إسلام وهبان
شهدت الأشهر القليلة الماضية، نشاطا كبيرا في حركة الترجمة من العربية إلى لغات أخرى، وذلك بعد الإعلان عن صدور ترجمات لعدد من الأعمال الأدبية المصرية، سواء إلى الإنجليزية أو الإيطالية أو الفرنسية، والتي تعكس زيادة الاهتمام بالمنتج الأدبي المصري.
بالتأكيد ترجمة الأعمال من العربية إلى لغات أخرى ليست ظاهرة جديدة على الأدب العربي أو المصري، لكن هناك تغيرات عدة شهدتها الساحة الأدبية خلال السنوات الماضية، سواء في الموضوعات والقضايا التي يتم تناولها أو في تكنيكات الكتابة الأكثر حداثة، كذلك اختلاف أساليب الترويج للأعمال الأدبية، أدت إلى زيادة عدد الأعمال الحديثة التي صدرت لها ترجمة عن العربية.
تزيد فرصة ترجمة الأعمال الأدبية إلى لغات أخرى، كلما كان العمل إنسانيا يقدم فكرة بطرح مختلف، ويتضمن عمقا فلسفيا إلى حد ما في قضايا مجتمعه الداخلي، وهذا ما يؤهله للانفتاح على القارئ بشكل أكبر، هذا ما أكده الكاتب المستشار أشرف العشماوي، والذي ترجمت له عدة روايات أبرزها “تويا” والتي صدرت بنسختها الإيطالية، عن دار نشر Glialtri، كذلك رواية “سيدة الزمالك”، بنسختها الإنجليزية عن دار عن دار نشر Hoopoe بالتعاون مع قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
أضاف “العشماوي” في تصريحات خاصة لـ إعلام دوت كوم، أن ترجمة الأعمال الأدبية لا تعود فقط بمنافع مادية على الكاتب والناشر، بل هناك استفادة أكبر عبر الاحتكاك بخبرات المترجمين وعقد ندوات لجمهور مختلف لمشاع وجهات نظر أخرى في الكتابة، والتي تعد متعة كبيرة وإضافة مهمة لموهبة الكاتب تصقلها وتزيدها توهجا.
من جانبه يرى الكاتب محمد خير، الذي ترجمت مؤخرا روايته “أفلات الأصابع” للإنجليزية بعنوان “slipping” عن دار نشر Two lines press الأمريكية، أن التعامل مع القارئ الأجنبي شيء مميز، مشيرا إلى أنه استمتع بحفاوة وآراء عدد كبير من القراء الأجانب والتي اتسمت بقدر كبير من الوعي والحديث عن فنيات الرواية ولغتها وليس فقط موضوعها.
يروي “خير” كواليس ترجمت روايته “slipping” قائلا:”تواصل معي المترجم البريطاني روبن موجر، بعد أن ترجم لي قصتين من قبل من مجموعتي القصصية “رمش العين”، وحصل روبن على روايتي “إفلات الأًصابع” من ناشرتي ووكيلتي كرم يوسف صاحبة دار الكتب خان للنشر، وترجمها، ثم تواصل مع الدار الأمريكية اللي رحبت بنشر الرواية”، مضيفا أن دور النشر الأجنبية تنحاز بشكل أكبر مع الأعمال التي تعبر عن واقعها المحلي.
في حين يرى الكاتب والناقد طارق إمام، والذي ترجمت له من قبل عدة نصوص وأعمال أدبية من أبرزها رواية “هدوء القتلة” والتي صدرت ترجمتها الإيطالية عن دار “أتموسفير”، أن الأعمال التي ترجمت له كانت من خلال التعامل مباشرة مع المترجم الذي أعجب بالنص، ويتم بعدها التنسيق حول النص المترجم ثم الاتفاق على آليات التعاقد مع الناشر، مضيفا أن هناك معايير مختلفة لاختيار العمل لترجمته من بينها فوز الرواية بجائزة أدبية كبرى، أو أن يكون العمل كاشفا للمجتمع ومعبرا عن واقعه، أو أن يتمتع النص الأدبي بقدر كبير من التجريب.
في سياق متصل قالت الكاتبة ريم بسيوني والتي ترجمت لها ثلاث رواايات للغات محتلفة هي “بائع الفستق” و”الدكتورة هناء”، و”أولاد الناس” أن معايير اختيار الترجمة ينوقف على طبيعة دار النشر التي تصدر الترجمة، حيث يكون لدى عدد كبير من دور النشر الأجنبية لجنة لتقييم العمل وتقديم تفرير نقدي عن العمل، لكن تبقى الخطوة الأهم تقع على عاتق المترجم نفسه.
ترى الكاتبة منصورة عز الدين، أن الترجمات في الغالب تأتي بسبب شغف شخصي من المترجم بعمل ما، أو اهتمام دار نشر بعمل رشحه لها أحد المترجمين أو قرأه محرر في الدار بلغة أخرى تُرجِم إليها، أو في لغته الأصلية، في حالة دور النشر الأجنبية التي يوجد بين محرريها أو مديريها عرب.
أردفت: “تُرجمت روايتي الأولى “متاهة مريم” إلى الإنجليزية والإندونيسية، بمبادرة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة. أما في حالة “وراء الفردوس”، التي تُرجِمت إلى الإيطالية والألمانية، فوصلتني عروض الترجمة من وكيلة إيطالية كانت تمثلني في ذاك الوقت حيث قامت بدور الوسيط بيني وبين الناشرين الأجانب واهتمت هي بكافة التفاصيل العملية، ونجحت في بيع حقوق الترجمة الإيطالية لواحدة من أكبر دور النشر الإيطالية، من خلال مزاد شاركت فيه ثلاث دور نشر مهمة، اخترنا في النهاية الدار التي تقدمت بأفضل عرض.
أما في حالة “جبل الزمرد”، فالترجمة الفرنسية جاءت بمبادرة من الناشر والمثقف فاروق مردم بك، الذي كان قد قرأ الرواية بالعربية وعرض علي أن ينشر ترجمة فرنسية لها في دار النشر التي يشرف عليها. وتُرجمت “أخيلة الظل” إلى الصربية نتيجة حماس المترجمة والأكاديمية دارجانا جورجيفيتش لها، فهي التي اقترحتها على الناشر، ووافق فورًا ثقةً منه في ترشيحاتها.
في حين يعتقد الروائي أشرف العشماوي، أنه محظوظ بناشره، فالدار المصرية اللبنانية تقدم ملخصات مترجمة إلى عدة لغات في المعارض الدولية للناشبرين من خلال كتالوجات مطبوعة طباعة فاخرة تضم نبذة عن العمل والكاتب وأسلوبه وأفكاره، مما ساعده في أن يحظى بعدة ترجمات للغات عديدة مثل الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية والصربية واليابانية، مشيرا إلى أن وكيلع الأدبي هو من يتولى التعاقدات مقابل نسب معينة للمؤلف والناشر متفق عليها دوليا، لافتا إلى أن أغلب الناشرين الأجانب الذين ترجموا اعماله كانوا حريصين على احتكار اللغات الأخرى للعمل المترجم لكن وكيله يراعي دائما التنوع.
في سياق متصل يقول الكاتب هشام الخشن، إن ترجمة روايته “حدث في برلين” جاء بعد قراءة المترجمة راندا هنري بركات، وإعجابها الشديد بها، قامت بالتواصل معي لترجمتها، ثم تم الاتفاق مع الدار المصرية اللبنانية على صدور الترجمة الفرنسية لها، حيث قامت الدار بإصدارها ورقيا في مصر، وإتاحتها إلكترونيا للقراء بمختلف دول العالم عبر أمازون وتطبيق كيندل.
لم تعد فكرة الترجمة والنشر مقتصرة على شكلها التقليدي، بل أصبحت هناك عناصر جديدة غيرت شكل المعادلة، وذلك عبر الخدمات التي تقدمها المنصات الإلكترونية كأمازون، والتي تتيح النشر الإلكتروني والورقي من خلالها، والتي تعرف بخدمة “kindle direct publishing”.
من جانبه يقول الكاتب الدكتور سراج منير إن سوق النشر الإلكتروني كبير عبر أمازون، لكن مميزاته محدودة للأعمال الأدبية العربية، حيث أنه يتيح فقط عرضها إلكترونيا، كما أنها لا تحوز على الاهتمام الكبير من القراء والمستخدمين لذا يأتي ترتيبها متأخرا، في حين يعيش عدد كبير من الكتاب في الغرب من نتاج هذه الأعمال.
أضاف أنه فكر بسبب ذلك في ترجمة إحدى رواياته ونشرها عبر أمازون، واختار رواية “نياندرتال” لأنها تجمع بين أدب الخيال العلمي والتشويق والذي يحظى على اهتمام كبير من القراء في العالم، فضلا عن إسقاطاتها على للصراع العربي الإسرائيلي والذي تبدي شريحة كبيرة من القراء رغبتها في التعرف على معلومات أكثر عنه.
أشار إلى أن الوصول لمترجمين أجانب كان شبه مستحيلا نظرا لصعوبات التواصل مما دفعه للبحث عن مترجم عربي، ليلتقي بالمترجمة إيمان ثابت، التي قامت بترجمة العمل، ومن ثم بدأت رحلة البحث عن محرر للعمل المترجم، مضيفا إلى أن عملية الترجمة والنشر عبر أمازون كلفته ما يزيد عن 3000 دولار.
لفت إلى أنه رغم صعوبات الترجمة والنشر الخاصة، إلا أنها تجربة مهمة ومفيدة للكاتب، وأنه تعرف على كثير من المميزات التي يتيحها موقع أمازون لنشر الأعمال المترجمة، حيث يمكن لأي شخص الحصول على نسخة إلكترونية أو ورقية، كذلك التحكم في نسبة ربح المؤلف، فضلا عن الخبرة التي اكتسبها من التسويق للعمل عبر شركات ومنصات أجنبية متخصصة.