فاطمة خير
يا له من أمرٍ جلل! قد يبدو كلامي ساذجاً لكثيرين، لكنهم ليسوا مثلي، ليسوا مثل جيلي بمعنى آخر، نحن الذي يبدو هذا بالنسبة لنا صرحاً من خيال!
نعم..عشنا حلم عودة الأرض المحتلة، كبرنا وقد ربانا آبائنا على أن القدس لنا، نحن جيل عاش حياته في عالم بعيد تماماً عن العالم الذي يحيا فيه جيل الشباب الحالي والمراهقين والأطفال، كانت فلسطين في قلبنا ليل نهار، كانت جزءاً من حلمنا بمستقبل سنناضل لأجله.. كيف؟ لم نكن نعرف، لكننا عاصرنا في مراهقتنا انتفاضة الحجارة الأولى، وفي سنوات دراستنا الجامعية شهدنا “غزة-أريحا”، عاصرنا الانتفاضة الثانية، عشنا كل ذلك بلا فضائيات ولا إنترنت، لكننا كنا نعرف كل شئ ونبحث دوماً عن جذور تربطنا بالماضي، وخيوط تشدنا إلى المستقبل، ثم تهنا في الحياة، جرفتنا الحياة التي عاملتنا بقسوة، لكننا لم ننس، وكانت الذكرى تطل دوماً على استحياء، خاصةً مع العقد الماضي، الذي أنهكنا، وتركنا في عالمٍ من التيه تحديداً فيما يخص “فلسطين”.
لماذا يبدو كلامي ساذجاً؟ لأن أجيالاً تشب عن الطوق الآن، لن تفهم كيف ارتبطنا عاطفياُ بفلسطين، كيف أورثنا آبائنا خذلان النكبة، وفرحة العبور،قد يبدو”الحلم العربي” الآن ساذجاً أمام أجيال تعتبر العالم بيتها الكبير، لكن أوطاننا كانت هي كل ما نملك، وقد أفقنا أننا لا نملك سوى الحلم، لكن هذا الحلم أثمر، نعم.. أثمر أجيال “وقت الجد” اتضح أنها ورثت الذاكرة، وأنبتت كلماتنا فيها أذرعاً ستكون قادرة على التعامل مع العالم الجديد.
ما علاقة هذا ببرنامج مصري من أرض غزة؟ العلاقة وثيقة للغاية، فأحلامنا لم تعد مجرد أحلام، صارت لها أرجل تقف على الأرض..أرض غزة. “برنامج مصري من أرض غزة” رحلة طويلة للغاية تحملها هذهِ الكلمات القليلة، لقد فعلتها مصر.. مجدداً.
نحن لا نزال شباباً، لقد نضجنا وأصبحنا قادرين على تنفيذ الأحلام، كان للحلم وقته، وللفعل وقته أيضاً، بل أقول لكم..أننا محظوظون للغاية، فلقد ورثنا الحلم واستطعنا الحفاظ على “الذكرى”، الذكرى هي أثمن ما يخيف الاحتلال..أي احتلال، حملنا البذرة في أعماقنا، وها هي الآن أمامنا، كنا نقف في الجامعات نصيح بأعلى صوتنا ” ما باعوش” في وقت كان للكذب حضوره الطاغي، لكن العالم صحا ذات يوم، فشاهد كل شئ أمام عينيه، ورأى أجيالاً خرجت من جديد من “الأرض المحتلة” لم تزل تحمل الحجارة والمفتاح.. ولم تزل صامدة، حتى أبنائنا ها هنا عرفوا الحقيقة، ومصر.. مصر العظيمة هي الحاضرة بقوة، تنهض من جديد عملاقةً كالعادة، تذهب إلى غزة وتذيع برنامج الصباح الرئيسي لتليفزيونها الرسمي من هناك!
أي مجدٍ هذا وأي عظمة! أي قوةٍ وأي حاضر جديد يُرسَم.
أنا سعيدةٌ للغاية، سعيدةٌ لأنني أحب فلسطين وأحب غزة، لأنني فخورةٌ ببلدي وبعهدها الجديد، سعيدةٌ لأن غزة صارت على مرمى حجر.. مسافة السكة.
لا أخفي غيرتي من إنتاج إعلامي كهذا لم أكن حاضرة فيه، لا أعلم ما الذي كنت سأشارك به، لكنني شاهدت حلقة برنامج “صباح الخير يا مصر” من غزة وتمنيت أن أكون هناك، حتى لو أسير في الشوارع حاملةً للكاميرا وأقول لأصدقائي في غزة: ها قد حضرنا.
كل فرق التغطية التليفزيونية التي غادرت إلى غزة، ونقلت كل ما يحدث، كيف دخلت مصر “بقدمها الأخضر” إلى هناك، سجلت وتسجل كل شئ، أمام العالم كله، لا تزييف بعد الآن.
زملائي الإعلاميين الذين نقلوا غزة إلى القاهرة، والقاهرة إلى غزة، أنتم محظوظون للغاية، بالتأكيد تعملون في ظروف صعبة (خاصة مع الكورونا) كي تخرجوا بهذه التغطية المحترفة التي تليق باسم مصر، لكنكم محظوظون فأنتم الآن تشاهدون التاريخ يُصنع أمام أعينكم، أما من صنع الفواصل للبرنامج مزينة بخريطة فلسطين كاملة واسمها ينير الشاشة ملتحماً مع اسم مصر.. فكل الشكر، وشكراً لمن صنع تقرير عن المرأة الفلسطينية.
لم يعد يونيه يحمل ذكرى الألم وحدها مقترناً باسم غزة، أصبح يحمل معه إعادةً لإعمارها.
من الآن أتشوق للحلقة المقبلة بعد تمام الإعمار، سَيُستَبدل مشهد المبنى المتهدم في خلفية مذيعا الحلقة هدير أبو زيد و محمد الشاذلي، بآخر يشق عنان السماء.
صباح الخير يا غزة.. من قلب مصر.