أحمد عمر ـ يكتب عن كلوب هاوس
قبل نحو 14 عامًا تقريبًا، أنشأتُ حسابًا على “فيسبوك” أشهر موقع للتواصل الاجتماعي (تأسس في 2004)، وقتذاك لم يكن أحدٌ يتوقع أن يكتسح هذا الموقع الأزرق الفضاءَ الإلكتروني، ويُصبح هو في حد ذاته شبكة إنترنت مغلقة على نفسها- لأسباب أشرحها لاحقًا- ثم اتسعت الدائرة ليأتي منافس آخر هو “تويتر”، ومن ثم فُتحت طاقة كبرى في سماء الإنترنت اسمها “وسائل التواصل الاجتماعي” أو ما بات يُعرف بـ”السوشال ميديا”.
ومع تقدم تقنيات البرمجة، ظهرت مواقع وتطبيقات مذهلة تتيح لمستخدميها التواصل مع من يشاؤون بالكيفية التي يفضلون، فظهر تطبيقات مراسلة عدة مثل “بي بي إم” أو (بلاك بيري ماسنجر) والذي لم ينل حظه الوافر من الاستمرارية نتيجة لظهور العملاق “واتساب” الذي ما زال مهيمنًا على تطبيقات المراسلة، ثم جاء موقع مشاركة الصور والمقاطع المصورة “إنستجرام”، وبعد ذلك انفجر بركان من تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل: سناب شات، وتيك توك، وتليجرام، وغيرها الكثير، كما ظهرت تطبيقات أخرى لكن أُسيء استخدامها- أو هكذا أُريد لها- وتحولت إلى مواخير للدعارة المغلفة المرتدية “ماسك” من نوع خاص! عمومًا هذا النوع لا يعنينا في شيء، أذكره فقط في إطار السرد التأريخي لهذه التطبيقات.
لكن في خضم ذلك كله، قفز إلى السطح تطبيق فريد من نوعه، أثار ضجة كبرى عندما اشتهر فجأة وكأنه ومضة خاطفة من عدسة كاميرا بالغة الدقة، إنه تطبيق “كلوب هاوس Clubhouse” الذي جذب الكثيرون، بعدما تحدث عنه إيلون ماسك أغنى رجل في العالم! وهذه قصة يعرفها الصغير قبل الكبير وقُتلت بحثًا وكتابةً.
وعندما بدأتْ تطبيقات التواصل الاجتماعي في فرض نفسها وإثبات وجودها كمنصات لنقل صوت المواطن- أي مواطن في أي دولة- ظهر مصطلح “الإعلام الجديد” وتعمق فيه كثيرون، وتحول إلى أطروحة ثرية في رسائل الماجستير والدكتوراه، وظهر مدونون من نوع جديد، تحولوا لاحقًا إلى مسمى “المؤثرين”، وشاب الأمر فوضى غير مسبوقة. لكن في المقابل، سعت وسائل إعلام حقيقية للاستفادة من هذه التطبيقات في الوصول إلى أكبر عدد من المتلقين- أي الجمهور، ونجحت في أن تضع لنفسها موطئ قدم في بحيرة من “الطمي الإخباري”. ومع نزول “كلوب هاوس” إلى الساحة، سعت مؤسسة جادة ومحترفة هي “إعلام دوت كوم” في أن تغرس وتدًا قويًا في قلب هذا التطبيق، وفتحت المجال أمام الخبراء والمتخصصين للإدلاء بدلوهم في قضايا ونقاشات مهمة ومفيدة لأبعد مدى.
وقبل أيام، شاركتُ في ندوة صوتية نظمتها “إعلام دوت كوم“، بمشاركة زملاء أعزاء وأساتذة مهنة، حول “قراءة نشرات الأخبار”، ورغم أن الندوة كان مخطط لها ساعة زمن تقريبًا، إلا أنها استمرت لما يناهز الساعتين ونصف الساعة، ما يعكس مدى الإقبال الكبير من الجمهور على مثل هذه الندوات الجادة، والتي تحفز المجتهدين وتدعم أصحاب المواهب؛ حيث تضمنت الندوة اختبار لقراءة نشرة على الهواء لعدد من الحضور، ومن يدلي ضيوف الندوة من الخبراء بتعليقاتهم المفيدة.
هذه الندوة أكدت لي، كيفية استفادة وسائل الإعلام من تطبيقات التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة عمومًا، والضرورة التي تفرضها معطيات العصر الذي نعيش فيه، من أجل أن تعمل المؤسسات الإعلامية على تأهيل وتدريب منتسبيها من الصحفيين والمحررين وحتى المُصممين على مواكبة هذه التقنيات، التي تمثل الآن ثورة في عالم التكنولوجيا والاتصالات.
ففي الوقت الذي تنجح فيه مؤسسة من توظيف هذه التقنيات التوظيف الأمثل، نجد صحفًا ما زال البعض يُجادل حول وقف طباعتها سنة 2021، رغم أن مثل هذه المطبوعات ينبغي أن تكون قد انقرضت وتلاشت قبل 10 سنوات على الأقل، بينما يكون البديل أن يعمل صحفيوها ومصمموها على إنتاج محتوى رقمي ينافس على واحد من أكبر أسواق الأخبار والإعلانات في الشرق الأوسط.
وسائل الإعلام تمر بأزمة طاحنة منذ سنوات طويلة، وليس كما يظنه البعض بسبب كورونا، لكن العاملين في المؤسسات الصحفية والإعلامية، يدركون يقينًا كيفية التغلب على هذه الأزمة، عبر وضع كلمة المرور وهي: الرقمنة، أو تحويل هذه الوسائل الإعلامية لتكون رقمية بنسبة 100%. صحيح أن البعض نجح في ذلك ولو بنسب تصل إلى 80%، لكن ما زال السوق بأكمله لم يستوعب ذلك، ولا يسعى نحوه من الأساس. نرى صحفيين ما زالوا ينتظرون العودة إلى مقر الجريدة لكتابة الخبر، وآخرون ما زالوامقتنعين بأن النشر الورقي أهم وأجدى من الإلكتروني، وبالمناسبة هذا يحدث في المؤسسة التي أعمل فيها منذ 12 سنة!
إذن.. أين الحل؟ الحقيقة التي يجب أن نعترف بها أن الحلول صعبة، وتحتاج لعوامل عدة، أولها توافر الاستثمار الجريء القادر على ضخ رؤوس أموال في مؤسسات إعلامية، ينبغي أن تعمل في مناخ مناسب وفق تشريعات تواكب العصر، وهذه المؤسسات تعتمد على الكفاءات المحترفة، ولا مجال فيها للوسائط أو تدخل أي جهة في تعيين العاملين بهذه المؤسسات.
ثانيًا: بدء دورات تدريب وتأهيل حقيقية لجموع الصحفيين على مهارات الإعلام الرقمي، وهنا لا أقصد “كورسات ICDL” وما شابهها، فتلك باتت أضحوكة كبرى، ولكن أعني مهارات التصوير الرقمي والمونتاج وإنتاج الأفلام القصيرة والوثائقية، وإعداد المحتوى الإلكتروني، والبث الإذاعي عبر الإنترنت، والاستفادة من منصات بعينها في إجراء استطلاعات رأي وجمع إحصاءات ومعلومات.
ثالثًا: اعتماد نظام دعم الصحف عبر التبرعات الخيرية ومساهمات المؤمنين بقضايا الإعلام والصحافة، وهناك نماذج بريطانية وغربية نجحت في ذلك، فأي قارئ يستطيع التبرع لمؤسسة صحفية أو إعلامية بأي مبلغ، دون إجباره على دفع اشتراك شهري أو سنوي.
رابعًا: تطبيق فكرة الإشتراك الشهري أو السنوي، وهو حل ناجح للغاية في العديد من وسائل الإعلام الأمريكية وغيرها، والمؤكد أن هناك الكثيرين قادرون على الدفع مقابل الحصول على خدمة إخبارية وإعلامية نوعية ومتميزة.
الخلاصة.. الإعلام الجديد ليس كما يظن البعض متمثل في نشر روابط الأخبار على فيسبوك أو تويتر، لكنه الإعلام القادر على توظيف التكنولوجيات الحديثة لإنتاج محتوى ثري ونوعي، وقادر على جني أرباح وتوظيف الصحفيين بأجور تلائم طبيعة عملهم، وهذه قضية أخرى تحتاج إلى سلسلة من المقالات وليس مقالًا واحدًا.. ودمتم بخير.