أحمد عبد العليم قاسم أسامة أنور عكاشة
فنان وإنسان لم التقيه في الحياه سوى مرتان، في الأولى تعارفنا وفي الثانية سمح لي بزيارة المقر السري له، بل وتصوير عمل تسجيلي معه بعنوان “فارس القلم” ظهر فيه مصنع إبداعاته التي شكلت وجداني دون أن أدري منذ ما يزيد عن أربعين عاما أنه أسامه أنور عكاشة!
تفتحت عيناي وأنا بعمر الثامنة على مسلسل “أبواب المدينة”، ورغم أن انتباهي الأول لاسمه جاء بسبب إيقاف عرضه حدادا على اغتيال الرئيس السادات، وقد كان هذا سببا كافيا لطفل في الصف الثاني الابتدائي للاهتمام بهذا العمل من منطق أن الممنوع مرغوب. ثم جاء بعده مسلسل يجمع بين الثقافة والإثارة وربما الغموض والرعب أحيانا وهو “المشربية”، ثم جاءت اللحظه التي لفت نظري اسم مؤلف الأعمال الثلاث عندما قرأت اسمه مؤلفا لمسلسل و”أدرك شهريار الصباح” الماخوذه عن ترويض النمره لشكسبير. ومن هنا أصبح الشغف بالبحث عن اسم هذا المؤلف لمتابعة أعمال ولم يخذلني عندما تابعت “الشهد والدموع” بجزئية و”ليالي الحلمية” باجزائها الأربعة.
وبين هذا وذاك جاء “رحلة السيد أبو العلا البشري” لتكون درة التاج بالنسبة لي حيث أنني لا أعتقد أن هناك عملا احفظ مشاهده عن ظهر قلب كهذ العمل، والتي أكد “عكاشة” أنها تحمل ملامح من فكرة دون كيشوت. والحقيقة أنني لن أحرص على ذكر المزيد من الأعمال فمحبيه مثلي يحفظونها تليفزيونيا وسينمائيا بل وروائيا أيضا، والشباب الذين لم يتعرفوا عليها جميعا ادعوهم للبحث فورا على محركات البحث ومشاهدتها جميعا لتغذيه عقولهم بأشياء نادرة في زمننا هذا.
من أعجب المواقف التي حدثت لي عندما أقدمت على عمل فيلم تسجيلي في بداياتي وطرحت فيه قيم مثالية مثلما تعلمت من أعماله، ولكنني فوجئت ببعض معوقات واجهت الأفكار المقدمة في العمل فما كان مني إلا إن بحثت عن رقم تليفونه الأرضي (قبل زمن الموبايل) وتحدثت إليه ممتعضا كيف أنني انتهجت منهجه وواجهت صعوبات وأشعر بالظلم، لكنه كان حليما وتقبل حماسي الزائد وطالبني بالصبر والمحاولة في أعمال أخرى وإضافه خبرات حتى أصل لما أتمنى. وبالفعل حققت ما تمنيت بعد عامين من المكالمه بأول جائزة برونزية عن فيلم تسجيلي فتحت باب الأمل لمستقبلي كله.
ثم جاءت اللحظة التي تمنيتها عندما وافق على زيارتي مصطحبا الكاميرا للمقر السري له الذي يكتب فيه معظم اعماله وهي شقه في الاسكندرية تطل علي بحرها الملهم والذي لم يخل معظم أعماله من ظهوره اسما أو إشارة، بل وربما عملا كاملا مثل “زيزينيا” و”النوة” و”قال البحر” وغيرهم. كان الهدف من الزيارة تصوير عمل تسجيلي معه بعنوان “فارس القلم” ظهر فيه مصنع إبداعاته لأول مرة عام 1998 وتحدث لي حينها عن أسهل شخصية كتبها في حياته وهي شخصية (سليمان غانم) في “ليالي الحلمية”، والتي قال لي إنه لم يكن يفكر وهو يكتب بل كان يشعر أن شخصا ما يملي عليه الحروف والكلمات كفيض يأتي لا شعوريا بلا أيه حسابات. فظهرت على الشاشة بهذا الصدق والمتعه والإبداع معا.
منذ طفولتي وأكثر ما يهمني في تترات المسلسلات المؤلف والمخرج ومؤلف الموسيقى التصويرية، ولهذا لم أفوت الفرصة بسؤالي له عن علاقته بمحمد فاضل والروائع التي جمعتهما. ومنها “في المشمش” و”الراية البيضا” التي لا زالت تلمس واقعنا الحالي لما نراه من انهيار القيمة والأصالة أمام الرأسمالية. وكذلك إسماعيل عبد الحافظ شريكه في مسلسلات الأجزاء. لكن كان سؤالي الغريب عن ارتباط اسم عمار الشريعي به مع تغير المخرجين المذكورين وقبلهم فخر الدين صلاح وبعدهم جمال عبد الحميد، فأكد لي أنه أحبه وكان يتحدث عن في لقاءات تحضير الأعمال وهو حب مشترك، قائلا: “هو مين ميحبش عمار الشريعي!”. ثم أجاب لي عما حيرني في غياب عمار عن “ليالي الحلمية” فقال لي إنه كان أيضا مرشحا لها لكنها رزق ميشيل المصري الذي أبدعها ببراعه هو الآخر.
ونحن نتذكر المؤلف الكبير في ذكراه 28 مايو من كل عام، نجد أننا نتذكره كل رمضان بأعماله التي لا تنسى ونتذكره كلما اشتقنا للحوار الثري المليء بالثقافة المقروءة، فضلا عن الثقافة الشعبية ولا زلنا نحلم بتحويل المزيد من رواياته لأعمال درامية مثلما حدث في “موجة حارة” منذ سنوات. فعكاشة هو ناظر مدرسة الدراما التليفزيونية التي أحبننا فيها رفقاؤه محمد جلال عبد القوي ومحمد صفاء عامر ولينين الرملي ويوسف عوف وفيصل ندا. لكننا أيضا لدينا أمل كبير في جيل حالي يحاول ويجتهد برزت منه أسماء نحترمها مثل د. مدحت العدل كبير هذا الجيل وعبد الفتاح كمال وعمرو سمير عاطف ومريم نعوم وعمرو محمود ياسين وتامر حبيب. وكلهم يحبون ويعشقون أعماله ويقدرونها، ومنهم من يفتخر بأنه تلميذ نجيب في مدرسة أسامه أنور عكاشه “فارس القلم”.
أسامة أنور عكاشة