طالب خبراء الإعلام ورؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية المصرية بضبط المشهد المهني، من خلال وضع ميثاق شرف للإعلام الرقمي، يتناول قواعد الممارسة المهنية، ويستلهم من أصول المهنة الأسس التي يمكن أن تقوم عليها صحافة محترفة تراعي حقوق الجمهور والمجتمع والدولة.
جاء ذلك في إطار الحلقة النقاشية “نحو ميثاق شرف للإعلام الرقمي”، التي انعقدت ضمن فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر كلية الإعلام جامعة القاهرة العلمي الدولي السادس والعشرين تحت عنوان “الإعلام الرقمي والإعلام التقليدي: مسارات للتكامل والمنافسة”، والذي يناقش عددا من القضايا في صناعة الإعلام، من خلال العديد من الدراسات العلمية والحلقات النقاشية التي تبحث في تقنيات الإعلام الرقمي والتأثيرات المتبادلة بينها وبين وسائط الإعلام التقليدي.
وناقشت المائدة المستديرة، التي ترأستها الدكتورة هويدا مصطفى، عميدة الكلية، وأدارتها الدكتورة ليلى عبد المجيد، الأستاذ بالكلية، عددا من المحاور هي: “الممارسات الأخلاقية، والضوابط المهنية، وحرية الرأي والتعبير، في الإعلام الرقمي”، كما طرحت المائدة للمناقشة والتطوير مبادرة تتمثل في مسودة مشروع لميثاق شرف مهني للإعلام الرقمي، ككود مهني وأخلاقي، بهدف طرح الرؤى التي تجعل هذا المشروع صالحا للتطبيق العملي في مختلف الصحف والمواقع الإلكترونية.
وقالت الدكتورة هويدا مصطفى، عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة، إن الإعلام الرقمي الجديد، إعلام له أدواته ووسائله وإمكانياته في ظل ما نشهده من تحديات عدة خلال الممارسة الرقمية، فهناك مواثيق شرف إعلامية تنظم امتلاك وسائل الإعلام؛ وبقيادة الدكتورة ليلي عبد المجيد وضعنا تصور لميثاق شرف الإعلام الرقمي برؤية لمجمل الخبرات.
من جانبها، صرحت الدكتورة ليلى عبدالمجيد، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن الميثاق يقوم على الحرية المسئولة، والحق في المعرفة، والحق في الخصوصية، ويقوم على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والدستور المصري، ويعمل على تحقيق التوازن بين العمل الصحفي والإعلامي واحتياجاته الواقعية، والجوانب المهنية والقانونية والأخلاقية التي تجب مراعتها، لافتة إلى أن الميثاق المقترح يتضمن ملاحق متعددة تتضمن موضوعات مثل: سر المهنة، وتغطية الجرائم، وغيرها.
وأوضح الأستاذ خالد البرماوي، خبير الإعلام الرقمي ومقرر الحلقة النقاشية، أن العمل الإعلامي يحتاج إلى “الشك، التحقق، التوثيق”، مع التمييز بين المحتوى الإعلامي من جانب، والمحتوى الخدمي والترويجي من جانب آخر، وهي عملية ليست سهلة الضبط، لافتا إلى أن كثرة المحتوى وسرعة تدفقه داخل المواقع الإلكترونية ينتج عنها المزيد من الأخطاء في كثير من الأحيان.
وعرض “البرماوي” العناصر التي يتضمنها الميثاق وتشمل تعامل الصحفي مع المصادر، والجمهور، ومواقع التواصل الاجتماعي، والصور والفيديو، والفصل بين دور الصحفي وممارسات الناشط السياسي أو الحقوقي، وقواعد إعادة نشر المحتوى ونقله، وغيرها.
وطالب خالد ناجح، رئيس تحرير بوابة دار الهلال، بتقنين أوضاع الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية، لافتا إلى أن نقابة الصحفيين ترفض تسجيلهم ضمن قوائمها، وبالتالي لا تكون لدينا وسيلة لمحاسبته، وداعيا إلى التزام الصحفيين على صفحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي بمواقف مؤسساتهم وعدم انتقادها، أو الاستقالة.
وذكر علاء الغطريفي، رئيس التحرير التنفيذي لمجموعة أونا للصحافة والإعلام، نموذج صحيفة “النبأ”، التي أغلقت بحكم قضائي بسبب نشرها صور من فيديو إباحي، ومنتقدا نشر موقع إلكتروني معاصر فيديو لفعل فاضح منذ فترة قريبة، لافتا إلى أن اختيار الأخبار يجب أن يخضع لأربعة عوامل هي: تأثير، تغيير، تقارب، تسلية، منتقدا أن الممارسات في الواقع تركز على العامل الأخير فقط، مشددا على ضرورة تقنين “صحافة البث المباشر” على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم السماح بإجراء مقابلات مع مصادر غير مسئولة عن أفعالها بسبب ظروف خاصة صحية أو ما شابه، ومنع خطاب العنف والكراهية والتنمر، وداعيا إلى توظيف التكنولوجيا في تعميق المحتوى الصحفي بأشكال مثل “الكروس ميديا” و”صحافة البيانات”.
وأعرب عماد الدين حسين، رئيس تحرير الشروق، وعضو مجلس الشيوخ، عن أسفه لوجود مواقع صحفية غير مرخصة، تعمل دون حسيب ولا رقيب، وتفرز عنها أكثر المشكلات المهنية في الواقع، متسائلا عن وسائل أخرى للتعامل مع المواقع القادمة من الخارج باستثناء الحجب، ولافتا إلى المشكلات المادية في صناعة الصحافة والمواقع الإلكترونية والإجراءات التقشفية، والتي تمثل ضغطا على الصحفيين، وبالتالي تهدد جودة محتواهم الصحفي ومستواهم المعرفي.
وقال أيمن عبد المجيد، رئيس تحرير بوابة روزاليوسف، إن الصحافة باتت مهنة من لا مهنة له، مشيرا إلى ظاهرة شراء وقت على الهواء في البرامج التليفزيونية، وتحديد معايير منضبطة للعمل في الإعلام، سواء لخريجي الإعلام، وغير ذلك، داعيا إلى ضبط المصطلحات التي يتم تداولها إعلاميا، وتطوير المقررات الدراسية بكليات الإعلام بما يناسب التطورات الحالية في العمل الاعلامي.
كما أشار أيمن عدلي، وكيل نقابة الإعلاميين، إلى أنه يجب ألا يطلق شخص على نفسه “إعلامي” إلا بالحصول على تصريح مزاولة المهنة، مطالبا بتطبيق القانون، ومعتبرا “الصحيفة” مستندا يحفظ تاريخ الأمة والوطن، ويمكن الرجوع إليه بعد زمن، وأن يكون هناك بناء لجيل جديد من الإعلاميين، يقدم الإيجابيات ويواجه السلبيات.
وفي نفس السياق، أكد وجدي زين الدين، رئيس تحرير بوابة الوفد، أن إدارة صحيفة مطبوعة تختلف عن إدارة موقع إلكتروني، فالأولى تمر بسلاسة، بخلاف الثانية التي تمتلئ بالمشكلات، لافتا إلى أن التشريعات المصرية غير كافية لصناعة وتقنين المواقع الصحفية الإلكترونية، متسائلا عن وجود إرادة سياسية وعلمية لضبط هذه المشكلة، منبها إلى إشكالية التوازن بين سياسة الحزب من جانب، ودعم الدولة الوطنية المصرية من جانب آخر.
وقال أكرم القصاص، رئيس مجلسي الإدارة والتحرير لصحيفة اليوم السابع، إن “العمود الرئيسي” لميثاق الشرف في الصحافة التقليدية هو نفسه الذي يجب العمل به في الصحافة الرقمية، رافضا فكرة الحديث عن انتهاء الصحافة التقليدية بظهور الرقمية، مطالبا بتعريف الفروق بين الصحفي والشخصية العامة والمسئول الرسمي، خصوصا إذا كان الشخص الواحد يجمع ما بين أكثر من صفة مما سبق، والحق في استخدام الصفحات الشخصية لعرض الآراء الخاصة وعلاقتها بالجهة المهنية التي يتبعها الصحفي.
وطالب هاني لبيب، رئيس تحرير موقع “مبتدأ”، بعمل ورشة عمل مغلقة لرؤساء تحرير المواقع والصحف لوضع ميثاق شرف يلبي واقع المهنة، ومتطلبات الممارسة، واحتياجات المجتمع والدولة.
وصرح الدكتور محمد الباز، رئيس مجلسي الإدارة والتحرير لصحيفة الدستور، إن المشكلة تتمثل في الحديث عن القواعد المهنية دون الالتزام بها، والسبب هو أن بعض الصحفيين يتلقون هذه القواعد باستهانة وشعور بعدم الواقعية، مطالبا بضرورة توسيع الإطار المرجعي لميثاق الشرف بحيث تشمل الدراسات الأكاديمية وليس فقط الإعلام العالمي لحقوق الإنسان والدستور المصري، لافتا النظر إلى صعوبات تعامل الصحفيين مع المصادر، والاعتبارات السياسة التي تحكم العمل الصحفي، وتضغط على الاعتبارات المهنية أيضا، مؤكدا أنه يمكن وضع ميثاق شرف واقعي عندما تنتفي “المثالية” عن تفكيرنا.
وقال محمد عبد الرحمن، رئيس تحرير موقع “إعلام دوت كوم”، إنه في حالة إقرار ميثاق شرف للإعلام الرقمي لا بد أن يتم تحديثه كل عام، وأن تضع كلية الإعلام تقرير سنوي لرصد أكثر الأخطاء الشائعة، مشيرا إلى أنه يؤخذ على الميثاق أن معظم البنود موجهة للصحفي وليست موجهة للمالك أو رئيس التحرير، وطالب بوجود بند يلزم المالك ورئيس التحرير بالتدريب المستمر للصحفيين مع استبعاد الصحفيين متعددي الأخطاء.
الجدير بالذكر أن المؤتمر يٌقام خلال يومي 11-12 يوليو 2021، تحت رعاية الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، وبرئاسة الأستاذة الدكتورة هويدا مصطفى، عميدة كلية الإعلام، وتحت إشراف الأستاذة الدكتورة وسام نصر، وكيلة الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث، أمين عام المؤتمر، وبمشاركة عدد كبير من الباحثين وأساتذة وخبراء الإعلام المصريين والعرب والأجانب.