دنيا شمعة
سبوبة الإنفلونسرز
اعتدنا في السنوات القليلة الأخيرة على المكاسب المبالغ بها، التي أصبح بعض مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي يحصلون عليها بمنتهى السهولة، من وراء الدعايا التي يقومون بها لمختلف المنتجات والخدمات عبر حساباتهم، والتي يعلنون عنها بدون رقابة على مصدر هذه المنتجات أو حتى على المبالغ التي يحصلون عليها.
استحدث مؤثرو مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا بعض “الإنفلونسرز” على تطبيق تبادل الصور والفيديوهات “إنستجرام”، منذ فترة ليست قليلة حيلة جديدة لجني مزيد من الأرباح عنوانها “تزويد الفولورز” عبر مجموعة من المسابقات التي يكون واجهتها واحد أو أكثر منهم، والذي عادة ما يكون لديه أكثر من مليون متابع، وكلما زاد عدد متابعيه عن المليون كلما زاد عدد المشتركين في المسابقة وكلما زادت قيمة الاشتراك بها.
فكرة هذه المسابقات تقوم على اشتراك مجموعة من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الذين يريدون تسويق منتجاتهم وخدماتهم عبر “إنستجرام”، بمبلغ مالي يصل لآلاف الجنيهات وأحيانا عشرات الآلاف للفرد الواحد في إحدى هذه المسابقات مع أحد “الإنفلونسرز”، ليقوم هو بدوره بتجميع أكبر عدد ممكن منهم أو من أشخاص عاديين يسعون خلف زيادة عدد المتابعين على حساباتهم. تجميع مبالغ الاشتراكات وشراء هدايا مغرية بين مجوهرات من الذهب وأحيانا الألماظ، وهواتف الأيفون الباهظة، وأجهزة منزلية ومنتجات مرفهة متنوعة وجوائز نقدية، ثم يقوم بعرضها عبر حسابه ويدعو متابعيه لمتابعة هذه الحسابات وتنفيذ عدد من الشروط كدعوة أصدقائهم لمتابعتهم أيضا، ومن المفترض أن يقوم بعدها بسحب عشوائي لاختيار عدد معين ليفوزوا بهذه الجوائز المغرية مقابل متابعتهم لحسابات المشتركين في المسابقة.
تكمن معضلة هذه المسابقات في مصداقيتها، فالشعار الأول الذي رفعه هؤلاء المؤثرين لهذه المسابقات كان المساعدة، فبين مساعدة المشاريع الشابة الصغيرة ودعم الأفكار التي لم تنل حظها على مواقع التواصل الاجتماعي.
كانت الكذبة الأولى، ربما نجحت الفكرة فعلا في البداية وساعدت أصحاب المشاريع في زيادة عدد متابعين حسابات مشاريعهم وبالتالي زيادة مبيعاتهم، لكن مع اعتياد المتابعين العاديين على هذه المسابقات وانتشارها بين المؤثرين بصورة غير طبيعية تصل لأكثر من مسابقة في الشهر الواحد لكل مؤثر.. عرف الجميع قواعد اللعبة، حيث أصبح “الفولو” مؤقت لمدة المسابقة فقط وبمجرد انتهائها يلغيه كل من تابع حسابات المشتركين.. وبذلك يكون الفائز الوحيد بالـ”سبوبة” هو “الإنفلونسر” صاحب المسابقة بنسبته من إجمالي الاشتراكات.
لكن ماذا لو لم تصل الجوائز للفائزين في المسابقة من الأساس؟ بعد مرور أكثر من عام من هذه المسابقات بدأ ظهور عشرات من الشهادات من الفائزين في أكثر من مسابقة ومع أكثر من “إنفلونسر”، بأن الجوائز لم تصل لهم وأن رسائلهم للمطالبة بها تقابل بالتجاهل أو “البلوك”.. ومع انتشار وكثرة هذه الشهادات قلت مصداقية وشفافية هذه المسابقات، حتى أنه تم إنشاء قائمة سوداء بأسماء المؤثرين الذين جعلوا من هذه المسابقات أداة جديدة للنصب.
تواصل إعلام دوت كوم مع إحدى المشتركات في مسابقة سابقة مع الإنفلونسر أ.ص، التي فضلت عدم الإفصاح عن هويتها أو عن اسم مشروعها، أوضحت أن حسابها بعد الاشتراك في المسابقة زاد عدد متابعيه بأكثر من 1000 متابع، واكتشفت بعدها أن الزيادة وهمية بمعنى أن المتابعين الجدد كانوا حسابات وهمية وليست لأشخاص حقيقيين، بينما أوضحت إحدى المشتركات في مسابقة أخرى مع الإنفلونسر ه.ع، أنها اشتركت في المسابقة لزيادة متابعين حساب مشروعها لبيع المنتجات المستوردة.. وبعد مرور أكثر من شهر على دفعها الاشتراك وتجميع “الإنفلونسر” حوالي 200 ألف جنيه من الاشتراكات، لم يزد عدد متابعي حسابات أي من المشتركين وتم تجاهل رسائلهم من القائمين على المسابقة بل وتعرضوا للسب والإهانة عند تهديدهم باللجوء للشرطة، عوضا عن شهادات أخرى كثيرة وموثقة تفيد عدم وصول الجوائز للفائزين.
حتى إن الإعلام حذر من هذه المسابقات بشكل مباشر بعد انتشار هذه الشهادات، وتحدثت العديد من البرامج عن وقائع النصب وإمكانية حدوثها بمنتهى السهولة، وحذرت منها.
من جانبها، أوضحت شيماء طارق، خبيرة التسويق الإلكتروني والسوشيال ميديا، لإعلام دوت كوم أن أصحاب المشاريع الصغيرة بالرغم من وجود عدد من البدائل المضمونة أمامهم لتسويق منتجاتهم وتكبير حساباتهم، كالإعلانات الممولة على “إنستجرام” أو حتى التعامل مع عدد من الإنفلونسرز المضمونين لترويج منتجاتهم بعيدا عن المسابقات التي تشكل ابتزازا للمتابعين لمتابعة حساباتهم مقابل الجوائز التي من المحتمل ألا يحصلوا عليها من الأساس. سبوبة الإنفلونسرز
الحقيقة التي أصبحت واضحة للجميع هي أنه لا يوجد مستفيد من هذه المسابقات إلا القائم عليها الذي يجني مبالغ هائلة دون أي مجهود لمجرد امتلاكه عدد لا بأس به من المتابعين، لكن بالرغم من وجود قائمة سوداء بأسماء من قاموا بالاحتيال على متابعيهم، وبالرغم من التهديد باللجوء للشرطة والقضاء، وبالرغم من كل الإهانات التي تعرض لها من طالبوا بحقوقهم، وكل هذه المحاولات في سبيل الحد من هذه المسابقات والاحتيال الذي يحدث بها.. إلا أنه بالفعل القانون لا يستطيع حماية المغفلين، ذلك لأن اللدغ من نفس الجحر لأكثر من مرة أصبح عاديا، والدليل استمرار هذه المسابقات رغم كل هذه الشهادات حتى الآن واستمرار زيادة أرباح “الإنفلونسرز” منها حتى أنهم زادوا من قيمة الاشتراكات مؤخرا لزيادة عدد المشتركين.