أحمد أسامة
لا أحب طقوس الموت والعزاء، أجفل منها وأبتعد عنها. مؤخرا، أجدني لم أؤد صلاة الجنازة، لم أشارك في دفن الجسد، لم أحضر مجالس للعزاء، ولم أقم بزيارة المقابر! كان رحيل أمي آخر علاقتي بتلك الطقوس، منذ 7 سنوات مضت. عاتبت نفسي على ما بدى لي أنه تقصير في حق من كانت تجمعني بهم علاقة مميزة، وصداقة حقيقية. إلا أنه مع الهدوء الذي يتنزل على أحدنا عقب كل محنة، أجدني بذلك أكثر من غيري وفاء والتزاما في الحفاظ على استمرارية تلك العلاقة.
أداء تلك الطقوس يعني كتابة السطر الأخير في تلك العلاقات، تتر نهاية لا بد وأن يكون حزينا دائما. لا أريد لعلاقاتي بمن أحب أن تنتهي بمثل تلك الطريقة، حتى إن كنت سأضطر إلى إيهام نفسي بأنها ما زالت مستمرة، لكني على الأقل سأتذكر دائما أن اللقاء الفعلي الأخير لم يكن حزينا، لم يكن وداعا، بل كان لقاءً سعيدا، مليئا بالمحبة الصافية، وانتهى على وعد واتفاق بلقاء آخر. أعلم أن مثل هذه اللقاءات المعلقة لن تتم، أوهم نفسي أنها قد لا تتم لأي سبب يمنعنا من لقاء أحبتنا في الحياة العادية، وأدرك مدى عبثية ذلك الوهم، فهذه اللقاءات المعلقة من نوع آخر، نظرا لأنها لن تتم أبدا في عالمنا الحالي، لكنها أوهام لاتضر، مجرد استزادة من أمل بسيط، يبقينا على قيد الحياة من أجل من نتبادل الحب معهم.
عندما أتكيف مع صدمة رحيل أحد الأحباب – والذي بات سريعا مؤخرا ولست متأكدا حقيقة من معقولية ذلك من عدمه – أتأمل حالي، أسترجع شريط ذكرياتي، وأستحضر المواقف التي جمعتنا سويا، أجدها مغلفة بضحكة عذبة، وحب صاف. أزيد من سرعة عرض الشرائط مجتمعة، لجميع من فقدتهم، لكن إلى الأمام، حتى أصل إلى نهاية كل شريط، أجد أن الأحداث تنتهي عند موقف واحد، لقاؤنا الفعلي الأخير. أدركت سر تخلفي عن أداء تلك الطقوس مؤخرا، حتى لو كان ذلك تصرفا غير مقصود حينها، إلا أنه بدا لي أشبه بنداء القلب.
رحل أحمد مدحت، ومن قبله حسام السيد والبراء أشرف وآخرون، ما زلت وفيًا لهم على طريقتي، وذلك مذهبي، وكلي يقين أنهم لن يعارضوني في طريقتي للوفاء لهم عندما نجتمع مرة أخرى. كم وددت لو لم أؤد تلك الطقوس حين رحلت أمي، فهي آخر شخص ضمن العديدين الذين لا أستطيع تغيير تتر نهاية الشريط، و لا أستطيع إيهام نفسي بأنها لم تعد موجودة فعليا بعد الآن، وأني مضطر للتسليم والخنوع، أن علاقتنا فعلا وحقيقة قد انتهت، ولا مجال للعيش على فتات الأوهام، أو تزييف الواقع الأليم.