الملحنون والشعراء الكبار غاضبون، كانوا ينتظرون أن يحتلوا الواجهة فى احتفالات القناة، من المستحيل أن يشارك الجميع، لا بد من الانتقاء.
وهكذا لم نجد مثلا حلمى بكر أو محمد على سليمان أو صلاح الشرنوبى، من حق كل فنان أن يعبر عن رغبته فى تصدر المشهد، لا أتصور أن الأمر له علاقة بجيل جديد يزيح جيلا كبيرا، والدليل أن عُمر خيرت لا يزال يحتل الواجهة، وهو بالطبع محسوب على جيل الكبار. عُمر احتفظ بلياقته الإبداعية فى ذروتها، يقف متألقا وهو فى منتصف العقد السابع من عمره، ولم يستطع أحد من الجيل التالى أن يطاوله فى دائرته الموسيقية، فهو الوحيد الذى من الممكن أن تسند إليه الدولة عملا سيمفونيا متكاملا، بالطبع الأمر يحتاج إلى ستة أشهر كحد أدنى، وهكذا شارك هذه المرة بعزف وغناء المجموعة «تبقى إنت صحيح المصرى» و«فيها حاجة حلوة».
تستطيع أن ترى عمرو مصطفى يقف بين الشباب فى المقدمة، فهو يتمتع بثقة الدولة، وبرغم عدائه السافر لثورة 25 يناير، والعديد من آرائه التى يحمل الكثير منها مراهقة فكرية وسياسية، فإنه لا شك صاحب جملة موسيقية عصرية ومشاغبة وروشة، سهلة الترديد، آخرها «بشرة خير».
وهكذا على الجانب الآخر بدأ مصطفى كامل فى رحلة الخفوت بعد «تسلم الأيادى»، استشعرت الدولة أنه لا يحمل المقومات التى تؤهله ليصبح الواجهة الشعبية للموسيقيين فى مصر، و لم تسانده فى انتخابات النقابة، وجاء هانى شاكر كواجهة مشرفة، حتى لو لم يكن هانى الآن فى المقدمة على خريطة الغناء، إلا أنه لم يغادر الرقعة، وقبل كل ذلك يحظى بالتاريخ والاحترام.
الدولة دائما تبحث فى كل العهود عمن يمثلها، عبد الحليم كان وجها لثورة يوليو وجمال عبد الناصر، فى الحساب الختامى لحصيلة أغانى ثورة 23 يوليو لا يستطع أن ينكر أحد أن أم كلثوم وعبد الوهاب لهما مساهمة لا تنكر، ولكن يظل عبد الحليم ومعه موسيقى كمال الطويل وشعر صلاح جاهين هم غلاف كتاب أغانى يوليو.
الدولة تبحث عمن تحقق من خلاله النجاح، لم يعد من الممكن أن يسيطر عليها الفكر القديم موسيقيا أو دراميا. نتذكر مثلا كيف كان محمد ثروت هو الواجهة فى الثمانينيات، فى بداية عهد مبارك كان هو المطرب الوحيد الذى لحن له عبد الوهاب من جيله، ليس لأنه يعتبر صوته استثناء، ولكن لأن عبد الوهاب كعادته يعمل حسابا للدولة، وهكذا قدم له «مصريتنا حماها الله»، ومؤسسة الرئاسة هى التى استبدلته فى عقد التسعينيات، عندما اكتشفت أنه لا يملك حضورا حقيقيا فى الشارع. الفيصل عادة فى مثل هذه الأمور هو ترمومتر النجاح، والكل يتحسس الطريق، حتى تتمسك الدولة بحضوره فى المناسبات الوطنية، وهكذا رأينا محمد منير هذه المرة راهن على أغنية «فات الكتير يا بلادنا» للكابتن غزالى، واحد من قادة المقاومة فى السويس، والأغنية تعود إلى 67 فى أثناء حرب الاستنزاف، بينما الآخرون بحثوا عن النغمة الجديدة التى قدم الجزء الأكبر منها الملحن عمرو مصطفى، والشاعر أيمن بهجت قمر.
مساء أمس كان اللقاء والغناء، وأكتب لكم هذه الكلمة قبل الاستماع.. وغدًا نُكمل.
نقلًا عن موقع “التحرير”