"قمر فضة" الديوان الذي كشف صاحبه

باسم شرف يكتب قمر فضة

ظل طوال عمره يخبئ ما بداخله من صراعات وهزائم وجاء هذا الديوان ليكون مرآة تنقل الوجع وتجاعيد الزمن الذي مر من أمامه وهو يراقبه.

في تجاربه الأولي ظل يحاول أن يجمع شتات التجارب الأخرى التي حضرت من قبله للحياة.. ظل يحاول تفكيكها بعناية شديدة ويتدرب كلاعب يعود للملعب بعد بلوغه السن القانوني للاعتزال ليعلن أنه لاعب ناشئ.
(أنا حزين) لم يكن يجرأ أحمد شبكة أن يفصح عن كلمة مثل هذه من قبل.. جاءت بسيطة كصباحته اليومية التي يخبرنا فيها بأن هذا الصباح جميل.. كبائع ورد يتحدث إلي سيدة عجوز عن قسوة اللون الأحمر في الورود.. واضح وصريح.. فالورد لا يحتاج للون واضح حتي تحبه.. تحبه لكونه وردا.

باسم شرف
باسم شرف

نرشح لك: قصة يوم عاشت فيه مصر بدون صحافة!

شاشة التليفزيون القديمة التي يضعها في جانب غرفته، لم تصبح ديكورا ولكنها ظلت جزءا أصيلا من يومه، تضيق به الدنيا فيقوم من جلسته المستقرة ويضع ريموت شاشة البلازما ويقوم بتشغيل تلفزيونه الأبيض والأسود بقنواته الثلاث وبكرة التشغيل التي كانت تضع حدا للكسل، ويشاهد فيلما قديما بتشوشات تريح قلبه، يرى العالم وهو يمشي ببطئ وينتظر الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل لينتهي كل هذا العبث ويترك التلفزيون يعمل بصوت خافض للتشويش اليومي الذي اختاره الزمن، وينام ويده على ريموت البلازما.

أحمد شبكة
أحمد شبكة

(كان تلفزيون
وكمان كان أحلامه بسيطة..
اتلون لما اتلونت الدنيا ووسعت .. مع إنه لحد اللحظة الحالية .. ما زال بيحن ..
لزمن الأبيض والأسود.
اتلون
بس ما زال بيحافظ علي درجات الأزرق
ويسيبها تليق على أول بمبي متاح ).

يفتح باب المنزل ويخرج للعمل، يجد لوحة رسمها فنان شاب على الجدران، وهرب دون أن يضع إمضاء باسمه تحتها، هكذا قال في نفسه، مكتوب فيها
(مكسور
بغباء العالم ده اللي ماسابش سعيد مسحور)
ظل ينظر لها بتمعن، ويلمسها بأصابعه بهدوء، عرف أنها لوحة قديمة مر عليها الزمن، نظر لها بحزن وعرف أنه رسمها منذ أن كان صغير،
ركب سيارته وقام بتشغيل الراديو الصباحي وجد المذيعة المبتهجة تقول
(الكآبة كتير
ومتسابة
والسنين بـ تمر حسابة
دنيا إيه مش دنيا
دي غابة).

وجاءت أغنية (يا صباح الخير ياللي معانا) بترتيب أتوماتيكي لا يعرف مستمعيه.

وسط زحام الشارع ينزل من سيارته ويسير وسط الجموع يحاول أن يلتقط غريب يحكي معه وهو يشتري بضائعه الرخيصة ويقول له
(هنقوم ؟)
لا ينتبه له الغريب العابر ويكمل ما يريد ويقول له:
(هنقوم
لكن بهدوم أضيق من الوقت
ووعود بتقول إنك صدقت
إن الأجمل جاي
مستنيك)
اشتري الغريب العابر بضائعه ودخل في زحام آخر، هكذا جاءت صرخته خارج وطنه الذي يعرفه جيدا، أصبح مغتربا يحكي القصائد للعابرين دون آلة موسيقية تلفت الانتباه، وقبل أن يترك الزحام الجبري يصرخ بصوت عالي
(أنا واحدة واحدة
بانسحب من وسطكم
من غير ما حتي يبان لكم
إني ف وضع سلام)
هكذا يعيش الغريب والوحيد، يقاوم نفسه ليكون وسط الجميع لكنه يربح نفسه في نهاية اليوم واضعا رأسه على كفه وينام.
يأتيه هاتف من ماضيه يخبره بأن هناك أمل ويعنفه ويقول له لماذا لم تصرخ فيهم وتقول
(اطمنوا ..
هتعودوا تاني لكل شئ)
لم يرد عليه شبكة واستيقظ من نومه ليصنع فنجان قهوة سادة بن غامق ويقول
(وتفرد ضهرك وتبص بعيد
ترجع تاني الأيام تتنيك
فتوطي تلم الحلم الفاضل
وتفاضل
بين جاي ماجاش
وشوية ود يخلي اليوم يتعاش
هنقوم؟
هنقوم
وننام
ونقوم
يمكن في الحلم .. الحلم يدوم)

في يوم ميلاده الذي ينساه كل مرة ويتذكره بمكالمة من قريب وهو يقول له (كل سنة وأنت طيب يا عم أحمد)
لا تشغله الدعوة المجانية التي أتت له ولكنه الآن مشغول بالعمر الذي مر
(عجزت يا واد يا أحمد
مابقاش مخلوق قادر يندهلك زي زمان باسمك صافي
لازم قبليها الخال والعم
شكلك ولا عدت خلاص فاكر
غير إن أنت بقيت كبارة
آه يا الأيام الجبارة
آه يا الأيام الغدارة
وآهين يا العمر
يا اللي ما سبت لي غير حبة حب)
ما زال يقاوم ويبحث عن مخرج لصراعه الجديد الذي تم زرعه بداخله ويحاول أن يوزع الأحلام والأصدقاء والأيام على الغرباء
(المتر بكام
طب هات لي معاك شبرين غربة
افرشهم جوه بيوت دافية ورافضة تسافر
ومصرة تعاند وتعافر بين حضن الأهل ويوم مش سهل)
يفتح أجندة صغيرة مدون عليها عام ولادته كان يحتفظ بها عندما جاء بها والده من الشركة التي يعمل بها وقرر أن تكون ذكرى لابنه ربما يكتب قصيدة عن الأيام الجميلة
فتحها وكتب فيها
(آن الأوان
إنك بقى ترتاح
من بعد مشوار زاد عن الطاقة
خبيت جراح بتداري بيها جراح
وما بانش غير نورك من الطاقة
آن الأوان
تكبر بقى بسلام)
طوى الورقة التي كتبها ونزعها من الأجندة وأرسلها لدار نشر لتنشر تحت عنوان (قمر فضة) للشاعر أحمد شبكة.

قمر فضة