Timeless نتفليكس
فاطمة خير
تستهويني دراما السفر عبر الزمن، لا أمّل منها مهما شاهدت أعمال تدور حولها، باشتراط طبعاً أن يكون مستواها الفني مرتفع، وربما أن الانجذاب إلى جديد منها ليس بالأمر السهل، باعتبار أن فكرة السفر عبر الزمن نفسها قد أصبحت مُستهلكة إلى حدٍ ما، لكن هذا لم يحدث أثناء مشاهدتي لمسلسل Timeless على منصة نتفليكس Netflix.
وفقاً لتعريف المنصة بالمسلسل، فإن أحداثه تدور بدءاً من العام 2016 وتستمر للعام 2023، حيث تنطلق مؤرّخة وجندي ومبرمج، في مغامرة عاجلة، قافزين عبر الزمن لمطاردة مجرمين غامضين يستهدفون تخريب نسيج التسلسل الزمني.
المسلسل من بطولة: أبيغيل سبنسر، مات لانتر، مالكولم باريت، والتأليف:إريك كريبك،شون راين. المسلسل ينقسم إلى موسمين، يتضمن الموسم الأول خمس عشرة حلقة، والثاني إثني عشر حلقة.
ربما من التقليدي تقديم شخص شرير يحاول تغيير التاريخ عبر سرقة آلة زمن، لكن الملفت في هذا المسلسل الذي أنتجته المنصة نفسها، وبالطبع وفقاً لمعاييرها الفنية ومعايير المحتوى؛ كيف يمكن الانتباه إلى أهمية “التاريخ” في زمن يتجاهل الجميع فيه هذا الأمر!
من حوالي عامين كنت أتحدث مع صديقة ناقدة فنية ذات رؤية مغايرة دوماً، أخبرتها أن كثير من طلاب الثانوية العامة صاروا يفضلون الالتحاق بالقسم العلمي عوضاً عن الأدبي، وهذا يختلف كثيراً عن زماننا الذي كان شائعاً في تفضيل الأدبي، كنت أقول ذلك باعتباره نقلة في وعي الطلاب وطبيعة اختياراتهم التي أًبحت تتصف بالجرأة، لكن القلق الذي انطبع على وجهها لفت نظري بل أثار دهشتي، ولم تمهلني كي أسألها عنه، فقد بادرتني لكن هذا يعني أنه لم يعد كثيرين مهتمين بدراسة التاريخ والفلسفة وغيرها من العلوم الإنسانية، هذا مؤشر يُنذر بالخطر!
لم أنس تلك المناقشة التي ربما اعتبرتها حينها نالت أكثر مما تستحق، لكن بمرور الوقت، ولاقترابي من طلاب تلك المرحلة الذين يستعدون للالتحاق بالجامعة، بل أنهم يتمترسون أولى خياراتهم عند كتابة رغباهم في آلية تنسيق الجامعات، والتي ربما يفضل حينها خريجي القسم العلمي الالتحاق بكليات أدبية إذا لم يحالفهم الحظ في الالتحاق بكليات القمة العملية؛ هؤلاء الطلبة سيكون مُخول لهم رسم مستقبل البلاد يوماً ما، فبعد انتهاء الدراسة الجامعية والالتحاق بالحياة العملية، سيصبحون جزءاً من نسيج المجتمع، سيكون لهم في كل لحظة القدرة على اتخاذ القرار مهما كان بسيطاً، ويوماً ما سيكون لهم السلطة في اتخاذ كل القرارات بحكم عامل الزمن، والسؤال هنا: ما حجم دراية هؤلاء الطلاب بتاريخ مصر؟ وبتاريخ المنطقة؟ وبتاريخ العالم؟
في مسلسل Timeless تحارب المؤرخة طوال الوقت للحفاظ على التاريخ كما هو دون تغيير مهما كان إحساسها بالتعاطف مع ضحايا لحظة معينة، وتُظهر الحلقات الأولى ارتباكها أمام كل قرار ما بين تعاطفها الإنساني وولاءها للتاريخ، خاصةً أنه تم استدعائها للمهمة فجأة، وعلى مدار الحلقات تنضج شخصية المؤرخة لتتحول من معلمة للتاريخ إلى محاربة تدافع عن مساره كما هو، وفي كل حلقة ومع مسار الأحداث، وكما اعتادت نتفليكس أن يتم دمج قناعات لديها في النص المقدم؛ إلا أنه في هذا العمل تحديداً يبدو صوت “الدفاع عن التاريخ” أقوى، حتى مع إظهار حسن نية من يرغبون في تغيير التاريخ لأسباب متعددة، انحاز المسار الدرامي إلى أهمية الحفاظ على التاريخ لأنه لا بديل عن ذلك.
يستعرض المسلسل في حلقات الجزئين منعطفات مهمة في التاريخ الأمريكي القصير، فيخرج المشاهد بدراية بمعلومات أساسية عن ذلك التاريخ دون الحاجة إلى إقحامها بشكل فج في الدراما، بل أن الدراما تم تفصيلها لتلائم تلك المعلومات، أي أن مشاهد أمريكي يمكنه الخروج بجرعة جيدة عن تاريخ بلاده (القصير) دون أدنى مجهود، وكذلك أي مشاهد من خارج الولايات المتحدة.
شاهدت المسلسل بحلقاته الممتعة على مدار أيام قليلة، استمتعت بالمشاهدة لكنني طوال الوقت كنت أشعر بالقلق وبالغيرة، وأتساءل: كم طالب من خريجي الثانوية العامة سيختار الدراسة في أقسام التاريخ “طواعية”؟
نمر الآن بمرحلة تعديل شاملة في مناهجنا التعليمية، غالباً سيستفيد منها الأصغر سناً، لكن ماذا يمكننا أن نفعل كي نضمن جيلاً لديه المعرفة الحقيقية بتاريخ بلاده، ويمتلك الإرادة الحقيقية للقتال لأجله؟
الهدف الأسمى لأحداث المسلسل كان هو الحفاظ على التاريخ لأجل مستقبل واضح المعالم، يفعل الأمريكيون ذلك لأجل تاريخهم من خلال منصة هي الأكثر مشاهدة، ونحن أيضاً نحتاج للتفكير في طرق تجعل أجيالنا الجديدة في علاقة استيعاب كامل لتاريخها الممتد، وعلاقة ولاء عميق نحوه.