فى سوق الكوميديا عندما يُصبح الرهان على الإفيه والقفشة والنكتة علينا أن ننحى جانبا كل المقاييس الفنية الأخرى ونسأل كم ضحكة خرجنا بها من الشريط السينمائى.
فَقَدَ فيلم «نوم التلات» ضربة البداية لأنه وحتى قبل أن تشاهده تتأكد أن «التريلر» الذى سبق عرض الفيلم بيومين يخذله بعد أن بات فقيرًا إلى حد الشح فى إثارة حتى ولو ضحكة عابرة، بلاش ضحكة خليها ابتسامة، بلاش ابتسامة، فى الحد الأدنى أن يمر مرور الكرام، هذه حتى لم يستطع فيلم «نوم التلات» تحقيقها، بل انتقل إلى الجانب الآخر تماما، حيث أثار فى أكثر من موقف الامتعاض. دائما ما أسعى فى الأعياد لمشاهدة الفيلم فى اليوم الأول من العرض ووجدت أنه أكثر الأفلام عُرضة للإلغاء لعدم إقبال الجمهور، بعد أن صار للفيلم نصيب من اسمه، حيث إن الجمهور كان ينام أيضا فى أثناء المشاهدة.
النجومية ما دلالتها؟ أنها تعنى الرهان المسبق على الفنان، أى أنك قبل أن تستمتع إلى آراء الجمهور الذى سبقك للعرض تسارع بقطع التذكرة، لاحظت أن هناك مساحة من البرودة لاحقت الفيلم حتى فى الحفلات الأولى، وتلك هى «أم المعارك» التى على هانى أن يعترف بها أولًا حتى يعد العدة لكى يواجهها ثانيا.
إذا أراد هانى الاستمرار داخل الدائرة عليه أن يدرك، أولا أنه صار خارج الدائرة، عليه أن يُمسك بالفرصة لكى يعبر فوق كبوته، حيث إن أفلامه الأخيرة صارت تحقق فشلا رقميا ذريعا بدرجة متصاعدة ولا تنافسها سوى برامجه التليفزيونية، النجم الكوميدى عندما يضيق به الحال سينمائيا يتكئ عادة على «الحيطة المايلة» التليفزيون، ليقدم برنامجا ليحصل على مقابل مادى، ويحقق أيضا نوعًا من التوازن النفسى باعتباره لا يزال مطلوبا بلغة السوق، وهكذا يحدوه الأمل بأنه قادر على استعادة بقايا بريقه، من الممكن أن ترى نموذجا واضحا فى هذا المجال أحمد آدم وفى العادة يقدم برنامجا معتقدا أنه تحول إلى منظِّر سياسى، لمجرد أنه ينتقد بعض سلبيات اجتماعية، ويؤجر عددا من الشباب كل دورهم أن يضحكوا على كثير من تلك السخافات، وهو ما فعله هانى فى أكثر من برنامج، ثم زاد عليه أنه قدم هذا العام فى رمضان «هبوط اضطرارى»، ليتأكد للمرة الثانية أن لديه أيضا نصيبا من اسمه.
هانى رمزى لم يتوقف ليسأل هل ما كان لائقا عليه قبل ربع قرن لا يزال لائقا عليه بعد أن تجاوز الخمسين من عمره؟ صار أول انطباع يتركه هانى الآن أنه صاحب جسد مترهل، من المؤكد أنه غادر محطة الشاب الحبيب الذى يبحث عن عروس، كلهم لا يزالون عند تلك المرحلة محمد هنيدى ومحمد سعد أيضا لا يزالان يبحثان فى كل أفلامهما عن عروس.
هانى اختار لتحقيق ذلك فكرة لا بأس بها، ولكن السيناريو يخلو تماما من خلق إمكانية أو حتى احتمال للضحك، المؤلف فادى أبو السعود أظنها تجربته الأولى لم يستطع أن يبتكر مواقف صالحة لزرع ضحكة سوى حكاية القطة التى يجدها فى الشارع والتى انتقلت بالصدفة أيضا إلى فيلم محمد سعد «حياتى مبهدلة»، فهناك قطة من الشارع تنتقم، وبينما المخرج الجديد شادى على فى فيلم سعد وجدها فرصة لكى يستخدم الجرافيك لخلق احتمال، مجرد احتمال لضحكة، نجد أن المخرج إيهاب لمعى لم يكن أبدا على الخط، الكوميديا ليست ملعبه، ولهذا مثلا يُقدم قطة ماتت وتعفن جسدها، ولم يدرك أن كل ذلك يخاصم الكوميديا، شاهدت له أول أفلامه الروائية «من نظرة عين» منذ 7 سنوات، وكان مخرجا واعدا، ولكنه بعد ذلك فى أفلامه التالية أخلف الوعد.
المخرج لم يستغل أبدا أسلحته السينمائية فى التصوير والإضاءة والموسيقى والمونتاج والديكور ومفتاح أداء ممثليه لخلق الجو العام للحالة الكوميدية، كل تلك الأسلحة إذا لم تتوافر للمخرج السينمائى يُصبح الأمر وكأنه لم يكن، وينتقل المتفرج من التهيئة للانبساط ليصبح فى أثناء المشاهدة معرضا للاكتئاب، مع الأسف هذا هو ما حققه الفيلم، يكفى أن ترى تلك الثنائية بين هشام إسماعيل وهانى رمزى، هشام خارج لتوه من هزيمة نكراء فى فيلم «فزاع»، لينضم إلى هانى على أساس أنه عبد المعين، فيكتشف أن عبد المعين مش بس عايز يتعان، ده تعبان وتعبان وتعبان.
حسن حسنى عادة هو المنقذ فى مثل هذه الأمور، كان مع الأسف فى دور الطبيب النفسى أقرب إلى المواد المثبطة التى تحول دون تفاعل أى ضحكة محتملة، إيمان العاصى التى كانت بدايتها واعدة، لم تعد تعد -بضم العين فى الأولى وكسرها فى الثانية- بأى شىء.
هل فَقَدَ هانى رمزى الترمومتر فى الاختيار، فلم يعد قادرا على التنشين؟ الحقيقة أنه كذلك وأكثر من كذلك، أفلامه الخمسة الأخيرة منذ «نمس بوند» وحتى «نوم التلات» وبينها «توم وجيمى» و«سامى أكسيد الكربون» و«الرجل الغامض بسلامته» تشى بهذا الانحدار الذى بات يعانيه، هانى نام التلات ولا يزال يغط فى النوم.
نقلاً عن “التحرير”