رباب طلعت
على مدار 48 ساعة عمت حالة من الحزن النادر، الحزن الصادق، الحزن الممزوج بالحب والتعاطف والحنين والوداع، على كافة المنصات (تويتر، فيسبوك، تويتر، إنستجرام، تيك توك، يوتيوب)، في الوطن العربي كله، وليس مصر فقط، إثر رحيل سارق الضحكة وملك الكوميديا العفوية الفنان الكبير سمير غانم.
اعتلى سمير غانم قائمة الترند العربية، دون جهد منه، أو حاجة إلى “شلة” تتحدث عن إنجازاته وخفة دمه، ولم يدفع أبنائه جنيهًا من أجل التعاطف معهم، فقد تصدر الترند بمحبة خالصة له، وبمشاعر حزن صادقة، على وفاة “بني آدم طيب” مر على الحياة مرور “طيب” فلم يذكر اسمه في خلاف مع أحد أو إساءة ضد أحد سواء في محيط الوسط الفني، أو تعامله مع الصحافة والإعلام أو حتى مع جمهوره، فقد كان كما وصفته زوجته الفنانة دلال عبد العزيز في برنامج سهرانين “بني آدم طيب من بيت طيب.. ومتربي عارف يعني إيه بيت ويعني إيه أسرة.. وأنا شرحه”، وهو الأمر الذي لم يختلف عليه أحد من جمهوره، فالجميع ودعه بكلمات تشيد بحسن خلقه وخلق بناته وزوجته، بل وأيضًا زوجي بناته، تلك الأسرة الصغيرة التي بنت رصيدًا من المحبة والاحترام لدى الجمهور، دون أية مجهود، فقط بالمحبة والاحترام.
سيرة سمير غانم الطيبة، ورصيده الفني الثري، وروحه الخفيفة هو وزوجته وابنتيه كانت أهم عوامل ارتباط الجمهور بتلك الأسرة، وهو ميراث عظيم تركه الراحل لابنتيه اللتان حمل الجمهور هم حزنهما وفراقهما لوالدهما، لمعرفته مدى قربهما وحبهما له، حتى إنهم تداولوا كلماته من فيلم “الرجل الذي عطس”، كوصية لهما، يذكرهما بها كتخفيف عنهما، وتذكير بما قاله والدهما عن الموت: “ماحنا كلنا بنتولد عشان نموت.. هي دي الحقيقة يا ابني متهربش منها.. لو زعلت إياك تعيط.. إياك تعيط.. لو حبة الدموع فرت من عنيك ابقى عيط شوية”.
Rest in peace#سمير_غانم pic.twitter.com/VsN5VtalhU
— أحمد عبدالله الحمادي (@AAlhammadi07) May 21, 2021
ولم ينتهي التعاطف إلى تداول كلماته فقط، حيث زاد ألم وحزن الجمهور على ابنتيه بعد تداول صور انكسار إيمي ودنيا سمير غانم في الجنازة، وغياب دلال عبد العزيز عنها لتواجدها في العناية المركزة، والتي لم تغيب أبدًا عن جنازة أو تأدية واجب لأحد من زملائها، مما أضاف على حزن فقدان الأب حزنًا آخر، وهو غياب والدتهم عن مساندتهم، ولعلها رحمة الله التي امتدت لها، لكي لا ترى جثمانه وهو يلتحف الثرى، إلا أن مشهد وقوف حسن الرداد ورامي رضوان، لأخذ عزاء حماهما كان العزاء الوحيد لجمهور السوشيال ميديا، الذي حمل هم رحيل “سند” الفنانتين، ليأخذ “الترند” منحنى موازي للحزن وهو الإشادة بترابط تلك الأسرة التي يعتبرها الجمهور جزءًا منه.
الحزن الكبير الذي انتاب جمهور الفنان سمير غانم على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن فقط بسبب طيبته وأخلاقه، ولا الارتباط بأسرته والتعاطف معها، إنما أيضًا لانطفاء آخر شعلة في ثلاثي أضواء المسرح، الذي نجح منذ ظهوره وإلى الآن في خطف ضحكات الجمهور بعفوية وسلاسة ليس لها مثيل، سواء كان مع فرقته أو بمفرده، سواء على المسرح أو على الشاشة، سواء التزم بالنص أو ارتجل، سواء نطق أو لا، فقط كان ظهوره كافيًا لانتزاع الضحكة من قلب جمهوره مهما كان الوقت والظروف، فقد أسعد الجميع بما قدمه على مدار أعوام قضاها في تقديم “الضحكة” التي كان يؤمن بأنها رسالة كافية لا تحتاج إلى أية تعقيدات أو مبالغات أو إضافات، فالضحكة غاية نبيلة قدمها للمشاهدين وسيظل يقدمها في أعماله التي لن تفقد بريقها مهما طال الزمن، لأنه قدمها بحب واحترام للجمهور.
رحيل سمير غانم، في حد ذاته درسًا كبيرًا يجب أن يتعلمه الكثير من الفنانين الشباب، والأصغر منه سنًا، من مجانين “الترند” وتصدر حديث السوشيال ميديا، فبعيدًا عن المحاولات المستميتة للتواجد على قائمة الترند اليومية، بأساليب انحرف بعضها عن الطريق الصحيح، نجح الفنان الكبير الذي لم يشغل باله يومًا به، في حجز مكانته عليه، فقط بما قدمه لجمهوره عبر سنوات من فن وحب واحترام، وهو ما يعيش في وجدان الجمهور لسنوات، لا شيء آخر.