من أكثر البرامج التلفزيونية اللي كان لها أهمية كبيرة عندي هو برنامج في التسعينات اسمه “ذاكرة السينما” تقديم الإعلامية “سلمى الشماع”، البرنامج كانت فكرته تعتمد على عرض افلام لها اهمية كبيرة في تاريخ السينما المصرية وممنوعة من العرض على التلفزيون المصري لأسباب متباينة، ووقتها طبعاً لم يكن هناك فضائيات ولا انترنت ولا اي حاجة !!
وكانت أولى حلقات البرنامج والتي لا انساها تشمل عرض الفيلم النادر جداً “لاشين” إخراج الألماني “فريتز كرامب” وهو الفيلم الذي تنبأ بالثورة على الملك فاروق منذ عام 1938، ومنع من العرض لأن الأسرة العلوية اعتبرته عيباً في الذات الملكية لأنه كان يشمل في نسخته الأولى مشهد قتل الحاكم الفاسد في نهايته، وتم تغيير النهاية ويتحول الحاكم الظالم إلى حاكم عادل فجأة وينعم بحب شعبه ويسحق المؤامرة، وتم إتلاف الجزء الأخير باكمله والذي لو ترك كان سيتحول إلى وثيقة سينمائية بالصوت والصورة، وتكبدت شركة مصر للتمثيل والسينما حوالى 30 الف جنيه خسائر بتقدير تلك الفترة، وبعدها صدر قانون رقابي بمنع قتل أي ملوك أو سلاطين على الشاشة !! ولكن الأهم من عرض الفيلم كان المناقشات التي تدور بين الإعلامية المولعة بالسينما “سلمى الشماع” وضيوفها من كبار نقاد السينما في تلك الفترة، وكانت حلقات بديعة ومناقشات رائعة.
ومن ضمن الأفلام النادرة التى عرضها البرنامج فيلم “الصقر” وهو إنتاج مصرى ايطالي مشترك وقصة وسيناريو المبدع “بيرم التونسي” وبطولة “عماد حمدى”، “سامية جمال” وهو أول أفلام “سامية جمال” الذى قدمته كممثلة فقط في ذروة تألقها كراقصة.
وكذلك الفيلم المثير للجدل “زوجتى والكلب” بطولة “نور الشريف”، السندريلا “سعاد حسنى”، “محمود مرسى” وإخراج المخرج الجرئ “سعيد مرزوق”.
وقد كنت من أكثر المتضررين عندما تم ايقاف “ذاكرة السينما” ولم يظهر للنور مرة اخرى، وبعدها توجهت مذيعة البرنامج لرئاسة قناة النيل للمنوعات كإحدى القنوات المتخصصة بالتلفزيون المصرى، تلك القناة التي كانت أولى محطاتي في الإعلام التلفزيونى ، وكانت تضم وقتها مجموعة نادرة من الإعلاميين الشباب مثل المخرجين “خالد شبانة”، “احمد رشوان”، “هشام عبد الخالق” والمذيعات “بسمة”، “نجلاء بدر” قبل اتجاههما إلى مجال التمثيل، “امينة شلباية”، “لينا شاكر” وكذلك “خالد ابو النجا” قبل دخوله ايضاً عالم الفن.
وما زال في ذاكرتى من برنامج “ذاكرة السينما” الجملة الشهيرة للفنانة الراحلة “راقية ابراهيم” في فيلم زينب الناطق وهى” اللى ملوش أهل .. الحكومة أهله !!” وكانت تستخدم فى برومو البرنامج بإعتبارها واحدة من أشهر الجمل السينمائية العربية.
فيلم “زينب” أحد الإفلام التي تم تقديمها مرتين في السينما المصرية، مرة كفيلم صامت، ومرة كفيلم ناطق من إخراج فارس السينما المصرية “محمد كريم” عن قصة الأديب الكبير “محمد حسين هيكل”، وتميز “كريم” بمدرسة تجميل الواقع قبل ظهور رائد الواقعية في السينما المصرية “صلاح ابو سيف”، ولذلك فإن من يشاهد القرية في فيلم “زينب” يجدها قرية في منتهى الجمال والنظافة والابهة، ورغم الإنتقادات التي توجه لتلك المدرسة في الإخراج السينمائي إلا أن لها روادها والمقتنعين بها ويرون أن دور السينما إبراز الواقع فى أجمل صوره.
وكانت بطلة الفيلم الممثلة المصرية يهودية الديانة “راقية ابراهيم” والتي فاجأت الجميع بإعلان تأييدها لدولة اسرائيل الوليدة ثم هاجرت إلى امريكا، وكانت صديقة شخصية للعالمة المصرية “سميرة موسى” وترددت اشاعات حول تجنيد الموساد لها لقتل العالمة المصرية الشابة.
ورغم أن “راقية ابراهيم” لها ادوار مميزة فى السينما العربية الا أن الجميع يذكر لها الدويتو التاريخى حكيم عيون مع الموسيقار “محمد عبد الوهاب” فى فيلم “رصاصة فى القلب” ، ولكن جملة “اللى ملوش اهل .. الحكومة اهله !!” كانت أحد أسباب معرفة اجيال كثيرة بها خصوصاً مع تكرارها فى برنامج “ذاكرة السينما”.
الحقيقة مش عارف ليه تذكرت الجملة ديه لما سمعت تصريح رئيس الوزراء المصرى المهندس “ابراهيم محلب” عن أن الحكومة لم يعد لديها وظائف وأنه على الشباب أن يتجهوا للاعمال الحرة ومنها قيادة التكاتك، علماً بأن التكاتك غير مرخصة اصلاً !! فحسب قصة الفيلم كانت “راقية ابراهيم” تقصد أن الحكومة ضهر للمواطن البسيط وسند له، ولكن المهندس “محلب” يرفض ذلك تماماً ويؤكد بصريح العبارة ان “اللي ملوش أهل .. الحكومة برضه مش أهله” !!