تفرق المصريين سياسيًا و اقتصاديًا حول المشروع الأخير لقناة السويس ثم اجتمعوا ليلا أمام شاشات التلفاز لمشاهدة الحفل الافتتاح، توقعت المزيد من الأوبريتات التي تمجد الحاكم و تحتوي على كلمات مستهلكة من نوعية مصر و النصر أو بلدي وولدي، مع الكثير من الرقصات الشعبية، و لكن ما شاهدته كان أفضل كثيرا من توقعاتي و أستطيع معه تصنيف الحفل بأنه من أفضل الحفلات التي قُدمت في المناسبات الرسمية، و لهذا الرأي أسباب أحاول تلخصيها في التالي:
1- وضوح البرنامج: تم تقسيم الحفل كله إلى فقرتين، و تم الإعلان عن هذا تفصيلا في عدة قنوات تلفزيونية و مطبوعات قبل الحفل ليعلم المشاهد ما سيشاهده دون مفاجآت، بالنسبة للفقرة الأولى، جاءت مقطوعات و ألحان عمر خيرت و معظمها مألوفة و محفوظة لدى المشاهدين. أما الفقرة الثانية و هي إحدى فصول أوبرا عايدة، فحتى لغير المتخصصين، تعد الموسيقى الافتتاحية لهذه الأوبرا مألوفة جدًا بالنسبة للمصريين مع شكل الأزياء الفرعونية المحفوظة. أما المعتاد من قبل فكان أن تكون هناك حفلة يتم الإعلان بشكل متفرق عن مغنٍ هنا أو فنانة هناك دون معرفة الدور أو الشكل الذي سيظهر به هؤلاء.
2- عدم طول الفترة الزمنية: أخذت الفقرة الأولى قرابة الأربعين دقيقة، و طالت أو قصرت فمعروف أن متوسط مدة المقطوعة الواحدة حوالي الخمس دقائق و بعدها ستبدأ مقطوعة أخرى. و بالنسبة لأوبرا عايدة فكان المعلن أيضًا هو عدم عرض الأوبريت كاملا و لكن إحدى فصوله مما يعد بفترة محدودة لن تطول. و هو ما يختلف عن الأوبريتات المعتادة في المناسبات السابقة التي لا يعلم المشاهد مدة محددة لها و متى ستنتهي، و هذا ما يقود إلى النقطة الثالثة.
3- عدم وجود أوبريتات وطنية: بالتأكيد يحفظ الكثيرون بعضًا من كلمات الأوبريتات الوطنية القديمة التي عرضت في مناسبات متفرقة ، مثل “اخترناه” و “النسر المصري” بسبب مجهودات الفنانين المشاركين فيها و على رأسهم الراحل العظيم عمار الشريعي، و لكن في النهاية ينتهي الأمر بالمشاهد للسخرية من كم المبالغات التي تحتويها كلمات هذه الأوبريتات. كذلك صار الكلام المكتوب مكررا خاصة مع الموجة الضخمة للأغاني الوطنية التي انتشرت في الآونة الأخيرة. هنا جاءت الموسيقى هي البطل، فلا كلمات جديدة، جميعها أغانٍ سبق الاستماع إليها في الفقرة الأولى، و الفقرة الثانية أيضًا كلماتها قديمة جدا منذ ما يزيد على القرن و لكن باللغة الإيطالية.
4- التركيز على ما نجيده: لماذا نبتكر و نخاطر في حفل يشاهده الملايين داخل و خارج مصر و لدينا علامات جاهزة و جيدة و مضمونة من التراث كأوبرا عايدة و من الحديث كموسيقى عمر خيرت ؟ كفانا رقصات بالعصي و الجلابيب و الشكل المكرر المستفز للفريق الاستعراضي مرة بالزي العسكري و مرة بالزي الفرعوني ، هذه العروض التي لا يتقبلها المشاهد المصري بالتأكيد لن “تبهر العالم” كما هو شائع.
5- عمر خيرت: إذا كان لدينا في مصر عمر خيرت فكيف لا نستفاد من جوده ؟ موسيقار بحجم عمر خيرت تصل موسيقاه لمستوى العالمية، مقطوعاته الجميلة يستطيع فيها المزج بين الموسيقى الشرقية و التوزيع الأوركسترالي كما بين دسامة التوزيعات للمستمع المتمرس و بساطة الجملة الموسيقية للمستمع العادي. التأثير الذي ألقاه عمر خيرت و موسيقاه منذ ظهوره على المسرح كان ساحرًا بمعنى الكلمة للدرجة التي لم يشعر معها المشاهد و المستمع بمرور الوقت، و يطلب المزيد بعد انتهاء كل مقطوعة.
لا أستطيع القول بخلو الحفل من الأخطاء فكانت هناك أخطاء إخراجية كثيرة أبسطها عدم التركيز مع الآلات التي تلعب الصولو في مقطوعات عمر خيرت و القطع على أي آلات أخرى، و لكن مما سبق استطعت رؤية هذا الحفل أفضل كثيرًا مما سبقوه، و أتمنى أن تكون هذه بذرة حقيقية لما سيأتي ليكون لدينا حفلات على مستوى لن أقول عالمي و لكن على الأقل جيد.