هدير عبد المنعم ـ تكتب ركن بجهنم للصحفيين
أخبرتني إحدى الصحفيات مازحة في أول يوم تدريب لي بأن “كل الصحفيين هيدخلوا النار، وهيبقى فيه ركن بجهنم للصحفيين فقط”.
الآن أدرك كل يوم أنها كانت محقة، فالصحفي الذي استيقظ من النوم صباح أولى أيام امتحانات الثانوية العامة، واجهد عقله وفكر واستدعى روح المؤلف والسيناريست التي بداخله، وقرر أن ينشر عن وجود سؤال صعب بالامتحان، وهو جمع كلمة حليب، ويبدأ أهل مواقع التواصل الاجتماعي بالصياح، ويتصدر السؤال الترند.
والحقيقة أن السؤال لم يأتِ بالامتحان من الأساس، حتى أن الطلاب شكوا في أنفسهم، وظنوا أن السؤال جاء ولم ينتبهوا له.
المثير للدهشة أن الجميع من جمهور وصحفيين تناقلوا الخبر بثقة عمياء، وهذا يعني أن الجمهور ما زال يثق بالصحافة وأن السلطة رابعة ما زال لها تأثير خطير، كما أن الزملاء الصحفيين ممن انساقوا وراءه دون تحقيق للمعلومة، لديهم مشكلة كبيرة.
ودعونا نضع المصطلحات المهنية والأخلاقية جانبا -سنعود لها في وقت لاحق- فالأزمة هنا في الكسل، لو سأل صحفي طالب واحد، أو مصدر من وزارة التربية والتعليم، ليتأكد هل جاء السؤال أم لا؟ وماذا كانت الإجابات الموجودة للاختيار منها، لعرف أن الأمر لا أساس له منه الصحة.. هنا نعود ونتساءل عن الأخلاقيات والمهنية، وهل كان سيتراجع الصحفي عن نشر الخبر المؤلَف، أم أن “الريتش” سيغير رأيه؟ في النهاية هنيئا للمؤلف الصحفي بالترند، ونود أن نعلمه أنه حجز مكانه بذاك الركن المذكور أعلاه.
وواقعة أخرى، حيث نُسب لدار الإفتاء المصرية، أنها حرمت بعض الأسماء، ونفت الدار ذلك، هنا أيضا خبر من وحي خيال الصحفي، الأستاذ ألف وانتقى بعض الأسماء -لا أعلم لمَ تلك الأسماء بالذات، هل تلك الأسماء لشخصيات حقيقية ترتبط بذكريات سيئة في حياته فكره الاسم وقرر تحريمه؟ – وقال إنها حرام، بل ودار الإفتاء هي من قررت ذلك، وكما حدث في الواقعة السابقة، وثق الناس في الموقع الصحفي الذي نشر الخبر وتداولوه بكثرة “فالتسماء المختارة كانت رائجة وحديثة وتجاري الترند”، وكل ذلك لم يحدث من الأساس، ونفته دار الإفتاء.. هنا نهنئ صحفي آخر على الخيال الواسع حد “البهوءة”، كما نهنئه على حجز مقعد آخر بجانب زميله بالركن السابق.
النماذج السابقة ومن يسيرون على دربهم، يبحثون دائما عن شيء واحد “الريتش”، ولعنة الله على السيد “ريتش”، الذي قضى على التساؤل المتكرر “هل المتعة في الرحلة أم الوصول؟”.. فهو جعل المتعة في الوصول وفقط، بغض النظر كيف تحقق هذا الوصول.. بالكذب، التضليل، التفاهة، الانحطاط، المهم أن تصل.. حمدا لله على السلامة فقد وصلت إلى ركن بجهنم للصحفيين فقط.
وكل ما أتمنى ألا تصدق باقي مقولة الزميلة الصحفية “كل الصحفيين هيدخلوا النار”، فقط حتى لا اجتمع بهؤلاء الذين هم للأسف صحفيون.