المشاهير على الإنترنت
أسماء مندور
يتعرض الأطفال للعديد من أشكال التأثير خلال مراحل تكوين شخصيتهم، منها ما هو جيد، ومنها ما هو سيئ. وخلال سنوات المراهقة، خاصةً عندما يبدأ هؤلاء الأطفال في النمو بشكل أكثر استقلالية، يمكن أن يكونوا عرضة بشكل خاص للمؤثرات الأكثر سلبية.
لهذا السبب، من المهم أن يراقب الآباء حياة أطفالهم وعلاقاتهم، حتى يمكن رصد أي آثار ضارة في وقت مبكر. لكن هذا ليس بالأمر السهل، لا سيما في العالم الحديث، حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي الوسيلة الأكثر تأثيرًا، وربما الأكثر هيمنةً، على المراهقين للتفاعل مع الآخرين والعالم الكبير.
هناك العديد من أنواع المؤثرين والمشاهير على الإنترنت في المجتمعات الافتراضية، التي تغطي مجموعة واسعة من الاهتمامات والصناعات، لكن الأكثر تأثيراً من بينهم، هم أولئك الذين يركزون على “الموضة والجمال”.
في عالم مهووس بالشكليات والسعي لتحقيق الكمال “الجسدي”، أصبح المظهر مفتاح النجاح في عالم الإنترنت المزدحم. لكن المظاهر في كثير من الأحيان تكون خداعة، فغالبًا ما يتضمن هذا التلاعب بالصور، لجعلها تبدو جيدة قدر الإمكان، بل أحيانًا لدرجة يصعب معها التعرف على الشخصية الحقيقية.
يخلق هذا نظرة “غير واقعية” للغاية عن المظهر والجمال لدى الفئات الأصغر سنًا، مما يزيد من الضغط على المراهقين، الذين قد يشعرون بالقلق من أنهم لا يستطيعون الارتقاء إلى هذه الفكرة “الناقصة والمشوهة” عن الكمال الجسدي، مما يؤدي إلى مشاكل صحية جسدية ونفسية فيما بعد. وعلى الرغم من أن المراهقين قد يدركون أن حياة المؤثرين في الحياة الواقعية تختلف تمامًا عن الحال في الصور المعدلة بعناية على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنهم مازالوا عرضة للتأثير السلبي لصور الكمال غير الواقعي وغير القابل للتحقيق.
قد يتساءل البعض لماذا، إذا كان المراهقون يدركون أن صور المؤثرين غالبًا ما يتم التلاعب بها وليست انعكاسًا دقيقًا للواقع، فلماذا لا يتجاهلون ببساطة المعايير غير الواقعية للجمال والقبول النفسي. السبب الذي يجعل الشباب لا يستطيعون ببساطة تجاهل الصور التي يشاركها المؤثرون، على الرغم من علمهم أنه تم التلاعب بها رقميًا، هو ظاهرة معروفة في علم النفس باسم G.I. Joe Fallacy.
تشير هذه الظاهرة إلى فكرة مفادها أن “مجرد معرفة التحيز يكفي للتغلب عليه”. الاسم مشتق من برنامج الرسوم المتحركة التلفزيوني الأمريكي جي.آي. جو. تضمنت كل حلقة منه إعلان خدمة عامة والتعليق الختامي عليها الذي يقول: “الآن أنت تعلم، والمعرفة هي نصف المعركة “.
إدراك عقلك للواقع لا يعني أنه يقبله. لذلك، على الرغم من أن المراهقين يعرفون أن هؤلاء المؤثرين يستخدمون الفلاتر للتلاعب بصورهم، إلا أنهم لا يزالون لا يسعهم إلا الشعور بعدم الأمان، حيث أن نمو الدماغ خلال سنوات المراهقة يلعب أيضًا دورًا في كيفية استجابة الشباب لتلك الصور، حيث تتزايد اتصالات المادة البيضاء، المسؤولة عن نقل النبضات العصبية بين الخلايا العصبية، والتشابك العصبي في أدمغتهم، مما يؤثر بشكل كبير على تحكمهم في السلوك، لأنهم لا يزالون في مرحلة التعلم والمحاكاة.
من الناحية النفسية، نظرًا لأنهم أصبحوا بالغين، لكن غير ناضجين، فإنهم يسعون إلى الاستقلالية، وأن يخرجوا من عباءة والديهم، لذلك يبحثون عن أي شكل من أشكال التأثير خارج المنزل. وبالطبع الشخصيات على مواقع التواصل الاجتماعي هي الأكثر سهولة والأكثر تأثيرًا.
من هذه الناحية، يجب على الآباء تثقيف أطفالهم للمساعدة في إعدادهم نفسياً لطبيعة الإنترنت الخادعة، ومنع أي آثار ضارة على صحتهم العقلية. هذه المشاعر شائعة، حيث قال المعالجون النفسيون إن عدم الرضا الجسدي بين المراهقين يمكن أن يسبب العديد من المشاكل. وفي الوقت الحاضر، أصبح المراهقون جيلًا مهووسًا بالصور، يتابع باستمرار كل ما هو جديد. لذا فإن وجود هذه الأفكار يمكن أن يؤدي إلى العديد من الاضطرابات المحتملة الأخرى مثل؛ الشره المرضي العصبي، وفقدان الشهية العصبي، وكذلك اضطراب تشوه الجسم.
لا يقتصر تأثير المؤثرين على الصحة العقلية للمراهقين فحسب، بل يؤثر أيضًا على أنماط الحياة المترفة التي يجسدونها ويتأثرون بها. على سبيل المثال، ساهمت رغبة أحد المرضى المراهقين في محاكاة نمط حياة مؤثر معين في إصابته بالاكتئاب.
خلاصة ذلك درسًا مفاده أن المراهقين يبحثون عن المؤثرين وهذا يقودهم إلى الرغبة في تقليد أنماط حياتهم، ولكن مثل معظم الأشياء في الحياة، هناك جوانب إيجابية وسلبية للإنترنت. وفي حالة المؤثرين من المهم أن نعلم أطفالنا درسًا مهمًا، وهو أن “ما يعرضه الناس يختلف تمامًا عن الواقع الذي يعيشونه”.