطيب، ولم تعد شريرة في نهاية الأمر، ولكن ذلك لم يحدث مع “يوسف” الذي يجسده باسل خياط، و”نادين” التي تجسدها الفنانة اللبنانية سينتيا خليفة، فكلاهما أشرار العمل الرئيسيين، هم من يحاولون استغلال الجميع وإيذاء كل من يقف أمام رغباتهم، ولكن بمعرفة تاريخ يوسف الطبيب النفسي سنجده هو نفسه مريض نفسي يحتاج لعلاج جراء ما خلفته واقعة زواج أمه من شاب أصغر منه، واستيلائه على كافة أموالها، ما جعله يفعل نفس الأمر في السيدات اللاتي ينصب عليهن، ويفسر ذلك في كلامه لإحدى مريضاته، بأن الإنسان يقع ضحية لظلم تعرض له، فيطبقه على آخرين، انتقامًا لما شعر به وقتها، وعلى الرغم من أنه لآخر مشهد له كان مصر على إجرامه وشره في حق الآخرين، مما لا يترك مجالًا للتعاطف معه، إلا أن ذلك لا يمنع ما تعرض له من إيذاء بسبب والدته، وتأثره بها.
“نادين” أكثرهم شرًا وأذى، فهي زوجة خائنة، وصديقة مخادعة، وإنسانة غير سوية، تريد الحصول على المال بأية طريقة، حتى لو كان بالكذب على الآخرين بأنها تحمل من زوجها المتوفي والذي كان طلقها قبل وفاته ولكن الموت كان أسرع من توثيق الطلاق رسميًا، لتحرم ابنته من حقها في الميراث وتستولى عليه باستغلال ابنها وابن “يوسف” الذي حملت به من خيانتها لزوجها، ولم تظهر “نادين” في أي مشهد يثير التعاطف معها، إلا خلال الحلقة الأخيرة، عندما تعرضت لحادث وأجهضت ابنها، وهي في المستشفى، تخبرهم بأن ليس لديها أحد، فهي طوال الوقت وحيدة منذ ولادتها ولم تجد عطفًا أو حنانًا حتى من فعل ذلك قتله بخيانتها له، في مشهد مؤثر كان كافيًا لإثارة التعاطف نحوها من البعض ولكن ليس الكل بالطبع.
الشيخ “مؤنس” الذي جسده محمد فراج في مسلسل “لعبة نيوتن” بطولته ومنى زكي ومحمد ممدوح، لم يكن يومًا شريرًا، إلا أن الجمهور حكم عليه بالشر خلال حلقات ظهوره الأولى، لعدة أسباب، أولها إنه شيخ وملتحي، وهو ما دائمًا تتناوله الدراما على إنه “شرير” شر مطلق، تلك الصورة النمطية التي تصدرها الكثير من الأعمال عن الملتحيين بأنهم مدعيين ويخفون وراء ذقونهم جرائم وخلل سلوكي ما، وما أكد على ذلك هو طلبه من زوجته “سارة” أن يتزوج “هنا” الأمر الذي فسره الكثيرون بأنه أنانية منه، وأنه صورة الاستغلال السيء للتعدد والذي يتبعه مدعي التدين.
خلال الأحداث كلها لم يظهر من مؤنس سوى حبه لـ”هنا” وصبره على تصرفاتها الأنانية، كان خير من ساعدها ومنحها مالًا وحبًا لم تقدره بل استغلته، وظن الكثيرون أن تلك بداية صدمتها فيه، ولكن الحقيقة أن “هنا” هي من استغلته تمامًا، ما دفع الأغلبية للتعاطف معه، خاصة في وداعه لإبراهيم، ابن “هنا” الذي اعتبره ابنه فعلًا حيث لم يستطع الإنجاب، كما رأى في إبراهيم نفسه وهو صغير، حيث تركته أمه “هنا” وانشغلت في إثبات نجاحها واستقلاليتها لوالدتها وطليقها “حازم” الذي يجسده محمد ممدوح، وهو ما حدث مع “مؤنس” نفسه، حيث تركته والدته لرغبتها في الرقص، عكس ما أراد والده ذو الخلفية المدينة، وعلى الرغم من أن زوجة أبيه ربته على الحب إلا أنها لم تعوض إحساسه بأن والدته تركته، وهو المصير الذي كان يحاول حماية إبراهيم منه، وهو ما يفسر سبب زواجه على “سارة”، وسبب تمسكه وتفريقه بين “حازم” و”هنا” الأمر الذي فسره البعض أنه شرًا ولكنه كان إنعكاسًا لعقدة منذ طفولته.
“مؤنس” في نهاية الحلقات حاز على تعاطف الجميع، عكس الحلقات الأولى، التي كان الجمهور يراه استغلاليًا ومدعي تدين، وغيرها من الاتهامات التي أثبت أنها باطلة، وحتى مشهد اغتصابه لزوجته “هنا” كان ورائه الكثير من الحب والكرامة في نفس الوقت.
من الصعب تمامًا التعاطف مع “زين” الذي يجسده الفنان عابد عناني، في مسلسل “الطاووس” بطولة سهر الصايغ وجمال سليمان وسميحة أيوب، حيث إنه كان أحد الأشرار المصرين على شرهم للنهاية العادلة لمن هم في مثل شره وهي الإعدام، ولكن “زين” هو الآخر ضحية لسوء تربية الآباء، فالمحامي “ضياء شاهين” الذي يجسده الفنان أحمد فؤاد سليم، لم يكن أب صالح على الإطلاق، فهو محامي فاسد وشخص فاسد وزوج خائن، يفعل ما يحلو له في الظل، ويلوم على ابنه أن يظهر فساده للنور، ويطالبه بأن يتعلم التكتم على فضائحه! بدلًا من إدانته والغضب من جريمته الشنعاء وهي اغتصاب فتاة هو وأصدقائه وسلب شرفها، بل وترافع دفاعًا عنه، ودفع لشهود زور، وحاول باسماتة تبرئة ابنه، من أجل سمعته أولًا.
والدة “زين” التي تجسدها الفنانة نهال عنبر، كانت أيضًا مربية غير مسؤولة، فهي من الأساس تتعامل مع الخدم بتعالي ولا تفكر سوى في تدليل ابنها، حتى وإن كان مخطئ تدافع عنه، ولا تترك لأحد فرصة لأن يصوب له خطأه حتى ولو والده، مما أخرج منه شاب ليس له رادع، ولا يفكر في الحلال أو الحرام، فقط بأنانية يفكر في التخلص من الإدانة حتى لو كان بالقتل.
لم يستطع أحد التعاطف مع زين، ولن يتعاطف أحد مع من هم أمثاله، ولكن حالة “زين” تستعيد إلى الذاكرة مسلسل “حضرة المتهم أبي”، والمرافعة العظيمة التي قدمها الفنان الكبير الراحل نور الشريف، أمام القضاء، مطالبًا بمقاضاته هو وأسر زملاء ابنه، الذين شاركوه في جريمته، لأنهم لم يفلحوا في تربيتهم، ليتحمل بذلك جزء من فساد ابنه، الذي يؤمن بأنه كان سببًا فيه.
بالطبع ظاهرة انعكاس أفعال وتربية الآباء على أبنائهم علمية تمامًا، وتفسرها لـ”إعلام دوت كوم”، هايدي المصري، أخصائي نفسي وتربوي، قائلة: هناك أربعة أنماط لتربية الطفل، الأولى “النمط القاسي”، وهو أن يستخدم الأبوان في التربية أسلوب الإهانة والعنف، وهو ما يسبب إهانة لشخصية الطفل وغير واثق من نفسه، ويؤدي إلى عنف موجه اتجاه نفسه أو المجتمع، وذلك نتيجة الكبت في التربية الذي يُخرجه بصورة عنف خارج إطار المنزل، وعلى النقيض هناك “النمط المتساهل”، وهو التربية التي تعتمد على التساهل في التعامل مع أخطاء الطفل، وذلك نتيجة انشغالهم أو إحساسهم إنه طفل وسيتعلم بمفرده مع الأيام وذلك خاطئ تمامًا فالطفل يجب أن يتعلم الصواب والخطأ من والديه أولًا، وإلا فلن يتعلم أن له حدود يجب ألا يتخطاها، وهو ما يحدث بالفعل في بعض الحالات، ومثله “النمط المهمل”، وهي إهمال التربية والتوجيه من الوالدين، فلا تخبر الأم طفلها أن تصرفاته خارج المنزل على سبيل المثال خطأ على الرغم من خجلها مما يفعله، ما يتسبب في اضطرابات في نفسية الطفل، ومثله كالمتساهل، ينشأ الطفل ولا يعرف ما هي حدوده.
أضافت “المصري” أن النمط الأخير هو النمط المتوازن، وهو التوازن ما بين الحب والحسم، القواعد والتفاهم، الأخذ والعطاء، فهنا لا نستخدم القوة لتنفيذ القواعد، ولكن هناك حوار وتفاهم مع الأطفال، وهو النمط المثالي، لخلق التوازن في التربية، وتنشئتهم بنفسية سليمة لا تعاني من أية اضطرابات نفسية، يخرجونها على المجتمع.