أكثر من ثلاث ساعات وربما امتدت إلى أربع، لأنى لم أستطع مواصلة المشاهدة أول من أمس والإعلامى الصديق وائل الإبراشى فى برنامجه «العاشرة مساء» يسأل: لماذا لم نضع صورة مبارك فى جدارية افتتاح القناة أسوة بعبد الناصر والسادات والسيسى؟ البعض يحاول أن يجنب السيسى هذا الصراع على طريقة أنه لو كان يعلم لكان له موقف آخر، وذلك لأنهم يعلمون أن مهاجمة السيسى خط أحمر، فلا بأس من أن يتحايلوا على الموقف بصب اللعنات على الآخرين الذين أصدروا القرار من وراء ظهر الرئيس، رغم أنه وعلى وجه اليقين لو لم يكن هو صاحب القرار، فلقد تم الحصول على موافقته.
لا تنسَ أن احتفالية 6 أكتوبر التى أقامتها القوات المسلحة فى 2013 لم يذكر فيها أيضًا اسم مبارك، إنه قرار سياسى وبالدرجة الأولى يتحمله الرئيس، فلا يمكن تصور أن ثورة 25 يناير التى أطاحت بمبارك تسمح بأن يتم الاحتفاء به، الاحتفاء شىء والتأريخ شىء آخر، لا أحد ينكر أنه حكم مصر 30 عاما، ولا يتصور مثلا أن تحذف صوره من الأفلام الروائية القديمة مثلما حدث فى بدايات ثورة 23 يوليو مع صورة الملك فاروق، ولكن سيظل مبارك فى الضمير الجمعى ولدى قطاع كبير من المصريين أنه لم يكن الرجل الذى صان الأمانة.
الإذاعة المصرية فى كل احتفالات أكتوبر منذ ذلك التاريخ لا تضع أغانيه على الخريطة، وفى مثل هذه الأمور لا يجرؤ الوزير ولا رئيس الوزراء على إصدار هذا القرار، لا مجال للاجتهاد، الدولة والأجهزة السيادية من البديهى مراجعتها أولا.
فى مثل هذا اليوم قبل خمس سنوات كانت الفرصة مهيأة كالعادة للمنافقين ليملؤوا الدنيا بالهتاف لمبارك، إذ تنصب الزينات وتعلو الرايات، وتلون الدنيا كلها بصور مبارك، وسوف يجدها كالعادة المنافقون فرصة لكى يضعوا صورًا لسوزان، وسوف يجدها منافق آخر فرصة أكبر ليضع صورة جمال مبشرًا بأنه خير خلف لخير سلف، بينما الإذاعة والتليفزيون لا يكفان عن الغناء «اخترناه اخترناه.. واحنا معاه لما شاء الله».. ولن يترك شعبولا الملعب دون أن يضع «التاتش الشعبولى» مع مؤلفه الملّاكى إسلام خليل: «باحبك يا ريس وباحب قناتى/ ولو حكمت يا ريس/ أفديها بزوجتى وحماتى» وإيييييييييييييه!
ويبقى السؤال الأهم قبل وبعد افتتاح القناة هو: أين نضع صورة مبارك دراميا وإعلاميا؟ إذ لا تزال تلك المعضلة تحمل قدرًا من الالتباس. السلطة السياسية غير متعاطفة مع ظهور مبارك مجددًا للحياة العامة، أو على الأقل هكذا أنا أقرأ الموقف. الرئيس السيسى من المستحيل حتى الآن أن يذكر فى خطاب له أو بيان رئاسى شيئًا عن مبارك، الإعلام الرسمى سوف يستمر فى اتخاذ نفس الموقف وهو الحياد السلبى، الإعلام الخاص لديه مساحة أو هامش ما يضيق أحيانا ويتسع أحيانا فى اتخاذ قراره.
فضائية «صدى البلد» تحديدًا هى أكثر قناة تتعاطف مع مبارك، ومذيعها أحمد موسى الذى يتصدر عادة المشهد هو الذى أجرى مع مبارك حوارًا فى الذكرى الأخيرة لتحرير سيناء، بعد أن كُتبت الإجابات النموذجية لمبارك واكتفى هو بتسميعها. فى الحوار أثنى مبارك كثيرًا على السيسى، ولكن من الواضح أن مؤسسة الرئاسة لم ترحب بهذا الحديث، ودليلى أن مبارك لم يُتَح له الظهور مجددًا، وهذا يعنى رسالة للجميع بأنها «مرّة وتعدّى» ولا ثانية لها.
القرار السياسى الذى يلتزم به الإعلام الرسمى منذ ثورة 25 يناير هو أن لا يتم الاحتفاء بمبارك، ولم يتغير الموقف بعد ثورة 30 يونيو، والدليل القرار السياسى بعدم وضع صورته فى جدارية قناة السويس، ولا يجوز لأحد التشكيك بأن الرئيس لا يعلم.
نقلاً عن “التحرير”